كواركات الجَمال

هناك توقٌ في مكان ما داخل النفس البشرية إلى الاحتراب، جوعٌ إليه، وليس بالضرورة أن تكون الحرب ساخنة أو باردة، إنما هو التنازع على أي شيء يعطي للإنسان شعوره بمتعة الانتصار.
الفيزيائيون يقولون إنهم اكتشفوا هذه الأيام قوة طبيعية جديدة لم تكن معروفة من قبل، والقوى الطبيعية الأساسية الأربع التي كنا نعرفها هي القوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الشديدة، والقوة النووية الضعيفة، والجاذبية. غير أنهم يشعرون اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن هناك قوى كونية غير مرصودة، بعد مراقبة سلوك مجموعة من الجسيمات الأساسية التي تسمّى بـ”كواركات الجمال” لديها القدرة على التحوّل إلى جسيمات أكبر.
“كواركات الجَمال” حسب أهل العلم هي أجسام غير مستقرة، تعيش قرابة 1.5 تريليون جزء من الثانية قبل أن تتحلل إلى جسيمات أخرى، وكي تصبح قوة طبيعية جديدة ينظر العلماء إلى عدد المرات التي تتحوّل فيها بشكل ماكر إلى أشكال أخرى. وهذا ما يسعى خلفه زملاء هاري كليف، فيزيائي الجسيمات، في جامعة كامبريدج.
أما أنت عزيزي القارئ، فستفكّر مثلي في هذه اللحظة، أن أول ما سيخطر ببال مموّلي مثل هذه المشاريع، هو كيف سيمكنهم استثمار قوى الطبيعة الجديدة وتحويلها إلى قدرات حربية.
لم يكن علماء الماضي مخطئين حين اعتبروا أن المعرفة لا يجب أن تكون مشاعاً للجميع، فليس الكل قادراً على تحمّل مسؤوليتها. وعصرنا يبرهن على هذا بأسطع البراهين.
وقد وقعت بين يدي ورقة هامة حملت عنوان “آراء أبناء جيل الألفية بشأن الحرب”، وهي دراسة استقصائية أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 16 بلدًا وإقليمًا نصفها ينعم بالسلم بينما يشهد النصف الآخر نزاعات مدمّرة. وكان السؤال الأبرز لهذه الدراسة هو “كيف يمكن للجيل القادم من المفكّرين والقادة إعادة صياغة مستقبلنا الجماعي جذريًا”؟
خذ بعضاً من النتائج؛ يرجح أكثر من نصف أبناء جيل الألفية المشاركين في الدراسة اندلاع حرب عالمية ثالثة خلال فترة حياتهم. ونفس النسبة ترى أنه من المرجح وقوع هجوم نووي خلال العقد المقبل. وما نسبتهم 37 في المئة من أبناء جيل الألفية يرون أن التعذيب أمرٌ مقبول حسب الظروف. بينما يرى 75 في المئة أن معظم الحروب يمكن تجنبها. ومع مثل هكذا نتائج الأفضل لك أن تتذكّر كلام مارتن لوثر كينغ “هؤلاء الذين يحبّون السلام عليهم أن يتعلموا التنظيم بكفاءة وفعالية مثل أولئك الذين يحبّون الحروب”.
قبل أن تنهي القراءة، كواركات الجَمال التي تحدثنا عنها، لم يعد اسمها هكذا، ويبدو أن الاسم لم يعجب المستثمرين، فاتفقوا على تسميتها بـكواركات “القاع.. القعر”. فتأمّلْ.