كنان إسكندراني: الدراما العربية المشتركة حالة فنية صحية

رغم دراسته الأكاديمية للسياحة ثم الحقوق نزولا عند رغبة والديه، إلاّ أنه لم يتخل يوما عن حلمه الذي طالما راوده في احتراف التمثيل والإخراج، إذ تمرد الفنان السوري كنان إسكندراني على دراسته الأكاديمية، فأسس وهو ما يزال طالبا فرقة مسرحية لإشباع شغفه هذا.
ولم يتوقف الأمر عند حدود الهواية، فبعد تخرجه في الجامعة شارك بالتمثيل في عدد من الأعمال الدرامية، غير أن عشقه للإخراج كان يغلب على رغبته في التمثيل، وحين أتته الفرصة، لم يتردد في خوض التجربة.
نفذ المخرج السوري- الفلسطيني كنان إسكندراني أعمالا درامية في سوريا والأردن واليمن ولبنان، ويتطلع إلى إنجاز أعمال أخرى في دول وبيئات عربية مختلفة، وهو يرى أن حلم أي مخرج عربي طموح، هو أن ينتشر أولا في الوطن العربي على الأقل قبل أن يصل إلى العالمية.
وعمل إسكندراني في البداية كمساعد مخرج مع عدد من المخرجين السوريين، من بينهم المخرج نجدت إسماعيل أنزور، الذي كان له الفضل في إعطائه أول فرصة للعمل منفردا، بعدها تولى مهمة إخراج أول عمل درامي له في عام 2013، وهو مسلسل “ليالي شامية” المكون من ثلاثين حلقة متصلة ذات طابع كوميدي، وتعرض المسلسل في حس ساخر إلى العديد من المشكلات التي يواجهها الشباب والأسرة الشامية.
وفي العام 2014 أخرج عمله الدرامي الثاني، وهو مسلسل “رقص الأفاعي” الذي تعرض للعديد من المشكلات والتحديات التي تواجهها النساء في مجتمعاتنا.
أما خارج سوريا، فقد تولى كنان إسكندراني إخراج المسلسل اليمني “طريق المدينة” الذي شارك فيه فنانون من سوريا واليمن، ويعد واحدا من أهم الأعمال الدرامية التي تتحدث عن الصراعات والتحولات التي شهدتها اليمن خلال فترة الأربعينات من القرن الماضي.
وأثبت كنان أيضا وجوده على الساحة اللبنانية من خلال عمله في البداية كمخرج منفذ للمسلسل اللبناني “وين كنتي” مع المخرج اللبناني سمير حبشي، بعدها تولى إخراج الجزء الأول من مسلسل “البيت الأبيض” الذي تم عرضه خلال الموسم الرمضاني الماضي، ويتم الإعداد حاليا لإنجاز الجزء الثاني منه ليعرض في رمضان القادم.
ويبشر المخرج جمهوره بأحداث مشوقة لمسلسله اللبناني المرتقب، أما عن طاقم العمل فيصرح إسكندراني لـ”لعرب” أنه ليس هناك أي تغيير في طاقم العمل المشارك في الجزء الأول، بل يؤكد أن هناك ضيوفا وأحداثا جديدة في انتظار المشاهد.
وتجربة كنان الثرية والمتمردة لا تقتصر عند حدود العمل فقط، فعلى المستوى الشخصي والإنساني يتمرد المخرج أيضا على واقعه الذي يزاوج بين ثقافتين، فهو السوري- الفلسطيني، الذي حوّل شتاته إلى طاقة إيجابية تجمع كل ثقافات الشام في بوتقة واحدة.
وهو يؤمن أن بلاد الشام يجمع بينها الكثير من الروابط، لذا فهو يرى أن الأعمال الدرامية المشتركة بين سوريا ولبنان، على سبيل المثال، لا تتسم بالافتعال كما يشاع، فهي حسب قوله “حالة فنية صحية مبنية على التنافس البناء وتبادل الثقافات، وخاصة أن تركيبة المجتمع في كل من سوريا ولبنان تكاد تكون واحدة”.
وخاض كنان إسكندراني تجربة التمثيل والإخراج معا، لكنه يجد المتعة الحقيقية في عملية الإخراج، لأن الإخراج يسمح له، كما يقول، بإدارة كافة شخصيات العمل وخلقها من بين السطور والأوراق، لتصبح شخصيات حقيقية تلامس الواقع، في الوقت الذي يكون فيه تحكم الممثل فقط ضمن إطار شخصيته.
وهناك تحديات كثيرة تواجه كنان إسكندراني كمخرج كفلسطيني يحمل الجنسية السورية، من بينها على سبيل المثال تلك القيود التي تمنعه كمخرج من السفر والتحرك بحرية لاكتشاف مجتمعات أخرى وبيئات مختلفة، وهي قيود مفروضة يواجهها أي فلسطيني. لكنه رغم كل هذه القيود يحلم بإيصال رسالته إلى العالم أجمع، ومن ضمن أحلامه على سبيل المثال أن يتولى إخراج عمل سينمائي مشترك، ومكتوب جيدا، يستطيع من خلاله مخاطبة العالم، ويصل به إلى قلوب المشاهدين ويلامس مشاعرهم.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هناك أزمة في النصوص الدرامية في الوطن العربي، يرى المخرج السوري خلاف ذلك، فالأزمة الحقيقية من وجهة نظره هي أزمة إنتاج أو ممولين يفرضون نوعية النصوص والقصص التي يتم طرحها، لأغراض سياسية أو تجارية، والحل في رأيه يتمثل في تدخل أشخاص ذوي رؤية صائبة لتمويل الأعمال التي تحمل قيما فكرية أو اجتماعية معينة.
وهنا يلفت إسكندراني الانتباه إلى ظاهرة الأعمال الدرامية المقتبسة عن أعمال أخرى، إذ يراها مرتبطة على نحو كبير بأزمة التمويل والقنوات التي تتحكم بالمنتج، والذي يتحكم بدوره بالكاتب ويستكتبه، ويصبح المشروع تجاريا فنيا، وليس فنيا تجاريا.
أما عن الرقابة التي تعد معضلة حقيقية للكثير من صناع الدراما في الوطن العربي، سياسية كانت أو دينية أو حتى اجتماعية، فيرى كنان إسكندراني أن المخرج مضطر أن يتعامل معها بشكل أو بآخر، وأنه غالبا ما يتعامل مع أنواع الرقابة المختلفة بطريقتين.
والطريقة الأولى تتمثل في مسايرة الواقع، مع العمل على إيصال الرسالة والرؤية الخاصة بالمخرج بشكل غير مباشر، عبر العمل الفني، على طريقة “الحدق يفهم” (الذكي يفهم)، أو ما يعرف بالمراوغة والتذاكي، وهو هنا يخاطب شريحة معينة من الجمهور، أما الطريقة الثانية التي يتبعها البعض، فهي أن ينتظر المخرج قرارا سياسيا بعدم التدخل بالعمل الدرامي وتسييسه، ورفع سقف الحريات بما لا يتعارض أو يسبب الفتن والمشاكل.