كل عام ونحن على عجل

يستمر هوس البشرية بالأبراج في حالات الفرح والاحتفاء أو الحزن والانزواء على حد سواء.
الثلاثاء 2021/12/28
بين التفاؤل والتشاؤم

صديقي علي من مواليد الأول من يناير عند منتصف الليل، يعني أن البشرية جمعاء تحتفل بيوم ميلاده متوحدة كما لم تفعل أبدا، أما أنا فولدت في التاسع من مارس أي يوم زواج نابليون بجوزفين عام 1796، وذكرى اندلاع ثورة سعد زغلول ضد البريطانيين عام 1919، وتصويت الأيرلنديين بأغلبية ساحقة على البقاء ضمن المملكة المتحدة عام 1973.. ومولد شخص آخر في الغرفة المجاورة لغرفة أمي في دار التوليد.. وماذا بعد؟

أما عن برجي الذي ولدت تحت طالعه فمن أشهر مواليده الممثلة الإيطالية أورنيلا موتي سنة 1955 ومن أشهر وفياته رئيس الوزراء الإسرائيلي مينحن بيغن سنة 1992.

وبما أننا تحت رحمة الأبراج، نهاية هذا العام، والتي نبدأ بالتظلل تحتها كل شمس صباح مع أصوات الإذاعة ونشرات التلفزيون، فإنها تمتد تفاؤلا من برج بابل الشهير والمذكور في سفر التكوين إلى برج إيفيل الذي مازال يباعد بين ساقيه في باريس عند استقبال السياح، خصوصا في مثل هذه الأيام رغم الجائحة.

وتستمر هذه الأبراج تشاؤما من برج البراجنة في ساحل المتن الجنوبي العائدة لمحافظة جبل لبنان والتابعة لقضاء بعبدا مما جرى التعارف على تسميته باسم ضاحية بيروت الجنوبية التي يؤمها نازحو الجنوب هروبا من الاحتلال الإسرائيلي، إلى برج الرومي، وسجنها الشهير في محافظة بنزرت شمالي العاصمة تونس، والذي يعد مدونة للذاكرة الوطنية.

ويستمر هوس البشرية بالأبراج في حالات الفرح والاحتفاء أو الحزن والانزواء على حد سواء، كما هو الحال في صفحة الأبراج التي لا بد أن تمر من تحت عيني قارئ مثقف أو عامي بسيط على الجريدة كل صباح.

شخصيا اشتغلت في صفحة الأبراج والكلمات المتقاطعة في إحدى الصحف العربية حين ضاقت بي الدنيا، انحنى برجي، وهوى طالعي. وكنت لا أفقه في الأبراج سوى برجي وبعض من الأقارب والأصدقاء، فكنت أستعين وأستهدي بأحوالهم ومصائرهم ثم أتّكل على الله، فما كان منهم إلا الإقبال على تنبؤاتي، ومن ثم المزيد من الثقة والاستحسان حتى منهم الذين لا أعرفهم ولا أعرف أبراجهم إلا بالقدر اليسير من التوقع والاستقراء.

أما الأغرب من ذلك كله فهو أني خائب التوقع فيما يخص برجي، إذ كنت أتنبأ له بنهار رائق وجميل في أسوأ أيامه، وأنذره من آخر أسود وكئيب في أسعد أيامه وأكثرها حظا، ذلك أني كنت أتبع حدسي الذي يخيبني دائما.

كل ما في الأمر أنني كنت أستلهم من مزاجي وتوجسي، حتى أني كتبت لبرج صديقتي يوما -وهي التي لا تعلم أني محرر تلك الصفحة- “حافظي على حبيبك وامنحيه المزيد من الدفء والراحة”، فما كان منها إلا أن تركتني “شاحبا كالقمر” في مثل ذلك اليوم.

20