"كلب السفير".. مسرحية سورية تفضح السلطة بأسلوب ساخر

المسرحية تحمل مدلولات اجتماعية وسياسية ضمن قالب ساخر يجمع بين المتعة والمعرفة من خلال الاعتماد على شخصية مجازية هي الكلب، وشخصية مرافق الكلب وشخصية حارس الحديقة.
الجمعة 2021/10/08
العمل فيه الكثير من الإسقاطات على الواقع

اللاذقية (سوريا) – تستضيف خشبة مسرح دار الأسد للثقافة باللاذقية حاليا أحدث نتاجات فرقة المسرح القومي عن نص للكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان وإخراج فايز صبوح بعنوان “كلب السفير”.

ودائما ما يُقدم الكاتب السوري ممدوح عدوان رؤية مختلفة في نظرته للحياة، طارحا الجدل الكبير حول معضلات حياتنا على طاولة المسرح فتُفرد الأوراق للشخصيات وتصبح أجوبة الجمهور حاضرة أمام أسئلة العرض المسرحي، وهذا ما نجده في المسرحية الجديدة على غرار نصوص عدوان المسرحية الأخرى.

ويطرح العرض مجموعة من المفارقات والقضايا التي تلامس الواقع بقالب من الكوميديا السوداء وتدور أحداثه ضمن حديقة عامة يحرص حارسها على تطبيق قانون بمنع دخول الحيوانات المدللة إليها، ولكنه سيضطر رغما عنه لمخالفة هذا القانون عندما سيزور الحديقة شخص معه كلب سفير لإحدى الدول لتنزيهه.

العرض يطرح مجموعة من المفارقات والقضايا التي تلامس الواقع بقالب من الكوميديا السوداء

يوضح فايز صبوح مخرج العمل وبطله بشخصية أبوسمعان حارس الحديقة، في تصريح له “حاولنا من خلال العمل تجسيد حالات واقعية بقالب يعتمد على كوميديا الموقف مع كاريكاترات متنوعة استحدثت بعضا منها كنوع من التزيين وإضافة الحركة للعمل”.

ويشير إلى أن المسرحية تحمل مدلولات اجتماعية وسياسية ضمن قالب ساخر يجمع بين المتعة والمعرفة من خلال الاعتماد على شخصية مجازية هي الكلب، وشخصية مرافق الكلب وشخصية حارس الحديقة.

ويضيف أنّ أحداث المسرحية تدور حول الحارس الذي يمنع إدخال الكلب إلى الحديقة تطبيقا للقانون، إلا أن مرافق الكلب يحصل له على استثناء بذريعة أنه كلب سفير، لكن حارس الحديقة الذي يمتعض من هذا الإجراء يعمد إلى دسّ السمّ للكلب عبر قطعة من اللحم التي يرفضها الكلب، فيأكلها مرافقه الذي يلفظ أنفاسه وهو يردّد «الحمد لله أنني أكلتها ولم يأكلها الكلب»، وذلك بعد أن عرف الحقيقة.

ويلفت صبوح إلى أننا اليوم في ظل ما تفرضه علينا الحرب وآثارها بحاجة ماسة للمسرح القادر على تجسيد الواقع الذي يهم عامة الناس وليس النخبة فقط، مؤكدا أهمية استمرار تقديم عروض مسرحية رغم الظروف الصعبة التي نعيشها.

ورأى الفنان مصطفى جانودي الذي يؤدي دور مرافق كلب السفير أن العمل فيه الكثير من الإسقاطات على واقعنا المعيش، مشيرا إلى الكثير من الصعوبات التي واجهت العمل وفي مقدمتها غياب وجود خشبة مسرح للتدريبات مع خروج خشبة المسرح القومي عن العمل نتيجة أعمال الترميم، داعيا إلى تقديم الدعم للمسرح وعلى كافة الأصعدة.

واعتبرت الفنانة ريم نبيعة التي تؤدي دور البصارة أن العمل يعكس الواقع من خلال قصة صغيرة بمدلولات كبيرة، مشيرة إلى أن الشخصية التي تؤديها من الشخصيات المستحدثة بعيدا عن النص الأصلي كتنويع في العمل وإعطائه المزيد من الحركة.

ويشارك في أداء شخصيات العمل الذي يستمر عرضه حتى العاشر من الشهر الحالي خالد حمادة وأشرف خضور ونور خضور وحمزة صبوح ومجد عمران.

 

Thumbnail

وفي المسرحية يبدو جليا حجم سخريّة عدوان من طريقة السلطة في طرح مفهوم السيادة الوطنيّة، إذ تعبر هذه اللوحة المسرحيّة عن الضغوط التي تمارسها بعض الدول العظمى على الدول الصغرى، عبر وسطاء ومراكز قوى تسهّل لها تدخّلها في شؤونها الداخليّة.

كما تدين المسرحية انحطاط القيم والتفاوت الطبقيّ الذي يهبط بالإنسان إلى الحضيض في الوقت الذي يعلي فيه من شأن الكلاب، لا لأنّها مجرّد كلاب، بل لأنّها كلاب الخاصّة وأصحاب النفوذ والقرار.

إنها مفارقات يرسخها عدوان عبر شخصيات بسيطة، لكنها تكشف جوانب هامة من حياة الشعوب الضعيفة والقابعة تحت حكم أنظمة لا تعترف بالقوانين ولا تعلي من شأن الإنسان، ويكشف الكاتب بمهارة عن دونية الإنسان البسيط وتبعيته وارتهان الأرض ومن عليها للقوى غير الوطنية، علاوة على السخرية من انعدام المبادئ، إلا مبدأ واحد هو الدونية، وهو ما نراه في مشهد موت مرافق الكلب وهو سعيد بأن الكلب لم يحدث له شيء، وفي المقابل كانت شخصية حارس الحديقة عبارة عن الوطني الذي لا يعرف ماذا يفعل لحماية بلاده، فحتى محاولته التخلص من الكل باءت بالفشل، وربما سيأتي مرافق آخر للكلب.

ويذكر أن مسرحية “كلب السفير” صدرت ضمن آخر ما كتب الأديب السوري الراحل ممدوح عدوان 1941 – 2004، بعنوان “الكلاب” وضمت مسرحيات “كلب الأغا” و”كلب شارد” و”الكلبة المعضوضة” و”كلب السفير”، ولعلها من أنضج وأجمل ما كتب عدوان، فكأنها وصية فكرية تركها لنا الكاتب الراحل الذي قضى عمره ينبهنا ويحذرنا ويحلم ويسعى معنا نحو حياة أفضل.

14