كريم آدم مصمّم مصري يشعل شغف العين بالمشاهدة

صانع الفرجة العربي الذي اختارته نتفليكس.
الثلاثاء 2021/05/25
شاب مصري يمتهن صناعة الأغلفة بشغف حقيقي للكتب والثقافة والإبداع

الكتاب صديق، بمحتواه، وقرب مؤلفه من قلب القارئ، وأهمية ما يقدمه من أفكار تؤثر في متلقيها، وبجمال شكله وجاذبية غلافه أيضا. فالغلاف صار إحدى أدوات التسويق الأساسية لأي كتاب، ومهما كان اسم مؤلفه أو محتواه. والكثير من الأعمال الفكرية الجيدة لا يلتفت إليها أحد لرتابة غلافها وجفائه.

مع ثورة التكنولوجيا وانفتاح الشعوب الثقافي عبر الفضاء الإلكتروني، وفي ظل ازدحام واضح في سوق الكتاب العربي في الآونة الأخيرة، وتمدد صفوف القراء ومحبي الثقافة، تحولت صناعة الأغلفة من حرفة تقليدية، يمكن لأي شخص القيام بها، مثل جمع النصوص، أو تنسيق المحتوى، أو مراجعة النص لغويا، أو طباعة الكتاب، إلى فن خاص بذاته، له مبدعوه ونجومه ومدارسه وقوانينه وجماهيره.

إذا كانت نظرة أجيال ناشئة إلى الكتاب قد تغيرت، فجزء من ذلك مرجعه لما عرفته أسواق الكتب من أغلفة لافتة ومبهرة وجميلة، حيث شهدت السنوات الأخيرة تنافسا بين فنانين كثر سعوا إلى التطوير والتجديد والمشاركة في صناعة التشويق ونثر الجاذبية، لتخرج صناعة الكتب مبدعين لعبوا أدوارا في اهتمام الجمهور بالكتب، وإثارة شغفه، ومنهم الفنان المصري كريم آدم، الذي صارت أغلفته محل اهتمام دوائر ثقافية عديدة، ما أهله لاختياره من قبل شركة نتفليكس العالمية لتصميم أفيش المسلسل العربي “ما وراء الطبيعة” المأخوذ عن قصة الكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق.

رحلة ثرية

صناعة الأغلفة تتحول من حرفة تقليدية، يمكن لأي شخص القيام بها، مثل جمع النصوص، أو تنسيق المحتوى، أو مراجعة النص لغويا، أو طباعة الكتاب، إلى فن خاص بذاته، له مبدعوه ونجومه ومدارسه وقوانينه وجماهيره
صناعة الأغلفة تتحول من حرفة تقليدية، يمكن لأي شخص القيام بها، مثل جمع النصوص، أو تنسيق المحتوى، أو مراجعة النص لغويا، أو طباعة الكتاب، إلى فن خاص بذاته، له مبدعوه ونجومه ومدارسه وقوانينه وجماهيره

مشوار آدم مع الأغلفة والتصميمات يمتد لنحو عشر سنوات، ورغم كونها فترة قصيرة في رحلات الإبداع، إلا أنها ثرية بالنجاحات ومليئة بالتطورات والنقلات الحقيقية، والتحول من أسلوب إلى آخر، ما يؤكد أن موهبته تنضج وتتمدد وسعيه للتقدم والتميز في استمرار متواصل، ومحاولاته للتجريب لا تنقطع.

إذا كان المصمم، الشاب المولود في مدينة دسوق، بمحافظة كفر الشيخ، شمال القاهرة، سنة 1987، والذي أصر على دراسة الفنون الجميلة، ملتحقا بجامعة الإسكندرية، ليتخرج فيها عام 2009، قد بدأ مشواره في تصميم الأغلفة باستخدام أسلوب مزج ملون من خلال برامج “الغرافيك” للوصول إلى شكل مبهر، فإنه لم يلبث أن قدّم تشكيلات جديدة لألوان غير مستخدمة، والاعتماد على فكرة تبدو بسيطة لتحديد نمط خاص به، لم يلبث أن صار مميزا له.

لم يجد الفنان بأسا في اعتماد أفكار جديدة، وتقديم محاولات أخرى، لتقديم تصميمات لها القدرة على اختطاف العين، ما يعتبره الناشر والروائي أحمد عبدالمجيد أهم ما يميّز كريم آدم بين جمهور المصممين المحترفين للأغلفة.

وقال عبدالمجيد لـ”العرب” إن آدم يقدم كل عام في موسم معرض الكتاب ثيمات جديدة يكون هو أول من يقدمها من خلال فهمه لمحتوى الكتاب، بما يثير الشغف لدى القارئ ويدفعه في الكثير من الأحيان إلى الإمساك بالكتاب لقراءة ما دوّن على ظهره ومن ثم شرائه.

تلك الثيمات تمثل نموذجا للنص الأدبي غير المتوقعة أحداثه أو المعروفة نهايته، ما يجعله أشبه بوسيلة لطرح المزيد من الأسئلة أمام القارئ الراغب في التعرف على الكتاب من خلال غلافه.

المصمم الثابت على أسلوب وحيد والمتوقف عن الاطلاع والتعرف على العالم، في ظل التقدم التكنولوجي والسماوات والحدود المفتوحة، مُنتهٍ لا محالة، بتصوّر آدم، حتى لو ظل لامعا لبرهة من الزمن

 والجذب عادة يحدث حال مباغتة المُتلقي بما هو خارج حساباته، فالاعتماد على دمج عناصر بصرية مميزة وغير متوقعة تجعل من الغلاف بابا شديد الجاذبية، لأن التقليدي، هو ما كان سائدا في الماضي، حيث يقدم الغلاف تقريبا لمحتوى الكتاب أو إجابات لأسئلة مباشرة للقارئ، تتناول الكتاب، ورؤية صاحبه وموقفه مما هو مطروح في العنوان، وربما إفصاحا تاما عما يريد الكاتب توصيله، لكن الحداثي هو أن يضيف الغلاف تساؤلات أخرى ويحمل المعنى وعكسه، لتحتمل مكوناته أكثر من معنى ومعنى.

لقد كان آدم ابنا نبيلا للألفية الثالثة بكل ما تفرضه من تصورات مغايرة للفن والإبداع والثقافة، ومعها شب ونضج وتعلم، وصار مؤمنا بقوانينها الإبداعية التي تقاوم النمطية، وتتمرد على القوالب المتوارثة للفن.

بعيدا عن الفن، فإن التسويق الحديث يتخذ الطريق ذاته، وليس أدل على ذلك من التجربة التي نفذها آندرو رومبرج، مسوق الكتب الأميركي الشهير، للتعرف على نوعية غلاف الكتاب الجاذب، إذ قام بتصميم غلاف لكتاب عليه صورة قاتمة بلون واحد يميل للأصفر، ويحمل عنوانا مباشرا هو تاريخ الولايات المتحدة، ثم صمّم غلافا لكتاب آخر يحمل ألوانا وتكوينات عديدة متداخلة تحمل أكثر من معنى وكتب عليه “جانب من تاريخ مُهمل” وكان الإقبال في طلبات الشراء الإلكترونية لصالح الثاني، حمّال الأوجه، وغير المباشر، والمثير لحيرة وتساؤلات الجمهور.

مرت صناعة الأغلفة في العالم العربي بمراحل عديدة، تزامنت مع تطور المجتمع وظروفه، ففي البداية كانت أغلفة الكتب عبارة عن أرضية مصمتة لها لون واحد، غالبا هو الأبيض ثُم تطور الأمر مع تقدم الصور الفوتوغرافية ليضع مؤلف كل كتاب صورته على الغلاف أو في الصفحة الأولى.

وفي فترة لاحقة حدث تزاوج بين الفن التشكيلي وصناعة الكُتب، ليختار الكثير من كتاب الروايات والقصص العربية لوحات فنية جاهزة لفنانين كبار يتمّ وضعها على الأغلفة، وهو ما أحدث حالة من الرواج النسبي خلال الخمسينات والستينات.

تطور فني

آدم يبدو ابنا نبيلا للألفية الثالثة بكل ما تفرضه من تصورات مغايرة للفن والإبداع والثقافة، مؤمنا بقوانينها الإبداعية التي تقاوم النمطية.
آدم يبدو ابنا نبيلا للألفية الثالثة بكل ما تفرضه من تصورات مغايرة للفن والإبداع والثقافة، مؤمنا بقوانينها الإبداعية التي تقاوم النمطية

أسهم تخرج دفعات من كليات الفنون الجميلة في إقامة مدارس بدائية لصناعة الأغلفة، وبدأ الكثير من الناشرين في الاهتمام الفعلي بالغلاف باعتباره وسيلة جذب، وساعد التطور التكنولوجي في الفن من خلال مزج صور متعددة، واستخدام الكولاج وتوظيف الفوتوغرافيا الحديثة فيه، ولم يلبث أن تشكلت نواة لاتجاهات واضحة في التركيز بشكل أكبر في الغلاف ليصبح في حد ذاته عملا موازيا للكاتب.

كل ذلك كان في ذهن آدم، عندما بدأ تصميم أول غلاف له وهو لكتاب بعنوان “حدوتة عبرية” من تأليف تامر جابر ومصطفى فتحي، فور تخرجه في الجامعة، وحتى الوقت الحالي بعد أن أصبح نصيبه في أغلفة الكتب العربية يزيد عن خمسمئة غلاف، فهو يُدرك أن التطور أسرع من تخيلات البعض، وأي مبدع عليه تطوير أدواته وأسلوبه ورؤاه للجمال مع الوقت حتى لا يتحول إلى موضة قديمة.

من هنا يقول آدم “إنني أعتمد في المقام الأول على متابعة الأعمال الفنية الجديدة باستمرار، خاصة العالمية منها، وأُخصص كل يوم ثلاث ساعات، على الأقل، للتعرف على تصورات الفنانين العالميين في الشرق والغرب، فتصميم الأغلفة يشبه الموضة، وهو ما يعني أنه متغير من وقت لآخر، لأن الأذواق تتبدل سريعا وتتحرك ولا بد من مواكبتها”. وهو يرى أن المصمم الثابت على أسلوب وحيد والمتوقف عن الاطلاع والتعرف على العالم، في ظل التقدم التكنولوجي والسماوات والحدود المفتوحة، مُنتهٍ لا محالة، حتى لو ظل لامعا لبرهة من الزمن.

يؤمن آدم بأن المصمم شريك في الكتاب، ما يعني بالضرورة أن عليه قراءة الكتاب وفهمه واستيعابه قبل أن يصمم غلافه. فمهمته ليست مجرد وضع حلية أو زينة لكتاب ما، إنما تسلم الكتاب بأمانة وتوصيله بحماس، ورضا للقارئ، ما يمثل سببا في اضطراره أحيانا إلى رفض تصميم كتاب لا يعتقد أنه يُضيف لقارئه شيئا أو يُحرض على قبح أو يدعو إلى تمييز.

البحث عن المختلف

عمل آدم يمتد إلى تصميم بوسترات للكثير من الأعمال الدرامية اللافتة مثل مسلسل “ليالي أوجيني”، و”أهو ده اللي صار”، و”بالحجم العائلي”
عمل آدم يمتد إلى تصميم بوسترات للكثير من الأعمال الدرامية اللافتة مثل مسلسل “ليالي أوجيني”، و”أهو ده اللي صار”، و”بالحجم العائلي”

كان زملاؤه في كلية الفنون الجميلة يعملون في مجال الدعاية، والرسم على الأقمصة، وإعداد وتجهيز الأستوديوهات، والمشاركة في أعمال الديكور، وكانت عائدات العمل في تلك المهن أفضل كثيرا، لكنه أصر على اختيار مجال الأغلفة، وشعر أن إبداعه في هذا المجال سيكون أوسع تأثيرا وأبقى فائدة.

 ولا تصنع الموهبة وحدها نجاحا مستمرا، فكل تقدم لا يشتمل على تعلم، هو تفوق لا يدوم، لذا فقد آثر التعلم واكتساب مهارات في فنون الغرافيك والتصوير الفوتوغرافي والرسم، ومع هذا مارس التجريب، وحاول التجديد، فنجده مثلا في غلاف كتاب بعنوان “شغف الكتابة”، للناقد إيهاب الملاح، يستخدم خلفية بيضاء عليها حروف متناثرة، مع علامات تحدد اسم الكاتب وعنوان الكتاب دون أن يبدو ذلك مقصودا.

المصمم، كما يؤمن آدم، شريك في الكتاب، ما يعني بالضرورة أن عليه قراءة الكتاب وفهمه واستيعابه قبل أن يصمم غلافه. فمهمته ليست مجرد وضع حلية أو زينة لكتاب ما، إنما تسلم الكتاب بأمانة وتوصيله بحماس

وفي غلاف آخر مثل “حكايات من الأرشيف” للكاتب طاهر عبدالسلام، يُقدم صفحة من جريدة قديمة تحتوي اسم الكتاب ومؤلفه كعناوين في الجريدة. وكثيرا ما يستعين بأوراق موحية بالقدم للتدليل على زمن الرواية التي يصمم غلافها، مثلما هو الحال في غلاف رواية “أوراق شمعون المصري” للروائي أسامة الشاذلي، والصادرة مؤخرا عن دار الرواق.

يبدو المصمم واضحا في رفضه الوقوع في إطار المباشرة في معظم أعماله، لكن نجد ذلك الرفض أكثر وضوحا في غلافه لكتاب “مر مثل القهوة، حلو مثل الشيكولا” للكاتبة ميرنا الهلباوي، حيث تجنب عن عمد رسم قهوة أو شوكولاتة ضمن مكونات الغلاف.

لم يقف الحال بالمصمم المحترف عند تصميم أغلفة الكتب، وإنما امتد عمله لتصميم بوسترات للكثير من الأعمال الدرامية اللافتة مثل مسلسل “ليالي أوجيني”، و”أهو ده اللي صار”، و”بالحجم العائلي”، قبل أن يُصمم بوستر مسلسل “ما وراء الطبيعة” مقدما الكتابة بخط الرقعة بأسلوب يحمل في طياته غموضا يتناسب مع محتوى العمل.

كذلك صمم بوسترات لبعض البرامج الإعلامية الذائعة مثل برنامج “معكم” للإعلامية المصرية منى الشاذلي، وبرنامج “رحلة حياة” للداعية مصطفى حسني.

اختار هذا الشاب المصري مهنة صناعة الأغلفة بوعي وشغف حقيقي بالكتب والثقافة والإبداع، مؤمنا بأنه لا يُغير حياة الناس سوى كتاب يثير لديهم الأمل، ويبعث داخلهم الطاقات، ويرسم لهم الجمال والمتعة والوعي.

أغلفة آدم محل اهتمام دوائر ثقافية عديدة، ما دفع شركة نتفليكس العالمية إلى اختياره لتصميم أفيش المسلسل العربي “ما وراء الطبيعة” المأخوذ عن قصة الكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق
أغلفة آدم محل اهتمام دوائر ثقافية عديدة، ما دفع شركة نتفليكس العالمية إلى اختياره لتصميم أفيش المسلسل العربي “ما وراء الطبيعة” المأخوذ عن قصة الكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق

 

13