كرنفال البندقية يخلو من الموسيقى والسياح

جمعية الحرفيين الإيطالية تطلق حملة خصومات على أزياء كرنفال البندقية وأقنعته لتشجيع السكان على المشاركة في الاحتفالات في ظل غياب الزوار الأجانب.
الاثنين 2021/02/08
كورونا يفسد متعة استعراض أزياء الكرنفال وأقنعته

نقل الاحتفال بكرنفال البندقية إلى المواقع الاجتماعية لم يمنع الإيطاليين من التجمع في ساحة القديس مرقس، حيث اعتاد الأهالي والسياح التنافس على حضور هذه الاحتفالات على امتداد أسبوعين.

البندقية (إيطاليا)- تجول أزواج يرتدون ملابس فخمة حول ميدان سان ماركو وسط الضباب حيث بدأت البندقية كرنفالها الشهير في نهاية هذا الأسبوع، دون حشود السياح المعتادة التي تغيب بسبب جائحة فايروس كورونا.

وقالت كيارا راجازون، إحدى رواد الكرنفال، “إنه أمر خيالي تماما”. وأضافت راجازون (47 عاما) “أكثر ما يصدمني هو الصمت.. كنت دائما قادرة على سماع الموسيقى أثناء الكرنفال، ومع ذلك فالبندقية لا تزال مكانا سحريا”.

وكانت راجازون وزوجها قد غامرا بالدخول إلى مدينة البندقية من منزلهما الذي يقع على بعد حوالي 50 كيلومترا (30 ميلا). وخففت إيطاليا من قيودها المتعلقة بفايروس كورونا الاثنين، مما سمح بحريات أكبر في التنقل بمعظم المناطق.

أقنعة تنتظر الزوار
أقنعة تنتظر الزوار

وتعتبر البندقية الآن من بين المناطق التي تندرج تحت فئة “الأصفر” الأقل خطورة، لكن لا يزال السكان ممنوعين من السفر خارج المنطقة. وعلى مسافة قصيرة من ساحة القديس مرقس، كان حميد صديقي يرتدي ثيابا ملطّخة بالطلاء، ويصنع قناعا للكرنفال في ورشته، ويصوغه وينعمه بدقة بالغة.

ويبيع صديقي في متجره “كا دو سول” الأقنعة المصنوعة من الورق المعجن والدانتيل والحديد المزينة بكريستال سواروفسكي، لكن إبداعاته كانت تتراكم دون أن يشتريها أحد. وأدى الوباء إلى انخفاض إيراداته بنسبة 70 في المئة، ويرجع ذلك أساسا إلى قلة السياح الأجانب، زبائنه الرئيسيين.

وقال الرجل البالغ من العمر 63 عاما والذي انتقل إلى إيطاليا من إيران “لقد كان حبا من النظرة الأولى بالنسبة إليّ وإلى هذه الأقنعة”. وتابع “لقد كنت أصنعها منذ 35 عاما، لكن بسبب الوضع المأساوي، بعت قناعين اثنين فقط حتى الآن للكرنفال”.

وبحسب مجلس المدينة، كان الكرنفال قد جلب 70 مليون يورو (84 مليون دولار) إلى خزائن البندقية قبل تفشي الوباء، مع تدفق أكثر من نصف مليون سائح. وأطلقت جمعية الحرفيين المحليين حملة خصومات لتشجيع السكان على المشاركة في احتفالات هذا العام في غياب الزوار الأجانب.

ويردد الحرفيون شعار “كرنفال البندقية – مقنعون… ومع أقنعة الوجه”، في إشارة إلى انتشار أغطية الوجه في كل مكان احتفاليا ووقائيا.

وعلى الرغم من الكآبة، يرى مدير الجمعية جياني دي تشيتشي فرصة للسكان لاستعادة المدينة حيث جلبت السياحة الزائدة معها عددا كبيرا من الآثار السلبية، من التلوث إلى كلفة الإيجارات المرتفعة.

وقال جياني “إنها فرصة لأبناء البندقية لإعادة اكتساب مدينتهم وإعادة اكتشافها”. وأضاف “على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، حطمت السياحة الجماعية النسيج الاجتماعي والاقتصادي في وسط البندقية، وبطريقة ما، أدى ذلك إلى خروج الكرنفال عن السيطرة”.

احتفالات صامتة
احتفالات صامتة

ويستقطب كرنفال البندقية، وهو من أهم الكرنفالات في العالم، سنويا أكثر من ثلاثة ملايين زائر من حول العالم من أصل 30 مليونا يقصدون البندقية في أشهر السنة كافة.

واضطرت سلطات البندقية إلى اختصار فعاليات كرنفال العام الماضي لتنتهي قبل موعدها المقرر بيومين نتيجة تفشي فايروس كورونا. وهذا العام تقرر نقل بعض الاحتفالات عبر الإنترنت، مع مقاطع فيديو تظهر أهالي البندقية في مظاهر احتفالية كاملة.

وأشار سيمون فنتوريني، نائب عمدة السياحة، إلى أنها “طريقة لتجديد الروابط التي تجمع الملايين من الأشخاص الذين يحبون البندقية”. ومن بين المشاهد التي تم تصويرها ونشرها عبر موقع الكرنفال رقصة فخمة على جسر ريالتو تؤديها مجموعة من محبي الكرنفال يرتدون أزياء الباروك.

وأكد أحد الراقصين، أرماندو بالا، الذي كان يرتدي معطفا أحمر مخمليا وشعرا مستعارا أبيض مجعدا، “أردنا أن نظهر أن البندقية ليست مدينة ميتة، وأنه يمكننا الاستمتاع حتى في وسط كوفيد – 19”.

وتضفي الاحتفالات عادة سحرا خاصا على “مدينة العشاق” حيث يضع المشاركون أقنعة ملونة تخفي هويتهم، إذ تتحول المدينة كلها إلى مسرح كبير، يضم مشاركين يرتدون أزياء جميلة وأقنعة ساحرة، ويسردون حكايات خرافية وهم على القوارب التقليدية.

ويُمنع ارتداء الأقنعة في جميع الأوقات، إذ يصدر الإذن بارتدائها في موعد معين، وهو ما بين مهرجان عيد القديس ستيفانو ومنتصف ليلة بداية الكرنفال، وهي مسموحة أيضا من 5 نوفمبر إلى يوم الميلاد، أي أن الناس يمضون فترة كبيرة من السنة متخفين بأقنعتهم!

ويدير بالا مع زوجته أرنيسا متجر “لا بوتا” لأكثر من 20 عاما، حيث يبيعان أزياء الفترة الفخمة والأقنعة اليدوية. ويساهم الكرنفال عادة بحوالي 40 في المئة من عائداتهما. وشدد بالا “نحن لا نحاول كسب المال، نريد فقط البقاء على قيد الحياة”.

ويشار إلى أن منظمة اليونسكو قرّرت في عام 1987 إدراج الكرنفال على لائحة التراث العالمي، بعد أن أصبحت احتفالاته الحدث السنوي الأهمّ في إيطاليا يتبارى فيها الفنانون على استعادة الطقوس الاستعراضية القديمة وصناعة الأقنعة والأزياء التنكرية.

24