كراسي حمودي الحارثي

الحارثي رحل خارج عراقه وبقيت صورة "عبوسي" حتى لحظة وفاته يتردد صداها في المحطات التلفزيونية العراقية.
الاثنين 2024/08/26
الحارثي شابلن العراق

ليس حمودي الحارثي وحده من عاش محنة الفنان الذي أريد له أن يبقى في صورة واحدة لا يغادرها، صحيح أنه قد يحب هذه الصورة لكنه أيضا يريد إفهام الجمهور بأنه قادر على مغادرتها وتقمص أدوار العاشق والشرير معا، إنه تراجيدي بقدر ما كان كوميديا. تلك حقيقة الفنان الحارثي الذي غادرنا الأسبوع الماضي في مغتربه الهولندي بعيدا عن عراق أحبه حد الوله ولم ينس “عبوسي” لكنه مثل كل جوائز الترضية للعراقيين، خذله فمات من دون أن يلوّح لكرخ بغداد التي ولد فيها.

حمودي الحارثي أكثر من فنان وهو ليس فقط "عبوسي" وحده في مسلسل "تحت موس الحلاق" الدراما التي كتبها سليم البصري وأخرجها عمانوئيل رسام وبقيت تُضحك العراقيين منذ ستينات القرن الماضي ولم تفقد بريقها إلى اليوم.

عبّرت كل وسائل الإعلام العراقية عن حزنها وخسارتها لرحيل الحارثي في مغتربه الهولندي، لكنها فشلت كالعادة في تقديمه بشكل يليق بتجربته الفنية، وقدمته مجرد "عبوسي" بينما هو أكثر من ذلك. فهذا الفنان الذي زامل جواد سليم في معهد الفنون الجميلة بدراسة النحت وليس التمثيل، نمّى موهبته الإخراجية ودرس في مصر ثم فرنسا وأدرك حرفة صناعة الدراما التلفزيونية منذ سبعينات القرن الماضي، وكان يبحث عن الفنان الكامن في نفسه، غير أن الجمهور لم يرد له أن يغادر دور "عبوسي" الذي مثله في ستينات القرن الماضي. كان يقول في قرارة نفسه “يا عباد الله أنا أكثر من عبوسي"!

♦ حمودي الحارثي مجد فني عراقي
♦ حمودي الحارثي مجد فني عراقي

مهما يكن من أمر، فالحارثي رحل خارج عراقه، وبقيت صورة "عبوسي" حتى لحظة وفاته يتردد صداها في المحطات التلفزيونية العراقية. بينما نتاجه يستحق أن نحتفي به. خذ الفيلم الكوميدي الرائع "العربة والحصان" الذي كتبه ثامر مهدي وأخرجه السوري محمد منير فنري الذي أنتج في ثمانينات القرن الماضي وقدم لنا الثنائي سليم البصري وحمودي الحارثي في كوميديا ذكية، عندما نقلهما من الدراما التلفزيونية إلى السينما.

لو أعدنا تعريف حمودي الحارثي بدوره الرائع في دراما “الست كراسي” التي اقتبسها الراحل سليم البصري عن فيلم روسي بعنوان “12 كرسيا” وجعلها حكاية عراقية بامتياز وأخرجها محمد يوسف الجنابي. فهذا قدر درامي يكفي لتغيير الصورة السائدة عن الحارثي.

من يعود إلى تلك الساعة التلفزيونية التي أنتجت في سبعينات القرن الماضي، يكون بوسعه أن يبني تصورا عن الدراما العراقية برمتها. ويتعرف على حمودي الحارثي كممثل جاد وأكثر بكثير من “عبوسي” في الكوميديا التي لا تنسى بدوره المشاكس كصانع للحلاق “حجي راضي”.

في “ست كراسي” هناك عجوز عراقية تعيش وحدتها وتتراسل مع حفيدها الذي يعمل كموظف في بغداد وتطالبه بزيارتها بعد أن فرطت سنوات العمر منها وتخشى أن تغادر الحياة دون أن تراه في آخر أيامها. وهكذا سرق القدر الجدة ولم يلحق بها حفيدها الذي يجد بيتها قد حافظ على كل لمساته العتيقة بما فيها الكراسي الست في المنزل التي يقرر بيعها لمتجر أثاث مستخدم. وبعد يوم واحد من قراءة وصيتها يكتشف أن الجدة قد تركت له ثروة ذهبية مخفية في أحد مقاعد الكراسي! وهنا تبدأ رحلة البحث بعد أن بيعت الكراسي من قبل محل الأثاث المستخدمة!

نكتشف في رحلة البحث عن الثروة أجواء المقاهي والحانات والمحاكم والمدارس عندما تتوزع عليها الكراسي التي يحمل أحدها كنز الجدة الراحلة.

وبمجرد أن نعرف أن نجوم هذا العمل مع حمودي الحارثي هم فاضل خليل وصادق علي شاهين وسناء سليم وكامل القيسي وسعدي يونس بحري وسمير القاضي وشكري العقيدي وقاسم الملاك وعبدالجبار عباس وسلمان الجوهر وحامد الأطرقجي ورضا الشاطئ، ندرك أن حمودي الحارثي أكثر من “عبوسي” والدراما العراقية أكثر بكثير من “تحت موس الحلاق”. وداعا صديقي أبو الحارث.

18