كثرة العراقيل تحد من تطوير صناعة التأمين في المغرب

تمارس الهيئة المشرفة على المنافسة في المغرب ضغوطا على السلطات للإسراع في إصلاح قطاع التأمين بوضع أسس جديدة ترتقي بهذه الصناعة، في خطوة يرى خبراء أنها ستدعم نشاط السوق في السنوات المقبلة، وبالتالي تعزيز دور الشركات في التنمية.
الرباط- رصد مجلس المنافسة المغربي في تقرير حديث مجموعة من الإخلالات التي تؤثر سلبا على أداء سوق التأمين ونشاطه، باعتباره أحد المجالات التي ظلت بعيدة عن ركب التطور بفعل اللوائح التنظيمية القديمة.
وأكد المجلس الذي يرأسه أحمد رحو أنه وعلى الرغم من أن القطاع يلعب دورا إستراتيجيا وحاسما في التنمية، إلا أنه يعاني من موانع تقف أمام دخول المزيد من الشركات إلى السوق.
وتعمل شركات القطاع، التي تبلغ أصولها قرابة 516 مليار درهم (56.9 مليار دولار) عبر مشاركات متعددة على مواكبة قطاع الأعمال ومساندته.
إلا أن المجلس لاحظ أن لدى سوق التأمين إمكانيات غير مستغلة، وقد تؤهلها لتكون رائدة على صعيد أفريقيا والمنطقة العربية، من خلال النهوض بالتأمين الشمولي على الخصوص.
◙ التأمين التكافلي يعد أهم منتج في منظومة المالية التشاركية فهو مرتبط بجميع المنتجات الأخرى، من قبيل المرابحة على العقارات أو السيارات
والتأمين الشمولي مفهوم يستهدف الشرائح السكانية التي لا تصل بما يكفي إلى خدمات التأمين، ويمكن إقصاؤها كليا أو جزئيا من السوق.
وأتاحت المرونة الملحوظة لحجم أقساط التأمين إمكانية احتفاظ القطاع المغربي بالمرتبة التاسعة والأربعين عالميا في 2021 بمعدل نفاذ بلغ 3.9 في المئة بزيادة بلغت نصف نقطة مئوية مقارنة بسنة 2020.
وحافظ القطاع على المركز الثالث على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد الإمارات والسعودية، والثاني أفريقيّا بعد جنوب أفريقيا.
ورغم أهمية التأمين في مختلف المجالات، إلا أنه لا يخلو من أوجه القصور والحواجز التي تؤثر سلبا على الأداء التنافسي للسوق.
ومن بين العراقيل غياب الوضوح بشأن آجال معالجة طلبات منح الاعتماد لتمكين شركات التأمين وإعادة التأمين من مزاولة نشاطها.
كما أن ديناميكية دخول الشركات وخروجها من سوق التأمين تظل محدودة للغاية، نظرا إلى وجود حواجز قانونية تعيق دخول منافسين جدد في غياب المرونة والتشجيعات.
واعتبر المجلس شرط امتلاك الأفراد أو الشركات المستثمرة ما لا يقل عن 50 في المئة من رأسمال أيّ شركة تأمين عائقا يحرم السوق من تدفق الاستثمار الأجنبي ومن التجارب التي يمكن أن تسهم في تطويرها.
وسجل مجلس المنافسة “غياب الرؤية بشأن أجل معالجة طلبات الاعتماد”، موضحا أن القوانين واللوائح التنظيمية لا تحدد أجلا يمنح لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي للرد على طلبات الاعتماد المقدمة من شركات التأمين وإعادة التأمين لمزاولة أنشطتها.
ويشكل هذا الخلل القانوني حاجزا يحول دون الدخول إلى السوق بالنسبة إلى المستثمرين الذين يحتاجون إلى الرؤية والشفافية والسلامة في ما يتعلق بنظام الاعتماد.
ومنذ تحرير سوق التأمينات سنة 2001، لم تنضم إليه سوى ثلاث شركات فقط حتى 2021، ليبلغ العدد الإجمالي 22 شركة، وانتقل العدد بشكل استثنائي إلى 26 شركة بنهاية العام الماضي.
وحافظت سوق التأمين المغربية على ديناميكية النمو المحققة في العقد الماضي، مسجلة اتجاها تصاعديا لمعدل النفاذ، ومتجاوزة لأول مرة عتبة 4 في المئة ومستقرة في نسبة 4.1 في المئة خلال عام 2020.
واعتبر مجلس المنافسة أن هذا النمو في عدد الشركات يؤشر “على تطور إيجابي مستقبلا”، خاصة وأن نشاط القطاع تعزز مع تحرير السوق وتطور التأمين على غير الحياة.
وأكد يونس بوبكري رئيس جمعية وسطاء ومستثمري التأمين بالمغرب لـ”العرب” أن تقرير مجلس المنافسة حول سوق التأمينات تحدث فقط عن التركيز بين الشركات على المبيعات، حيث يصل ذلك إلى نسبة 70 في المئة، وهو احتكار في الواقع.
وانتقد ضبابية المفاهيم المستعملة في التقرير. وقال إن “التقرير تحدث عن أسعار متطابقة في مجال التأمين على وسائل النقل، مثلا، علما أنها سوق حرة يفترض أن تكون المنافسة فيها قائمة، أي أن الأسعار لا تكون موحدة أو قريبة جدا من بعضها البعض”. ولكن مجلس المنافسة اعتبر في تقريره أن شركات التأمين العاملة بالبلاد غير متطورة بما يكفي لمقارنة أسعار التأمين.
ويقتصر تحليل عروض الشركات المختصة في مقارنة أسعار التأمين عبر مواقعها الإلكترونية فقط على ما تقدمه شركات القطاع، التي ترعاها ممّا يحرم المستهلكين من أداة موثوقة وحاسمة لممارسة المنافسة بين مختلف مقدّمي العروض.
وتقدم الشركات عروض التأمين، التي تتعلق أساسا بالمنتوجات التقليدية، وهي لا ترقى إلى مستوى طلب فئات معينة من المستهلكين، خصوصا في مجال توفير منتجات شمولية ومبتكرة للتأمين.
وفضلا عن ذلك كله، يشكل الحد الأدنى المطلوب من حيث الرأسمال الاجتماعي أو الرأسمال التأسيسي حاجزا يحول دون انضمام الشركات الصغيرة والمتوسطة وخاصة الشركات الناشئة إلى السوق.
وهذه الفئة من الشركات التي تشكل أكثر من 90 في المئة من قطاع الأعمال المحلي لا ترغب، مثلا، في التخصص في منتجات محددة أو طرح منتوج مبتكر في السوق لا يتطلب قاعدة مالية هامة.
26
شركة تعمل بالقطاع وحققت 8.5 في المئة نموا في رقم معاملاتها العام الماضي ليبلغ 5.3 مليار دولار
وشهدت سوق التأمين في المغرب العام الماضي ظهور تخصص جديد، ويتعلق الأمر بنشاط التأمين التكافلي الذي يعد بمثابة فرصة للشمول المالي.
كما أنه يُمكّن من إدماج السكان الذين لا يستطيعون اللجوء إلى التأمين التقليدي، مما سيساهم في تعزيز ديناميكية سوق التأمين المحلية وتطوير معدل المؤمّنين سواء كانوا أفرادا أو شركات.
ووافق البرلمان بغرفتيه في يوليو 2019 على قانون للتأمين الإسلامي المعروف بـ”التكافل”، والذي يتوقع خبراء وأوساط القطاع أن يعطي دفعة يحتاجها بشدة مجال التمويل الإسلامي في البلاد.
ويعد التأمين التكافلي أهم منتج في منظومة المالية التشاركية فهو مرتبط بجميع المنتجات الأخرى، من قبيل المرابحة على العقارات أو السيارات.
وعلى الرغم من البيئة الصعبة التي تميزت بالتباطؤ الحاد في النشاط الاقتصادي والمؤشرات السلبية في سياق الضغوط التضخمية المتزايدة استمر قطاع التأمين في التطور وإظهار قدرته على الصمود.
وتمكن القطاع العام الماضي من الحفاظ على زخم نموه بمقدار 8.5 في المئة على أساس سنوي، لتبلغ حجم معاملاته 53.8 مليار درهم (5.3 مليار دولار) وفق البنك المركزي.