كثافة الإنتاج السينمائي لا تعني الزيادة في إيرادات أفلام الصيف

انخفاض قيمة الجنيه عمّق أزمات الإنتاج مع ارتفاع أجور الممثلين.
الخميس 2023/10/12
مبادرات تبشر بتغير المشهد السينمائي

رغم كثافة الإنتاج لم تحقق السينما المصرية عائدات كبرى، فبعض الأفلام فشل في استمرار العرض جراء استسهال الطرح والانسياق المفرط نحو الكوميديا، في حين حققت أفلام أخرى عائدات كبرى لا تمثل شيئا فعليا إذا ما تم تحويلها إلى الدولار، وذلك جراء تأثر القطاع بالأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة المحلية.

القاهرة - تضاعف عدد الأفلام المصرية المعروضة في موسم صيف هذا العام، وقدمت شركات الإنتاج المختلفة 16 فيلمًا مقابل ثمانية أفلام العام الماضي، لكن ذلك لم ينعكس على إيرادات دور العرض في مصر، ما يشي بأن أزمات صناعة السينما حاضرة مع عدم قدرة المحتوى على جذب الجمهور إلى دور العرض المحلية.

وأشارت أرقام نشرتها غرفة صناعة السينما إلى أن إيرادات أفلام موسم صيف 2023 بلغت 360 مليون جنيه مصري (11.6 مليون دولار)، بينما حققت أفلام العام الماضي 240 مليون جنيه، ما يوازي حاليًا 7.7 مليون دولار مع انخفاض قيمة العملة هذا العام، وكان إجمالي ما حققته العام الماضي 12.5 مليون دولار، ما يعني أن أفلام العام الماضي، على الرغم من قلتها حققت معدلا أكبر في جذب الجمهور.

وحققت السينما المصرية قدرا من الرواج بعد أن تشجعت شركات الإنتاج على تقديم عدد أكبر من الأفلام، وبدت هناك قناعة بأن سوق السينما بتحسن وفي طريقه للعودة إلى الأجواء الطبيعية التي كان عليها قبل الإغلاق الكلي عقب انتشار فايروس كورونا، وما شجع على ذلك وجود محفزات أخرى، بينها افتتاح أسواق عربية بدأت تحقق فيها بعض الأفلام المصرية إيرادات مرتفعة، إلى جانب زيادة عدد دور السينما في مصر.

ومن الواضح أن هناك قواعد إنتاج جديدة لم تكن حاضرة من قبل، فتحقيق شركات الإنتاج مكاسب مادية وراء ما تقدمه من أعمال لم يعد مرتبطا بما يتم عرضه في دور السينما المحلية، لكن فتح منافذ توزيع خارجية والتعاقد مع المنصات الرقمية لعرض الأفلام بعد فترة وجيزة من عرضها بالسينمات أوجدا دخلا جديدا.

فاروق صبري: ما حققته دور العرض السينمائية هذا العام جيد لكنه لا يضمن استقرار صناعة السينما
فاروق صبري: ما حققته دور العرض السينمائية هذا العام جيد لكنه لا يضمن استقرار صناعة السينما

وتضع شركات الإنتاج في اعتبارها أن تدخل الحكومة لعرض الأفلام في محافظات ومناطق لا تتوافر فيها دور عرض سينمائي جيدة من خلال مبادرة “سينما الشعب” ضمن أوجه الموارد التي تجعلها أكثر حرصًا على تقديم أفلام بميزانيات غير مرتفعة، إذ يتم عرض الأعمال في مسارح قصور الثقافة بأسعار مخفضة، ومع أنه تمت مضاعفة سعر التذكرة هذا العام لتصل إلى نحو دولار للفرد بعد التوسع في افتتاح المسارح الشعبية أمام الأفلام، إلا أن القيمة لا تزال زهيدة.

وقال رئيس غرفة صناعة السينما المنتج فاروق صبري إن ما حققته دور العرض السينمائية هذا العام جيد، لكنه لا يضمن استقرار الصناعة، لأن شركات الإنتاج تعاني مشكلات عدة، أبرزها تضاعف ميزانيات أجور الفنانين، خاصة نجوم شباك التذاكر، وتضاعفت قيمة ما يحصل عليه هؤلاء ثلاث مرات في غضون عام.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن كثرة الإنتاج أن لا تعنى زيادة في الإيرادات، لأن الوضع الحالي بحاجة إلى قدر من التوازن بين الأفلام المعروضة وتكاليف إنتاجها، والمنتجون لديهم عدم ثقة في تحقيق مكاسب من وراء عرضها في دور العرض المحلية، وتشكل القدر الأكبر من إجمالي الإيرادات، وأن انخفاض قيمة الجنيه ساهم في مواجهة بعض الشركات خسائر مادية قد تدفعها إلى تقليص أعمالها لاحقا.

وأشار إلى أن كلفة إنتاج بعض الأفلام وصلت إلى 80 مليون جنيه (2.5 مليون دولار)، وهذا الرقم من الصعب تحقيقه عبر شباك تذاكر دور العرض المحلية، في حين أنه في السابق كان يتم إنتاج أعمال تصل إلى 25 في المئة من هذا الرقم وحققت حينها عوائد أعلى، لافتا إلى أن محاولات غرفة صناعة السينما تركز على كيفية تحقيق معادلة تقديم أعمال سينمائية بجودة فنية مقبولة وميزانيات منخفضة.

وتصدر فيلم “بيت الروبي” بطولة كريم عبدالعزيز قائمة الأفلام الأعلى إيرادا خلال هذا الصيف، محققا ما يقرب من 130 مليون جنيه (4.2 مليون دولار) ليصبح أعلى فيلم حقق إيرادات في تاريخ السينما المصرية، واحتل فيلم “تاج” بطولة تامر حسني المركز الثاني بقيمة 45.3 مليون جنيه (1.5 مليون دولار).

وجاء فيلم “البعبع” لأمير كرارة في المركز الثالث، محققا 43.5 مليون جنيه (1.4 مليون دولار)، ثم فيلم “العميل صفر” بطولة أكرم حسني بإيرادات بلغت 33.5 مليون جنيه (1.1 مليون دولار)، أما المركز الخامس فكان من نصيب فيلم “مستر إكس” بطولة الفنان أحمد فهمي بإيرادات بلغت 32 مليون جنيه (1.03مليون دولار).

وتعبر الأرقام عن وجود ما يقرب من عشرة أفلام لم تتجاوز إيراداتها حاجز المليون دولار، بينها أعمال تم سحبها من دور السينما بعد أيام قليلة من عرضها لعدم قدرتها على جذب الجمهور ومواجهتها أزمات عديدة في عملية التوزيع، وبدا أنها تعتمد على العرض الخارجي كنوع من التحايل على القوانين المصرية التي تتيح للفيلم أن يتم عرضه في الخارج بعد أسبوع واحد فقط من عرضه داخليًا.

أحمد سعدالدين: أحد أوجه مشاكل السينما في مصر يكمن في غياب القيمة الفنية التي تجذب الجمهور
أحمد سعدالدين: أحد أوجه مشاكل السينما في مصر يكمن في غياب القيمة الفنية التي تجذب الجمهور

وأكد صبري أن الاعتماد على الإيرادات الخارجية لا يكفي لتعويض ميزانيات الإنتاج، وأن غالبية الإيرادات تذهب إلى دور السينما في الدول المعروضة بها، كما أن بعض الدول العربية استحدثت نظم ضرائب على الأفلام المعروضة لديها من الخارج، فضلا عن توسع شركات الإنتاج الخليجية في عملية الإنتاج وقد لا تكون بحاجة في المستقبل القريب إلى عدد كبير من الأفلام المصرية.

ويوصف موسم الصيف الماضي بأنه “استثنائي” لأن شركات الإنتاج استفادت من تلاحم موسمي عيدي الفطر والأضحى مع أشهر الصيف، والأفلام التي حققت أرباحا مرتفعة جرى عرضها قبل خمسة أشهر، وكانت هناك فرصة لتتواجد مبكرا وتسوق لنفسها بالقدر الكافي، عكس أعمال أخرى لم تتمكن من مجاراتها، وهو أمر قد لا يتكرر في الأعوام المقبلة التي سيكون فيها تباعد بين مواسم الأعياد والصيف.

وأوضح عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لنقاد وكتاب السينما أحمد سعدالدين لـ”العرب” أن أحد أوجه مشاكل السينما في مصر يكمن في غياب القيمة الفنية التي تجذب الجمهور إلى دور العرض، ما أدى إلى رفع عدد من الأفلام عقب أيام قليلة من عرضها.

علاوة على الظرف الاقتصادي الضاغط على المواطنين الذي أثر سلبًا على الإقبال مع زيادة الأعمال المعروضة، وارتفاع أسعار التذاكر، والتقارب بين ما حققته السينما المصرية من إيرادات في العامين الماضي والحالي، مع مراعاة أن هذا العام شهد أعدادا أكبر من الأفلام.

وذكر سعدالدين أن تقديم عدد كبير من الأفلام دون أن يؤثر ذلك إيجابًا على إجمالي الإيرادات هو عامل سلبي لديه انعكاسات على حجم الإنتاج في المستقبل، واستمرار أزمة هيمنة نجم شباك التذاكر على ما يقرب من 70 في المئة من ميزانية العمل يجهض مساعي التطوير، وعدم إقدام شركات الإنتاج على تقديم محتوى متنوع واقتصار 80 في المئة من الأعمال على الكوميديا لا يشجع على جذب الجمهور.

ويمكن النظر إلى العوامل الإيجابية التي تتعلق بمسألة زيادة الإنتاج وتتمثل في وجود منافسة بين نجوم يبحثون عن تصدر شباك التذاكر بخلاف سنوات ماضية غابت فيها المنافسة، وأن اهتمام نجوم مثل كريم عبدالعزيز وأمير كرارة ومحمد هنيدي ومحمد رمضان بالوجود عبر أفلام تحقق إيرادات مرتفعة يسهم في تطور ما يقدمونه من محتوى وسوف تكون له نتائج جيدة على جودة الأفلام.

اهتمام نجوم مثل أمير كرارة بالوجود عبر أفلام تحقق إيرادات مرتفعة سوف تكون له نتائج جيدة على جودتها
◙ اهتمام نجوم مثل أمير كرارة بالوجود عبر أفلام تحقق إيرادات مرتفعة سوف تكون له نتائج جيدة على جودتها

14