كتاب يكشف عن ألغاز مدينة مليحة وجذورها العربية

يبحث كتاب "ألغاز مليحة.. دراسة في الآثار والنقوش والرموز" للكاتب والباحث تيسير خلف في تاريخ مكان يقع بالشارقة في الإمارات العربية المتحدة، بحسب المعطيات التاريخية والحفريات الأثرية من لقى ونقوش وآثار. ولكن أنا العراقي المهموم بوطن ابتلى بمآس لا حصر لها باتت تُهدّد وحدته تزامنا مع رفض هويته الأبرز والأغزر والأعرق بعد السريانية، ألا وهي عروبته التي تحولت عند البعض إلى عار يجب التخلص منه، بإنكار هذه العروبة وشتمها ولعنها ولصق الموبقات جميعها بها.
أدلة تاريخية
يكشف الكتاب، الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، عن علاقة تاريخية وثيقة تمتد من أيام “السومريين” والأكاديين حتى القرن الثالث الميلادي، حين تم وضع حد لمرحلة ازدهار مليحة ومدن السلسلة الحضارية-التجارية العربية على ساحل الخليج العربي وفي حوض الفرات على يد أردشير بن بابك، مؤسس السلالة الساسانية، وابنه شابور الأول. هذا التدمير أوقف عمليًّا شريان الحياة الكبير القادم من الهند والمتمثل في طريق الحرير البحري.
مليحة جزء من محيط ثقافي انتشر في أرجاء شبه الجزيرة العربية كلها في علاقة تكاملية مع منطقة الهلال الخصيب
مليحة في الشارقة
تؤكد أدلة النهوض الحضاري على أنه لا وجود لطفرات حضارية في مسيرة البشرية، وأن الشعوب المغلوبة لا يمكنها التخلّي عن لغاتها وتدوينها وتبني لغة الفاتح الجديد، إلاّ إذا كان الفاتح الجديد يملك مقومات النهوض جميعها، بحيث يصعب الوقوف بوجهه.
ويستعرض الباحث تيسير خلف المسح الأثري لمليحة، عبر النقوش والنقود (المسكوكات) والجرار وغيرها، ليثبت أن مليحة جزء من محيط ثقافي انتشر في أرجاء شبه الجزيرة العربية كلها، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، في علاقة عضوية تكاملية مع منطقة الهلال الخصيب (العراق والشام).
لقد أدّى إدماج الديانتين اليونانية والعربية في منظومة دينية جديدة شملت مناطق نفوذ الثقافة الهلنستية في سوريا القديمة والعراق والأناضول وحتى مصر، إلى إدخال عنصر البخور العربي بقوة في الطقس اليوناني. فالتقليد العربي القديم الذي كان يعدّ حرق البخور ذبيحة غير دموية لا يقل مفعولها عن الذبيحة الدموية، أصبح هو السائد في المعابد اليونانية، ومن بعدها الرومانية. وكان هذا سببا أساسيّا في زيادة الإقبال على البخور العربي.
|
نلاحظ أن المدن التجارية العربية، تدمر بفاعليتها التجارية والثقافية المتميزة، ومملكة الحضر، غرب الموصل، في إقليم بيث عربايا (معظم شمال العراق وأجزاء من سوريا وتركيا اليوم)، كمدينة عربية-آرامية ذات شأن كبير في العلاقات الدولية خلال القرن الأول قبل الميلاد، والقرنين الأول والثاني بعد الميلاد، إضافة إلى دورا أوربوس (صالحية الفرات) المجاورة لها على شاطئ الفرات.
وتمتاز مدينة مليحة مثل أخواتها في المدن العربية التي تأسست قبل الميلاد في العراق وبلاد الشام وأعالي دجلة والفرات (تركيا اليوم)، بنزوعها نحو رسم خصوصية حروفية من الأبجدية الآرامية (السريانية)، أو تحوير الأبجدية السريانية إلى أبجدية جديدة، وأبرزها مملكة الأنباط التي طورت خطًّا سريانيّا متصلا، انبثق منه في القرن السادس الميلادي في الحيرة خط الجزم العربي الذي نستخدمه الآن، وكذلك مملكة الحضر التي طورت خطًّا مميزا من الأبجدية الآرامية (السريانية)، والتي ذهب أحد الباحثين العراقيين من جامعة الموصل إلى أنها أساس الأبجدية العربية المعتمدة، في بحث قدّمه في أحد المؤتمرات العالمية حول الأبجديات.
ويستنتج الباحث أن مليحة أو “ملوخا”، الواردة في وثائق آكاد وآشور، هي مليحة في وسط إمارة الشارقة وليست في وادي السند في باكستان والهند. ومن خلال المعطيات الأثرية والتاريخية فإنها عاصمة مملكة عُمان القديمة على الأرجح، وذلك لوجود دار لسكّ العملة وقصر ملكي وحصن كبير نسبيا مخالفا للشائع في الأوساط الأكاديمية، وقد أثبت اكتشاف مقبرتها الملكية مؤخرا (بعد صدور الكتاب) إضافة إلى نقوش مزدوجة آرامية-مسندية مذكور فيها اسم كاهن ملك عُمان، أن استنتاج مؤلف الكتاب كان صائبا ودقيقا.