"كباش".. معرض يحيي العمارة الإسلامية في منحوتات عاشقة

تحتفظ العمارة الإسلامية بسحرها المنبثق خاصة من لعبها بالخطوط والتعرجات وتلاعبها بالظلال والأضواء، دون أن تثقل تشكلاتها بما هو خارج عن الدقة أو ما هو نافر عن وحدة الكل. وكثيرة هي خصائص العمارة الإسلامية، ولكنها تبقى ملهمة للفنانين المعاصرين على غرار المصري حمد قرعلي الذي يخلق لها امتدادا في الزمن الراهن.
ينطلق الفنان المصري أحمد قرعلي في استلهامه للعمارة الإسلامية من حيث انتهى هؤلاء البناؤون والمصممون العظماء، ليرسم لنفسه مسارا ممتدا وزاخرا بالإلهام والخيال، في هذه المساحة الرحبة بين الماضي والحاضر.
يرسم قرعلي ملامح واضحة لتصوراته حول تطور هذه الفنون. وهو في سبيل ذلك يشيد مدنا خيالية ويشكل ملامحها من وحي عناصر العمارة الإسلامية. وتحتضن هذه المدن المتخيلة التي يشكلها قرعلي مساجد وبيوتا ومنحوتات ميدانية وصروحا ضخمة، تستعير جمالياتها من خيوط الضوء وانكساره وليونة المساحات والعناصر وتداخلاتها وعلاقتها بالفراغ من حولها.
وعرض الفنان جانبا من هذه التجربة الممتدة أخيرا في قاعة آزاد للفنون في القاهرة تحت عنوان "كباش". ومعرض كباش يمثل حلقة في سلسلة ممتدة من الأعمال النحتية التي أنجزها الفنان قرعلي والتي يستلهم ملامحها من فنون العمارة الإسلامية.
وفي هذا المعرض يتعامل الفنان مع رأس الكبش، وهو عنصر عضوي لكائن حي، متتبعا العديد من الاحتمالات البصرية لتشكيله، ومستندا في الوقت نفسه إلى عناصر العمارة الإسلامية التي طالما وظفها في أعماله السابقة كوحدات بناء.
وتقف تجربة قرعلي كواحدة من التجارب الملهمة في مجال النحت المعاصر، نظرا إلى خصوصيتها، وقدرتها على إعادة صوغ الموروث البصري للعمارة الإسلامية في معالجات نحتية معاصرة وفريدة التكوين.
ويتعامل الفنان مع عناصر العمارة الإسلامية كإطار عام لمشروعه النحتي الممتد، في اعتماده الكامل على العناصر الرئيسية التي تشكل بنية هذه العمارة وتضفي عليها طابعها المميز.
ويحدد مصدر افتتانه هنا بعنصري المقرنصات والأقواس أو العقود، وهما العنصران اللذان يعتمد عليهما في تشكيلاته النحتية المصنوعة في الغالب من الخامات نفسها التي شكلت من طريقها تلك العناصر المعمارية، وهي الخشب والأحجار.
وفي سياق بحثه المستمر وظف قرعلي بالطبع تشكيلاته النحتية اعتمادا على خامات أخرى خلافا للأحجار والأخشاب. غير أن ذلك ليس نهاية المطاف، فالفنان المولع بالعمارة الإسلامية لم يفتتن بتلك الفنون من باب التقليد أو المحاكاة، بل وضع لنفسه منهاجا ورؤية يحددان مسار مشروعه البصري.
هذه الرؤية التي تحدد مسار قرعلي تبدو في جانب منها خيالية، فهو ينظر بعين العاشق وبالكثير من العاطفة إلى فنون العمارة الإسلامية. لذا فهو يسعى إلى إحيائها بتتبع مسار متخيل لتواصلها وامتدادها مع الحاضر.
ويتساءل قرعلي: ماذا لو استمر هذا التدفق الخلاق والإبداعي لتلك الفنون دون انقطاع؟ وهل يمكن توظيف هذه العناصر في سياقات أخرى خارج الإطار المعماري؟
مثل هذه التساؤلات وغيرها تدفع الفنان إلى البحث ومعاودة الاكتشاف، فيحيله هذا الاكتشاف إلى تراكيب جديدة ومختلفة؛ وهي تراكيب يتوالد بعضها من بعض اعتمادا على عنصرين اثنين من عناصر هذه العمارة.
وتتراوح هذه التجارب التي عمل عليها قرعلي بين النحت والتجهيزات الصرحية؛ وهي تجهيزات يوظف الفنان خلالها الضوء وتأثير الظل والفراغات ليشكل نسيجا بصريا متجانسا وخلابا. وهو بين هذا وذاك يبدو كالمتصوف الهائم في العشق، والمفتون بتجليات العمارة الإسلامية ومفرداتها.
ويذكر أن الفنان قرعلي تخرج في قسم النحت بكلية الفنون الجميلة عام 1994 وشارك في العديد من العروض والأنشطة الجماعية محليا ودوليا، كما أقام عددا من المعارض الفردية وحاز عددا من الجوائز خلال مسيرته الفنية منذ تخرجه في الفنون الجميلة.