عروض آدائية معاصرة من مختلف الجنسيات تتفاعل مع فضاء المدينة وسكانها

تمنح الفنون الأدائية مساحة لمزج مختلف الفنون دون الحاجة إلى التصنيف المسبق لجنس العمل، وتعطي هذه الأنماط من الأعمال الفنية زخما يسمح بتمرير الأفكار بسلاسة، بينما تخلق لها جمالياتها الخاصة والثرية. وهو ما تؤكده عروض مؤسسة الشارقة للفنون من خلال استضافتها لأعمال عربية وأجنبية.
في عرضها الأدائي “بعد كل سبرينج” الذي تستضيفه مؤسسة الشارقة للفنون تطالعنا المخرجة البلجيكية مييت وارلوب بسرد بصري مليء بالحركة والمفاجآت، يدور حول منزل من الكرتون. أبطال العرض يمثلون شخصيات غرائبية لها أجساد هجينة نصف بشرية.
يتسم هذا العرض بالطرافة رغم مأساويته، فرغم الأحداث التي تحمل قدرا من الكوميديا، إلا أنك لا تستطيع التخلي عن شعورك أثناء المشاهدة بأن ثمة مأساة ستحدث في أي وقت.
تمزج مييت وارلوب ما بين المسرح والفنون البصرية وفنون الأداء، في عروض ذات تأثير مذهل على الجمهور. مخيلّة جامحة وطفولية تبدو وكأنها أفلتت من عقالها على خشبة المسرح، حيث تتواجد الفوضى مع النظام في حالة من التضاد لا تنتهي. هي عروض مشبعة بروح دعابة غرائبية ومقلقة بشكل ماكر، وهي تحمل إلى خشبة المسرح كائنات متورطة في أفعال غير متوقعة، لكنها مألوفة.
هذا العرض الذي تقدمه المخرجة البلجيكية هو جزء من برنامج عروض الشارقة، والذي يستضيف مجموعة من العروض الأدائية لفنانين من جنسيات مختلفة. ينطلق البرنامج هذا العام في نسخته الأولى بخمسة عروض أدائية معاصرة تقدم على مسارح مؤسسة الشارقة، من بداية شهر نوفمبر وحتى أوائل يناير القادم.
تتسم هذه العروض المشاركة جميعها بالقدرة على التفاعل مع الجمهور واكتشاف إيقاعات المدينة وفضائها النابض بتنوعات بشرها وأصواتها وعمرانها وتحولات فصولها وتغيرات يومياتها على نحو مشترك وحميم، من خلال ابتكار تجارب محسوسة ومرئية يتلاقى فيها إبداع الفنانين المعاصرين مع التصميم الحضري لمدينة الشارقة وتراثها المعماري. لهذه الغاية، تمت دعوة فنانين من مختلف أنحاء العالم لتقديم أعمالهم في شوارع المدينة وساحاتها ومسارحها والتفاعل مع سكانها.
تمزج الأعمال المشاركة في هذه الدورة بين الأنواع المختلفة من الفنون بإيقاع متسارع يجعل الحدود بينها غير واضحة، وفي بعض الأحيان تكون عصيّة على التصنيف. وتتحرك عروض فنون الأداء بحرية شديدة بين أنواع الفنون المختلفة، ما بين مسرح وفن تشكيلي وموسيقى ورقص معاصر وأعمال التجهيز الفني. وتساهم تلك الحرية في جعل كل عرض أدائي تجربة فريدة في حد ذاتها، وبشكل خاص عندما تتفاعل بشكل حيوي مع إيقاعات المدينة وأماكنها وتجمّعاتها.
انطلقت هذه الدورة بعرض “كل حاجة حلوة” للمخرج المصري أحمد العطار، وهو عرض لا يعتمد على ديكور أو أزياء، إنّما على القدرات الأدائية الاستثنائية للممثلة ناندا محمد وتفاعلها مع الجمهور، الذي تتم دعوته للمشاركة وحتى للارتجال معها، بما يمنح العمل في كل مرة احتمالات لا تحصى. كما قدم الفنان اللبناني جو نعمة نسخته التاسعة من عرضه الفني “أوتوموبيل”، وهو عرض آدائي يعتمد على الصوت. أما العرض الثالث فكان بعنوان “ريموت إكس” وهو لفرقة ريميني بروتوكول المسرحية، والتي تعتمد على الاستخدام الفريد للتكنولوجيا والتفاعل مع الجمهور والمدينة.
عروض تمزج الفنون لاكتشاف إيقاعات المدينة وفضائها النابض بتنوعات بشرها وأصواتها وعمرانها وتحولات فصولها
“ريموت إكس” هو عرض مسرحي غير تقليدي يتعامل مع الواقع الوشيك للذكاء الاصطناعي في مدن المستقبل، وهو يتنقل في شتّى أنحاء العالم وكأنه مختبر جوال للبحث المسرحي التجريبي، وتتكون الفرقة من فنانين مختلفي الجنسيات. تم تقديم هذا العرض في العديد من مدن العالم، من الأميركيتين إلى أوروبا الشرقية والغربية مرورا بروسيا والهند.
تقدم العروض في أماكن غير مألوفة، وفي كل نسخة جديدة للعرض يتم تطوير البنية الدرامية تبعا للأماكن الحضرية في المدينة التي تستضيفه، يتم البحث في كل مدينة عن أماكن مشابهة لكنها ليست بالضرورة متماثلة، وكذلك كتابة قصص جديدة لكل موقع جديد. في “ريموت إكس الشارقة” يقود صوت صناعي الجمهور على الأقدام إلى العديد من المواقع الداخلية والخارجية التي تم اختيارها بعناية في مركز المدينة. وأثناء السير عبر المدينة يتاح لكل فرد من المشاركين أن يرى مواقع مألوفة أو غير مألوفة تتوالى كمشاهد فيلم سينمائي خيالي خاص به.
تختتم هذه العروض الآدائية في الثامن من يناير القادم بالعمل المسرحي الاستثنائي لمخرج ومصمّم الحركة البرازيلي البارز برونو بيلتراو والذي يقدمه تحت اسم “عرض جديد”. يعتبر برونو بيلتراو من أهم مجدّدي فنون رقص الهيب هوب على مستوى العالم، وتجمع عروضه بين الهيب هوب والرقص المعاصر، مع قدرة مميزة على فهم جماليات خشبة المسرح والتعامل مع تقنياتها.
ويصاحب برنامج عروض الشارقة في دورته الأولى برنامج تدريبي من الورشات والجلسات الحوارية واللقاءات مع الفنانين المشاركين، وذلك بالتعاون مع مختلف المؤسسات الفنية والتعليمية المحلية. هذا ويقوم برنامج عروض الشارقة في عامه الأول بتكليف فنانين بإنتاج أعمال جديدة في مختلف المواقع والأماكن في المدينة، كي يتم عرضها للجمهور في الأعوام المقبلة.