كبار الدوري التونسي على أعتاب موسم مخيّب

يسير فريقا النادي الأفريقي التونسي والنجم الرياضي الساحلي نحو مصير غامض هذا الموسم رغم الالتزامات المحلية والقارية، وخصوصا لفريق جوهرة الساحل، فيما يؤكد محللون رياضيون وخبراء كرة القدم أن ما يمر به الفريقان هو نتيجة حتمية لتداخل العمل الرياضي مع عدة أنشطة أخرى وارتداداتها على وضعية ناديين يعتبران من كبار الدوري التونسي.
تونس – “المال قوام الأعمال”.. مقولة يتردّد صداها مع كل نجاح يقود صاحبه إلى البناء والتأسيس وخلق ثروة وطنية وتيسير منجزات حقيقية خدمة للمصلحة الوطنية، لكن عندما يحيد المال عن الوجهة التي يفترض أن يوجّه لها، ويجتمع العمل السياسي مع نشاط آخر كالرياضة أساسا يصبح مدعاة للفشل وينذر بنهايات لا يتحمّل وقعها هذا الرئيس أو ذاك من المراهنين على قيادة بعض الفرق العربية والتونسية خصوصا.
المثال يتجسّد بوضوح في تونس برؤى ومقاربات شتى وتفاعلات حثيثة بين العديد من المتابعين لبعض الأندية الكبرى على غرار النادي الأفريقي والنجم الرياضي الساحلي الواقعين في أزمتين مختلفتين لكن طريقهما واحد “المال عندما يوظف في خدمة الرياضة والسياسة”.
يعيش فريقا الأفريقي والنجم الساحلي، وهما من كبار الدوري التونسي، موسما استثنائيا عكسته العديد من المشاكل التي يتخبّط فيها الناديان العملاقان دون أي بوادر انفراج تلوح في الأفق.
وكشفت الأزمة المالية للأفريقي بوضوح المسار الذي يتجه نحوه الفريق هذا الموسم بشهادة ملاحظين وفنيين أجمعوا على فترة صعبة يتخبط فيها الفريق خصوصا أن هذا العام يعتبر استثنائيا ويتزامن مع مرور مئة عام على تأسيسه.
في الشق الساحلي تسارعت الأحداث بشكل كبير بعد أن أعلن رئيس النجم استقالته رسميا من منصبه وجاءت في وقت حرج، حيث أن النادي مقبل على المشاركة في دوري أبطال أفريقيا ويجب أن يركّز عليه
وبالمثل يضرب مسار أزمة شبيه، رغم الاختلاف في جوهره، إدارة النجم الساحلي بعد خيار الاستقالة الذي اتخذه رئيس النادي رضا شرف الدين والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة هذا الشهر، ما ترك انطباعا سيئا داخل الأوساط الرياضية لفريق جوهرة الساحل وتونس عموما.
وبتحليل هاتين الأزمتين اللتين ألقتا بظلالهما على مسار الفريقين في منافسات بطولة الدوري المحلي والمسابقات الأفريقية، خصوصا للفريق الساحلي، يؤكد متابعون رياضيون أن لهما دلالات وجذور عميقة وما يجري حاليا في إدارة الناديين ليس سوى مآلات لعمق هذه الأزمة المتأصلة يلتقي فيها المال بالرياضة، فالسياسة لتكون النتيجة كارثية ولا يمكن تصور عواقبها.
متلازمة الرياضة والسياسة
معلوم أن المال مَشرُوع لرئاسة أي نادّ رياضي أو فريق، فما بالك عندما يكون هذا النادي من كبار بعض الدوريات. فهو المصدر الأساسي للتمويل وعقد صفقات اللاعبين وتجهيز الفريق وضبط الأمور واستمرار النادي بشكل عام. لكن أن يتحول الهدف من رئاسة هذا الفريق أو ذاك إلى واجهة للتغطية على نشاطات سياسية للرئيس، فهذا ما يجب أن يعمل اتحاد كرة القدم في تونس على مراجعته ووضع شروط تحدد مسؤولية منصب رئاسة الأندية مستقبلا.
وعكست وضعية الفريقين التونسيين بوضوح سلطة المال المغلفة بأنشطة سياسية لرئيسيهما اللذين توليا إدارة الناديين في السنوات الأخيرة. الأول رجل الأعمال سليم الرياحي الذي طمع في دخول عالم السياسة من باب النادي الكبير الذي تولى الإشراف على رئاسته في العام 2012، واستغل الفريق العريق لخدمة أغراض سياسوية ضيقة وسطع نجمه في عالم السياسة بعد الثورة ليتركه في العام 2017 رهين أزمة ديون يعاني منها فريق باب الجديد إلى حد اللحظة.
أما الثاني فهو رضا شرف الدين رجل الأعمال لكنه يختلف عن الرياحي في كونه ينتمي إلى النادي الساحلي العريق وتدرّج في فروعه المختلفة ليتم انتخابه في العام 2012 أيضا كرئيس للفريق، فيما يشترك معه في مسألة ممارسته للنشاط السياسي، فهو عضو مجلس نواب الشعب منذ 02 ديسمبر 2014.
شاءت الصدف أن يجتمع الرجلان على رئاسة الفريقين في نفس العام (2012)، وشاءت الأقدار أن يكون نشاطهما مركزا على خدمة مطامعهما السياسية وإن استدعى الأمر تغليبها على معاناة فريقيهما، فكانت النتيجة كما هو الحال آنيا، بوقوع الأفريقي في أزمة مديونية يصعب على الفريق مجاراتها، فيما يستعد النجم الساحلي لانتخابات مبكرة هذا الشهر بعد استقالة الرئيس ومن ورائه بقية معاونيه.
دعت أزمة الفريقين إلى تفاعلات كبيرة بالتحليل والنقد وربما الشجب أيضا في تونس بين المعلقين الرياضيين والمهتمين بشؤون الفريقين سواء في البلاتوهات التلفزيونية أو في بعض الصحف المحلية.
وتفاعلت بعض الوجوه الرياضية القديمة مع ما يعيشه الناديان بأكثر جرأة. وعبّر اللاعب السابق لفريق باب جديد سمير السليمي خلال برنامج تلفزيوني عن غضبه من الطريقة التي ترك بها رضا شرف الدين فريق جوهرة الساحل. وقال اللاعب القيدوم للأفريقي إن “استقالة شرف الدين جاءت متسرعة خصوصا أنها تأتي في ظرف حساس يمر به الفريق”، ولم يكتف لاعب المنتخب التونسي السابق باستنكار خبر الاستقالة بل طرح تساؤلات عن طبيعة التداخل بين السياسي والرياضي في أزمة النجم؟
ومن جانبه أشار الحارس الدولي السابق للنادي الرياضي الصفاقسي الناصر البدوي في تعليق قصير إلى مشكلة داخلية بين رئيس الفريق رضا شرف الدين وبقية المسؤولين، متوجها بالنصح إلى كافة المسؤولين بأن يركزوا على مصلحة الفريق في هذه الفترة الحرجة.
ومن جهته شجب زياد الجزيري، ابن النادي واللاعب السابق في المنتخب التونسي، القرار الذي أتاه شرف الدين بخيار الاستقالة، مؤكدا أن “المسؤول كما يفكر بدخول النادي في فترة جيدة لا يجب أن يتركه بمثل هذه الحالة”، فيما رأى النجم الدولي السابق وحارس الترجي الرياضي شكري الواعر أن “موضوع النجم غامض بصفة كبيرة”، مضيفا أنه “بعد فترة روجي لومار وخروج الفريق من مسابقة البطولة العربية وهزيمته في نهائي كأس تونس أخذ الفريق منعرجا آخر”، طارحا أسئلة عديدة عن ماهية العلاقة بين رئيس الفريق وبقية المسؤولين في الفريق والتي يجب أن تغادر الكواليس الضيقة وتخرج للجمهور الرياضي لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذه الاستقالة ومعالجتها بطريقة هادئة بعيدا عن التشنجات التي لا تؤدي إلا إلى المزيد من تأزيم الوضع. وبالعودة إلى أزمة الناديين بالتحليل والنقاش، يلاحظ متابعون رياضيون أن مصدرها واحد، فهي أزمة الديون المالية التي يتخبط فيها النادي الأفريقي فيما مثلت الوضعية المالية الحرجة لفريق جوهرة الساحل خيارا لا رجوع عنه لرئيسه رضا شرف الدين الذي اختار القفز من القارب بتقديم استقالته وتمسك بها.
تركة ثقيلة
تبدو أزمة فريق باب جديد في منطلقها بنيوية يعكسها سوء الإدارات المتتالية التي تعاقبت على النادي منذ ما قبل ثورة 2011. ففي العام 2005 تولى كمال إيدير رئاسة الفريق عوضا عن شريف بلامين.
وبعد موسمين دون تتويج تمكن الفريق تحت رئاسته وإشراف المدرب الجزائري عبدالحق بن شيخة من إحراز البطولة بعد 12 عاما من الانتظار. وفي موسم 2008-2009 تحصل الفريق على كأس شمال أفريقيا للأندية البطلة، إلا أنه خسر لقب البطولة في الأمتار الأخيرة أمام فريق الترجي الرياضي التونسي. وفي مايو 2009 أعرب إيدير عن نيته عدم مواصلة المشوار على رأس النادي قبل أن يتراجع عن قراره. ولكنه بقي على رأس الأفريقي موسما آخر قبل أن يستقيل في 28 مايو 2010 صحبة أعضاء الهيئة المديرة بعد نهاية موسم صعب عرف فيه الأفريقي أزمة مالية.
وبعد هذه الفترة حلم العديد من الغيورين على النادي والمهووسين به في تونس بفترة ذهبية بعد قدوم جمال العتروس، رجل الأعمال والمال، الذي تولى رئاسة الفريق في الفترة بين 2010 و2012. لكن فترة العتروس لم تعمّر طويلا وسرعان ما حزم الرجل حقائبه معلنا الرحيل بعد سنتين من توليه الإشراف على حظوظ الفريق، ليدخل على خط الأزمة رجل الأعمال سليم الرياحي، الذي استغل الموقف على أكمل وجه في تلك الفترة خصوصا أن برنامجه كان سياسيا أكثر منه واجبا تحتّمه الوضعية المالية للفريق العريق.
استغل الرياحي حينها النادي ذا القاعدة الجماهيرية الكبيرة من أجل رسم معالم برنامجه السياسي وكان له ما أراد، رغم أنه لا يمكن إنكار ما قام به الرجل من انتدابات وصفقات خيالية للفريق توجت بحصده للقب الدوري 2014-2015 بعد عزوف قارب الست سنوات. لكنه في المقابل انتهى بسيناريو مخاتل وضع الفريق على فوهة بركان منذ نهاية الموسم الماضي ليجد الفريق نفسه في دوامة من الديون تحيط به من كل جانب.
وفي هذا الإطار يؤكد الصحافي والمحلل الرياضي مراد البرهومي في تصريح لـ”العرب”، أنه بالنسبة للأفريقي فإن وضعيته تستمد جذورها من نهاية الموسم الماضي وما خلفته أزمة الرياحي صلب إدارة الأبيض والأحمر من ارتدادات كبرى صعبت مجاراتها. وأشار البرهومي إلى أن “الوضع ما زال متراكما منذ الموسم الماضي ولا يمكن التخلص منه بسهولة رغم ما يقوم به الأحباء من مجهودات لخلاص الديون المتخلدة بذمة الفريق”.
ووجد النادي الأفريقي نفسه في دوامة من الديون بقيادة عبدالسلام اليونسي إثر تركة ثقيلة خلفها الرئيس السابق سليم الرياحي، وما كان من أنصاره سوى الالتفاف حول فريقهم لدعمه بضخ تبرعات في خزينة الفريق.
وفي هذا السياق أوضح سمير السليمي في تصريح سابق لـ“العرب”، أن الهبّة الجماهيرية قد تساعد الفريق نسبيا على تفادي المزيد من العقوبات، مبرزا أن أنصار الأفريقي شاعرون بخطورة الوضع الذي يمر به النادي بسبب فشل الإدارة الحالية في الخروج بسرعة من الأزمة. ومن جانبه أعرب اليونسي عن امتنانه لجماهير الأفريقي. وأضاف قائلا “نواجه منذ الموسم الماضي تحديات بالجملة، نحن ندفع ثمن أخطاء بعض المسؤولين السابقين الذين لم يحسنوا التعامل مع العديد من الملفات المتعلقة بمستحقات لاعبين ومدربين سابقين، حاولنا بكل جهودنا تجاوز هذه الصعوبات، لكن تتالي الخطايا والعقوبات جعل الأزمة متواصلة، لكن جماهير الأفريقي كان لها دور حاسم ومساهمتها ماليا ستساعد دون شك في سداد هذه الخطايا”.
خطوة غير مدروسة
في الشق الساحلي تسارعت الأحداث بشكل كبير، فخلال وقت قصير دخل النادي في دوامة إدارية خطيرة خاصة بعد أن أعلن رئيسه رضا شرف الدين استقالته رسميا من منصبه.
وجاءت الاستقالة في وقت حرج؛ حيث أن النادي مقبل على المشاركة في دوري أبطال أفريقيا، ويجب أن يركّز عليه لتعويض الخروج المبكر من بطولة كأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال.
وبدأت مشاكل النجم تظهر بعد خيبة الفريق بكأس محمد السادس؛ حيث قبل رئيس النادي في 25 سبتمبر استقالة المدير الرياضي عماد المهذبي، ورئيس فرع كرة القدم مهدي العجيمي، والسكرتير العام عادل غيث.
ودعا يومها شرف الدين إلى عقد جلسة عامة عادية، وأخرى استثنائية انتخابية عاجلة، لا تتجاوز الأول من الشهر المقبل، لكن لم يكن أحد يتصور أنَّ رضا شرف الدين هو الآخر سيستقيل ويرفع الراية البيضاء.
وتساءل محللون رياضيون وخبراء في كرة القدم حول الغموض الذي يلف أزمة الفريق الساحلي، وقال الصحافي البرهومي في هذا السياق إن “الغموض لا يزال يسيطر على ملف إدارة النجم بما أن لا بديل مناسبا يطرح الآن لتولي إدارة الفريق الأحمر”، ورأى البرهومي أنه “نظرا للظروف المالية الضاغطة التي يمر بها الفريق فإنه من الأجدر بقاء شرف الدين في منصبه”.
وتولى رضا شرف الدين رئاسة النجم منذ 2012 وحرص على أن يكون من أبرز الممولين لميزانية الفريق فدفع العشرات من المليارات من ماله الخاص مثلما يردد ذلك كثيرا، إلا أنَّ هذه الأموال لم تشفع له، حيث صبت الجماهير غضبها عليه أكثر من مرة، متهمة إياه بإعطاء الأولوية لمشاغله السياسية، والتي أبعدته عن خدمة الفريق.