كان من الممكن تجنب هجوم حماس الوحشي

أضم صوتي بالتأكيد إلى أصوات العديد من القادة الذين أدانوا هجوم حماس بأشد العبارات. لست مندهشًا مثل كثيرين من أن هذا الهجوم قد وقع بالفعل وأودى بحياة العديد من الإسرائيليين الأبرياء، كما أنني لن أتفاجأ من الانتقام الإسرائيلي المستمر الذي سيودي حتما بحياة المئات -إن لم يكن الآلاف- من الفلسطينيين، ومن بينهم العديد من المدنيين الأبرياء. أنا لست مندهشا لأنني مثل الكثير منا الذين تابعوا تطور الأحداث بين إسرائيل والفلسطينيين في السنوات القليلة الماضية، وخاصة في الأشهر القليلة الماضية، توصلت بسهولة إلى هذه النتيجة وذكّرت عدة مرات في كتاباتي بأنها لن تكون سوى مسألة وقت فقط حتى يحدث مثل هذا الانفجار.
لقد كتبت الفقرة التالية منذ ما يزيد قليلاً عن عام (نُشرت في الأصل يوم 2 أكتوبر 2022)، وهو ما حدث بشكل مأساوي مؤخرا:
"الخطر الذي يبدو أن جميع الأطراف المعنية تتجاهله هو أنه على الرغم من أن الوضع الراهن بين إسرائيل والفلسطينيين قد يسود على السطح لفترة أطول قليلاً، ولنقل ثلاث إلى أربع سنوات، إلا أنه من غير الممكن أن يستمر لفترة أطول من ذلك بكثير. ولا بد أن ينفجر الوضع في وجه كل من لا يدرك خطورته وعواقبه الوخيمة في غياب حل. والحقيقة أن الأمر لا يتعلق بما إذا كان الفلسطينيون سينهضون ويلجأون إلى العنف، بل متى؟ الأمر الذي سيجعل الانتفاضة الثانية التي اشتعلت في العام 2000 تبدو وكأنها مجرد بروفة. والإسرائيليون الذين يعيشون في حالة إنكار سوف يضطرون عاجلاً وليس آجلاً إلى مواجهة الحقيقة المرّة. إن المشكلة الفلسطينية لن تنتهي وسوف تستمر في مطاردتهم ولن تقدم لهم أي راحة. علاوة على ذلك، فإن الصراع مع الفلسطينيين سوف يستمر في تقديم ألد أعداء إسرائيل، إيران ووكيلها حزب الله في لبنان، الوصفة المثالية التي يحتاجون إليها لزعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمن إسرائيل القومي بشكل مستمر. وبينما تستطيع إسرائيل أن تنتصر عسكرياً على أي من أعدائها، ولو بكلفة متزايدة من الدماء والمال، فإنها لا تستطيع أن توقف التهديد الأكثر خطورة على الإطلاق؛ ألا وهو التآكل المميت الناتج عن احتلالها الوحشي المستمر للأساس الأخلاقي الذي قامت عليه إسرائيل”.
◙ هجوم حركة حماس استغرق أشهرا للتخطيط والتدريب ومع ذلك فإن وكالات الاستخبارات "الأكثر تطورا" في إسرائيل لم تكتشف حتى أي تلميح لمثل هذه الخطة المدمرة
لا بد أن هذا الهجوم غير المسبوق الذي قامت به حركة حماس والذي لا يمكن تصوره من البر والجو والبحر قد استغرق أشهراً للتخطيط والتدريب والتحضير للتنفيذ. ومع ذلك، فإن وكالات الاستخبارات “الأكثر تطوراً” في إسرائيل لم تكتشف حتى أي تلميح لمثل هذه الخطة المدمرة. فماذا يقول لنا هذا عن الحكومة الإسرائيلية التي يقودها رئيس الوزراء المتغطرس والمغرور بنيامين نتنياهو الذي يتفاخر بقدرات إسرائيل العسكرية واستعدادها الذي لا مثيل له؟
وبينما كان نتنياهو مشغولاً بالتخطيط لسحق الديمقراطية الإسرائيلية من خلال ما يسمى بإصلاحاته القضائية، وتعزيز أمن إسرائيل في الضفة الغربية عن طريق إرسال الآلاف من الجنود لحماية المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين، كانت حماس تستعد لهذا الهجوم المميت والواسع وغير مسبوق، وقد أودى بحياة 700 إسرائيلي -حتى كتابة هذه الأسطر- واختطف أكثر من 100، بينما كشف ضعف إسرائيل في أعين أقوى أعدائها، بما في ذلك حزب الله وإيران.
من الواضح أن توقيت هجوم حماس لم يكن عرضياً. كان من المخطط له أن يتم ذلك بالضبط في الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران عام 1973. وكان المقصود منه تذكير الإسرائيليين تذكيرا فظا بأن حقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم ليست صندوقًا يمكن إلغاؤه، حسب وصف نتنياهو مؤخرًا عندما سُئل عن التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
لم يكن من الممكن لأي إسرائيلي أن يصدق أن ما يسمى بـ”مجموعة متناثرة” تحمل “مفرقعات نارية” -كما وصف بعض المسؤولين الإسرائيليين حماس التي تتواجد تحت الحصار منذ 18 عاما- ستكون في وضع يمكّنها من شن هجوم بهذا الحجم، مجبرة عشرات الآلاف من الإسرائيليين على الهروب إلى الملاجئ وهم يرتعدون من الخوف. فعلى مدى عقود من الزمن دفعت الحكومة الإسرائيلية الناس إلى الاعتقاد بأن الفلسطينيين لن يتوقفوا عن كفاحهم من أجل الاستقلال ما لم تستخدم إسرائيل القوة الوحشية ضدهم. وقد أثبت هذا الهجوم خطأ هذا الادعاء؛ وأنه حتى في ظل أقسى الظروف لن يتخلى الفلسطينيون أبدًا عن كفاحهم من أجل الحرية والاستقلال من خلال الرد على العنف بالعنف، ولن يستسلموا أبدًا للقوات الإسرائيلية.
إن الحكومة الإسرائيلية الحالية التي دعا وزيرها المسؤول عن الشؤون المدنية في الضفة الغربية بتسلئيل سموتريش في وقت سابق من هذا العام إلى محو قرية حوارة الفلسطينية، وأطلقت العنان للمستوطنين كي يضايقوا الفلسطينيين في كل منعطف، لم تفعل شيئا سوى اغتصاب آخر بقايا أمل الفلسطينيين في أن يتحرروا مرة أخرى. إن معاملة الفلسطينيين وكأنهم قوة احتلال بدلاً من كونهم محتلين، كما ادعى سموتريش، ليست أمراً شائناً فحسب، بل هي هزيمة ذاتية كما ثبت على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية. إن وقوع الهجوم الوحشي الذي شنته حماس يوم السبت تحت أنظار الحكومة الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل لا يثبت إلا عدم كفاءتها وأن تجاهل المشكلة الفلسطينية سوف يكون على حساب إسرائيل.
كانت حماس تعلم جيداً أن سكان غزة سوف يتكبدون خسائر فادحة في الأرواح والدمار إذا هاجموا إسرائيل بهذا الشكل غير المسبوق، وحجم الخسائر البشرية والدمار الذي أحدثته إسرائيل يشهدان بالفعل على ذلك. وبالرغم من ذلك أقدموا على المخاطرة القاتلة، ولكن المحسوبة أيضا لأنهم كانوا مصممين على تغيير ديناميكية الصراع مع إسرائيل وخلق نموذج جديد وإجبار إسرائيل على إعادة تقييم موقفها تجاه الفلسطينيين. لقد وجدت أنه من المثير للاهتمام أن المتحدث باسم حماس لم يدعُ إلى تدمير إسرائيل، بل دعا إلى وضع حد للانتهاكات ضد الفلسطينيين، قائلاً “نريد من المجتمع الدولي أن يوقف الفظائع في غزة ضد الشعب الفلسطيني وأماكننا المقدسة مثل المسجد الأقصى. كل هذه الأمور هي السبب وراء بدء هذه المعركة”، يأتي ذلك ردًا على المحرض إيتمار بن غفير الذي قام منذ توليه منصب وزير الأمن القومي بزيارة جبل الهيكل عمدًا، والذي مُنع اليهود من زيارته بموجب اتفاقية عام 1967 بين الأردن وإسرائيل.
وبينما لم يتصالح جناح حماس العسكري، كتائب القسام، مع وجود إسرائيل قط ويرى أنه يجب تدميره، ينبغي لإسرائيل أن ترسل رسالة واضحة مفادها أنها مستعدة لبدء مفاوضات سلام مع القادة الفلسطينيين المعتدلين لخلق عملية مصالحة طويلة الأمد ومن شأنها أن تؤدي إلى حل دائم. لقد حان الوقت لكي تدرك إسرائيل أن سياسة الذهاب إلى غزة “لجز العشب” كل بضع سنوات قد فشلت فشلاً ذريعًا ولم تحقق شيئًا سوى تعميق مقاومة الفلسطينيين. ويشهد الهجوم المروع الأخير على هذه السياسة الإسرائيلية المضللة بشكل خطير.
ورغم أن لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها وسحق إرهابيي حماس والجهاد الإسلامي الذين تدعمهم إيران وحزب الله ولن يقبلوا بالواقع الإسرائيلي، يجب على إسرائيل أن تتذكر أيضا أن الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني تريد العيش في سلام وقبول حق إسرائيل في الوجود. لكن من المؤسف أن الحكومات المتطرفة، مثل الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو، تعتبر الفلسطينيين جميعاً إرهابيين ولا يمكن الوثوق بهم أبداً؛ ومن ثم يجب التعامل معهم بقبضة من حديد.
فإلى متى ستستمر إسرائيل في التمسك بهذه الفكرة التي لا أساس لها من الصحة وتؤدي إلى نتائج عكسية قبل أن تدرك أن الفلسطينيين أناس عاديون إلى حد كبير ويريدون أن يعيشوا حياة طبيعية، تمامًا مثل أي إسرائيلي؟ على قادة إسرائيل أن يتذكروا أن اليأس يولد اليأس، واليأس يولد الغضب والاستياء، الأمر الذي يترك بدوره الشعب الفلسطيني بلا خيار سوى اللجوء إلى العنف والمجازفة بالموت مفضلا ذلك على عيش حياة يأس لا نهاية له.
وهذا يذكرني بالموقف السخيف الذي اتخذه الجمهوريون الذين يعارضون السيطرة على الأسلحة في الولايات المتحدة في أعقاب حوادث إطلاق النار الجماعية. بعد الحوادث مباشرة يستقر الرأي بهم على إرسال الصلوات والتعازي إلى العائلات الثكلى، مصرين على أن “هذا ليس الوقت المناسب” للحديث عن قوانين مهمة للسيطرة على الأسلحة، كما لو أن صلواتهم وتعازيهم ستوقف حوادث إطلاق النار الجماعي التالية. ولكن من الواضح أن هذا لم يحدث قط، حيث أن عمليات إطلاق النار الجماعية تستمرّ حاصدة أرواح أكثر من خمسين ألف أميركي كل عام، وحتى الآن لم يتم تفعيل أي قوانين سيطرة فعّالة على الأسلحة. وهكذا هي الحال مع أي وقف إطلاق نار جديد بين إسرائيل وحماس، أو إسرائيل والفلسطينيين. لن يوقف وقف إطلاق النار أو الإدانات الصراع بين الجانبين. ينبغي على أولئك الذين يسعون إلى السلام والاستقرار والأمن والازدهار في الشرق الأوسط أن يتذكروا أنه إذا تم التطبيع الإسرائيلي – السعودي ولم يتضمن هذا التطبيع مسارًا واضحًا لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فهو ليس سوى وصفة من أجل زيادة العنف الإقليمي وزعزعة الاستقرار بما يتجاوز بكثير ما شهدناه حتى الآن.
لقد حان لإدارة جو بايدن -التي كانت تتحدث فقط عن حل الدولتين مثل كل سابقاتها- الوقت كي تتصرف بناءً على موقفها الرسمي وتصر على أن الظرف يسمح لإسرائيل بأن تأخذ هذا الصراع مع الفلسطينيين على محمل الجد. يجب على إدارة بايدن ألا تفترض للحظة أن وقف إطلاق نار آخر، بغض النظر عن نطاقه، سيوفر حلاً دائمًا. علاوة على ذلك، يتعين على السعوديين أن يوضحوا علناً أنه لن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع إسرائيل ما لم يتم تحديد مسار واضح يؤدي إلى حل دائم للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. إن قول ذلك علناً من شأنه أن يبدد خوف الفلسطينيين من إمكانية أن يُهمشوا ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، في حين يبعث برسالة واضحة إلى الجمهور الإسرائيلي مفادها أن حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من أي اتفاق بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وذلك بما يتفق مع مبادرة السلام العربية لعام 2002. وفي التحليل النهائي، لن تتمكن أي حكومة إسرائيلية من التصرف بجدية لتحقيق هذه الغاية إلا عندما يطالب الجمهور الإسرائيلي كله بمبادرة سلام جديدة.
◙ مقاتلو حركة حماس مصممون على تغيير ديناميكية الصراع مع إسرائيل وخلق نموذج جديد وإجبار تل أبيب على إعادة تقييم موقفها تجاه الفلسطينيين
وبالفعل، لا يكفي أن يتوحد الإسرائيليون في أوقات الأزمات. يجب عليهم الآن أن يتحدوا للمطالبة بحل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. يتعين عليهم الآن أن يتدفقوا إلى الشوارع بمئات الآلاف، على نحو أقرب إلى احتجاجاتهم ضد جهود نتنياهو الشريرة لـ”إصلاح” السلطة القضائية، وأن يبقوا مصرّين بلا هوادة إلى أن توافق حكومتهم على الدخول في مفاوضات ذات مصداقية مع الفلسطينيين. إن الفشل في القيام بذلك هو ببساطة انتظار، مرة أخرى، للحرب المروعة التالية التي قد تكون أكثر خطورة من هذا الهجوم، مسبّبة خسائر لا حصر لها في الأرواح لا يمكن لأي إسرائيلي أن يتخيلها في أعنف كوابيسه.
وبمجرد أن تنتهي الحرب المروعة ويتم التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار بشكل مأساوي بعد مقتل الآلاف من الجانبين، لا بد من تشكيل لجنة تحقيق للبحث في الكيفية التي فوجئت بها حكومة نتنياهو. ليس هناك شك في أن هذه الحكومة اعتبرت المقاومة السلبية نسبيا للفلسطينيين أمرا مفروغا منه، ولم تفكر أبدا في أنهم سيكونون في وضع يسمح لهم بشن مثل هذا الهجوم غير المسبوق. ولا بد من محاسبة المسؤولين في الحكومة ودفع الثمن.
وعلاوة على ذلك ينبغي لزعماء المعارضة، بيني غانتس ويائيرلابيد وأفيغدور ليبرمان وميراف ميخائيلي، أن يستجيبوا لدعوة نتنياهو إلى تشكيل حكومة وحدة بشرط أن يستقيل نتنياهو بمجرد انتهاء الحرب وإجراء انتخابات جديدة. ودون ذلك يجب على الجمهور الإسرائيلي أن يطالب بالاستقالة الفورية لرئيس الوزراء نتنياهو. فبدلاً من الاهتمام باحتياجات الأمن القومي لإسرائيل، كان مشغولاً بالتخطيط لتقويض السلطة القضائية بشدة والتضحية بالمصلحة الوطنية فقط من أجل إنقاذ نفسه. لقد خان قسم منصبه، ويتعين عليه الآن أن يخليه لاستعادة الكرامة والثقة إلى اللقب الذي يحمله دون استحقاق.