"كان خالد" دراما كويتية تخوض بجرأة في جرائم العنف الأسري

عادة ما تكون جرائم العنف الأسري في المجتمعات الخليجية والعربية بشكل عام مصحوبة بهالة من السرية والكتمان، نظرا للعادات والتقاليد التي تفرض على الأنثى عدم البوح بمثل هذه التصرفات أو الجرائم التي تُرتكب في حقها من قبل الأهل. إلاّ أن المسلسل الكويتي “كان خالد” يذهب بعيدا في الكشف عن تلك الممارسات المسكوت عنها داخل الأسرة الواحدة مستعرضا تبعاتها السلبية على الفرد والمجتمع.
يسلط المسلسل الكويتي “كان خالد” الضوء على عدد من التجارب القاسية لبعض النساء الكويتيات ممن يتعرّضن للتعنيف من قبل ذويهن، محذرا من تبعاتها على المجتمع.
ويعدّ العمل أولى التجارب الدرامية للكاتبة جميلة جمعة التي قالت عنه “المسلسل يطرح مجموعة من القضايا الواقعية، التي استقيتها من لب المجتمع ومن داخل البيوت الكويتية”.
والمسلسل من إخراج نايف الراشد الذي يتولى أيضا القيام بدور البطولة الرئيسية فيه بجانب الفنانين زهرة عرفات والفنانة طيف، وفخرية خميس وسارة القبندي وليالي دهراب وشهاب جوهر ونواف النجم، ومجموعة متنوعة من نجوم ونجمات الخليج العربي.
ويدور العمل حول أرملة وأسرتها المكونة من ابنها خالد وأخواته الثلاث: سارة وفاطمة ودانة. يمثل خالد الشخصية المحورية في المسلسل، وهو شخص عنيف الطباع، دائما ما يختلق الأسباب لتعنيف أخواته.
يعامل خالد أخواته الثلاث بقسوة بالغة، وهو يثير الرعب في قلوبهن لمجرد وجوده في البيت، فهو دائم التعنيف والتوبيخ لهنّ لسبب أو دونه، مستعملا معهنّ وسائل مُفرطة في العنف.
وفوق كل ذلك يتّصف خالد، الذي يؤدي دوره نايف الراشد، بصفات أخرى قبيحة؛ فبالإضافة إلى كونه لم يكمل تعليمه، لا يحافظ على نظافته الشخصية، ويأكل ويتصرّف بطريقة همجية، كما يستولي على راتب أخته الصغرى، بينما يعامل أخته الكبرى سارة وزوجها بالكثير من العجرفة.
نماذج متباينة ومختلفة من النساء يتعرض لها المسلسل، كنموذج الأم الضعيفة وقليلة الحيلة التي تتسبب بضعفها في تمادي ابنها في أفعاله؛ تجسد هذه الشخصية الفنانة طيف التي تقوم بدور والدة خالد، وهي دائما تختلق لابنها الأعذار وتقف موقفا سلبيا تجاه تجاوزاته ضد أخواته.
المسلسل يسلط الضوء على عدد من التجارب القاسية لبعض النساء الكويتيات ممن يتعرّضن للتعنيف من قبل ذويهن
على النقيض تماما يطالعنا أيضا نموذج الأم المسيطرة التي تتدخل في كل تفاصيل وحياة أبنائها، كشخصية أم طلال، التي تلعب دورها الفنانة فوزية محمد، والتي تقف حائلا بين ارتباط ابنها الوحيد بالفتاة التي يحبها. هناك أيضا نموذج المرأة المُتصابية التي تبحث عن الحب، وتعميها رغبتها تلك في رؤية الفروق الشخصية والاجتماعية بمن تود الارتباط به، وتجسدها الفنانة فخرية خميس.
أما أخوات خالد الثلاث فلكل منهنّ تركيبة مختلفة عن الأخرى، لكنهنّ يشتركن في نفس المواقف السلبية وقلة الحيلة في مواجهة سطوة الأخ أو الزوج.
لا تستطيع فاطمة، التي تؤدي دورها الفنانة سارة القبندي، البوح بمشاعرها أو الاعتراض على تصرفات أخيها وتحكّمه حتى في راتبها الذي تحصل عليه من عملها في إحدى المدارس. أما الأخت الصغرى دانة، التي تؤدي دورها الفنانة ليالي دهراب، فهي تسلّم أمرها تماما لأخيها ولا تستطيع الحركة أو التصرّف في أبسط أمورها إلاّ بإذنه، حتى على مستوى علاقاتها مع زميلاتها في الجامعة. وعكس ما هو متوقع في المسلسلات الخليجية الاجتماعية لا يأتي ختام المسلسل بنهاية سعيدة أو تغير درامي حاد في تركيبة الشخصيات وقناعاتهم كما يحدث دائما، إذ يطالعنا العمل بسياق مختلف ومفاجئ أيضا وإن كان مؤلما. فالنهاية القاسية للمسلسل تتّسق مع تركيبة الشخصيات والأحداث التي تتصاعد على نحو منطقي حتى تصل بنا إلى نقطة فارقة.
واستطاع الفنان نايف الراشد بحرفية تقمص شخصية خالد المتناقضة والمركبة، وهي شخصية مختلفة عن الشخصيات النمطية التي نراها عادة في الأعمال الدرامية الخليجية. فقسوة الشخصية وانحرافها لا ينبعان من حَميّة أو ارتباط بالعادات والتقاليد، بقدر ما ينبعان من اضطراب نفسي وسلوكي ورغبة مرضية في السيطرة والتحكم.

ويتمثل تناقض شخصية خالد وانحرافها في العديد من النقاط، ففي حين يعُد الأخ على أخواته الأنفاس ويعاقبهنّ لمجرد الخروج دون إذنه بتقييدهنّ وحبسهنّ في قفص حديدي كالحيوانات، كما يبدو حريصا على عدم اختلاطهنّ بالرجال، لا يتورّع أيضا عن استغلال أخته الصغرى دانة في نزواته وسلوكه الاحتيالي ما يعرضها للخطر. ويقدم خالد أخته الصغرى لأحد الرجال من كبار السن كعروس من أجل ابتزازه في ما بعد، كما يشركها معه في الاحتيال على أحد تجار الذهب.
ويتسم خالد بالبخل الشديد، فهو يقتر على أسرته على نحو بالغ حتى في أبسط الأمور، كما يتسم أيضا بالطمع والانتهازية الشديدة، إذ لا يتورّع مثلا عن إلقاء شباكه على مديرة المدرسة التي تعمل فيها أخته فاطمة رغم فارق السن بينهما ويدعوها إلى الزواج من أجل الاستيلاء على ثروتها. ومع ذلك لا تخلو الشخصية التي يقدّمها نايف الراشد، رغم قسوتها، من طرافة أحيانا، وهي طرافة مبعثها جموح تصرفاته وشذوذها.
ويحسب على المسلسل بطء الإيقاع والتكرار والخلط أحيانا بين المواقف الجادة والهزلية. كما حفل العمل ببعض التفاصيل الأخرى التي كانت في حاجة إلى المزيد من الحبكة، كمشهد إلقاء خالد لأخته في خزان المياه، أو النزاع بين مديرة المدرسة وإحدى المدرسات. لكن في المُجمل يمثل “كان خالد” بلا شك حالة مختلفة ولافتة بين الأعمال الخليجية التي تم عرضها مؤخرا.