"كانون" مسلسل عن الانقسامات العنيفة في المجتمع السوري

تقدم التغيرات الكبرى الحاصلة في المجتمع السوري جراء الحرب، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي الجمعي والفردي، مادة ثرية للكتاب والمخرجين ينجزون من خلالها أعمالا درامية تحلل هذه التغيرات وتقدم قصصا ودروسا إنسانية يحتاجها المشاهد، تعيد له توازنه والأمل في مستقبل أفضل وتحكي له قصصا من واقعه المعيشي.
يقدم مسلسل “كانون” المجتمع السوري الحالي بالانقسامات العنيفة التي آل إليها بسبب الحرب التي عصفت بسوريا، مستعرضا الشروخ الاجتماعية التي ظهرت مؤخرا وخاصة تداعي الطبقة الوسطى التي تمثل النسبة الديموغرافية الأكبر، لصالح شريحتين، واحدة ثرية والثانية معدمة.
عن هذا المسلسل يقول إياد نحاس مخرج العمل في الحديث لصحيفة “العرب”، “المجتمع السوري حاليا انقسم إلى شريحتين، واحدة ضئيلة عدديا وهي أكثر من مرفهة، وثانية وهي النسبة الغالبة منه وهي معدمة، هذا التناقض الهائل بين الشريحتين غير طبيعي وغير صحي. في سوريا لا توجد طبقة وسطى حاليا، وهي التي كانت الشريحة الأكبر في المجتمع السوري وتمثل الحامل الطبيعي للحراك الثقافي والحضاري، لأنها الأكبر عددا كما هو الحال في كل المجتمعات. نحن نتراجع بشدة في سلم الحضارة والمكسب حاليا أن نقف عن التراجع، وليس أن نتقدم لأن العالم صار بعيدا عنا ثقافيا واقتصاديا”.
يقدم المسلسل حالة الفوضى الحالية في المجتمع السوري بأسلوب اجتماعي بوليسي قائم على التشويق والإثارة، مستعرضا شرائح عديدة، منها ما يتعلق بتجارة الأعضاء وبيع المسروقات والتزوير. وهو يروي حكاية شاب يسمّى كانون (مهيار خضور) عانى في حياته الكثير من الظلم، لكنه عندما كبر قرر أن يدفع الظلم عن الآخرين ويساعدهم في تحقيق أحلامهم.
في حديثه عن العمل يقول منتجه المشارك مع جميل الغيث، ناصر جوابرة لصحيفة “العرب”، “كانون، قصة شعب وحياة وطن يحتوي على المتناقضات بين القمة والقاع، فهنالك السقف الثري الغني وهناك القاع حيث الفقر والاحتياجات الشديدة، وما بينهما مجموعة من الناس التي تحتوي الطيبين والأخيار والأشرار، ويتخلل ذلك أحداثا تتعلق بتجاوزات قانونية وأخلاقية. كانون، شخص يشعر بالظلم في مجتمعه، عاش الفقر والاضطهاد فأراد أن يخلص المجتمع من هذه الحالة قدر إمكانه عندما صار رجلا قويا”.
دراما اجتماعية
عن السبب في اختيار الشركة الشكل الاجتماعي للعمل، يقول جوابرة “اخترنا أن يكون العمل الأول لنا اجتماعيا وفيه جانب تشويقي بوليسي لأننا نريد أن نقدم للجمهور ما يناسبه من الأعمال في هذه الفترة. عندما توجهنا لإنجاز عمل اجتماعي تشويقي بوليسي أوجدنا البنية المهنية الملائمة له، من خلال اختيار طبيعة النص والمخرج الذي له باع في هذا الموضوع وأبطال العمل والمشاركين فيه. اخترنا لأداء شخصية كانون الفنان مهيار خضور، وهو ممثل موهوب يتكيف حسب طبيعة الشخصية التي يؤديها، كما أنه يمتلك جسدا رياضيا، يؤهله للقيام بأعمال الأكشن التي تحتاج إلى مجهود بدني وحركة وقتال، وهنالك ممثلون آخرون قدموا جهدا كبيرا لإنجاز العمل، على رأسهم الفنان بسام كوسا، وعبدالفتاح مزين ورنا الأبيض وميلاد يوسف وحسام الشاه وجوان خضر وآخرون”.
مخرج العمل إياد نحاس قدم في الدراما التلفزيونية العديد من الأعمال في سوريا والدول العربية، يبيّن منظوره في مسلسل “كانون”، ويقول “كانون في مسلسلنا يعني الظلم الذي تعرض له شخص في مجتمع محدد. في المدلول الشعبي، كانون يرتبط بالشتاء والبرد والركون للبيت، كما يرتبط الخريف بنهاية العمر والربيع بالأزهار والفراشات والصيف بالرحلات الترفيهية”.
ويتابع “كانون في المسلسل ليس له علاقة بالطقس بل بالظلم الذي أحاط بإنسان محدد. هو عمل اجتماعي يرصد مجتمعا انقسم إلى شريحتين، المسافة بينهما كبيرة جدا، هنالك طبقة مرفهة هي ليست بالضرورة شريرة دائما وهنالك طبقة تعيش في القاع وهي ليست دائما طيبة، وما بينهما طبقة وسطى زالت نتيجة حراك اجتماعي. يرصد العمل، العلاقات البينية بينهما من خلال بعض التفاصيل والأخلاقيات والجرائم التي تحدث بشكل مفصل ودقيق”.
يشارك الفنان بسام كوسا في المسلسل كضيف شرف، فهو يقدم شخصية محورية (عبدالقادر والد كانون)، لا تظهر إلا من خلال “فلاش باك” (استعادة)، توضح للمشاهدين الخلفية الاجتماعية التي جاء منها الشاب. لكن هذه الشخصية وعلى الرغم من صغر المساحة الزمنية التي تقدمها فإنها تقدم إجابات عديدة عن بعض التساؤلات التي يمكن أن تطرح عن طبيعة شخصية كانون ومساراتها النفسية المشوهة.
بسام كوسا يساهم من خلال شخصيته بترسيخ مفهوم العنف النفسي الذي يمارسه بعض الأشخاص على أبنائهم، وما يسببه ذلك من اختلالات عميقة في حالتهم النفسية. كما يقدم فيها تلوينات في أداء شخصية تحمل متناقضات نفسية، فتجعلها كثيرة السلبية، بعيدة عن الشخصية المتوازنة.
ولد المسلسل من خلال فكرة، لكنه تبلور وصار نصا متكاملا من خلال ورشة عمل جمعت عددا من المشاركين فيه. يقول جوابرة عن ذلك “كانون كان فكرة في بداية الأمر ثم تطور الموضوع إلى أن أصبح مسلسلا. من خلال ما يمكن أن نسميه ورشة كتابة”.
ويوضح “كاتب النص علاء المهنا شاب مطلع حيوي، زار سوق الحرامية في قلب المدينة والحارات الشعبية وتفاعل معها واقتنص أفكارا هامة طرحها على قسم الإنتاج، وقدم الآخرون ما لديهم من أفكار، فتحولنا نحو العمل في ورشة جماعية وصار الجميع مساهما في إنجاز العمل بشكل أو بآخر، نضيف فكرة ونحذف أخرى إلى أن وصل النص إلى ما وصل إليه أخيرا”.
ويتابع “المسلسل في طور التنفيذ وهو مشوق بحيث أن المشاهد لن يستطيع مغادرة الشاشة لأن حجم التشويق الذي سيكون موجودا في هذا العمل كبير جدا”.
تنوع في الدراما
يرى مخرج العمل إياد نحاس أن كل أنواع الدراما مطلوبة، والكاتب هو من يحدد مزاج العمل الأساسي فيه “المزاج في العمل يحدده النص وبناؤه. عندما يقدم مخرج ما على إنجاز عمل ما، سوف يتقيد بالمزاج الذي أوجده كاتب النص”.
ويستدرك “لكن الحياة قائمة على التنوع، لا يستطيع إنسان أن يقول إنه يجب أن تكون الحياة كلها فصل شتاء أو صيف أو لونا محددا أو طعاما معينا، الإنسان بحاجه إلى كل الأشياء. وهذا ينسحب على الدراما، فالبيئة الشامية مطلوبة من الجمهور وكذلك المسلسلات الاجتماعية والكوميدية وحتى البدوية وغيرها. كل هذه الأنواع يجب أن تكون موجودة لأن لها متابعيها وجمهورها”.
ويضيف “دراما البيئة الشامية كان لها وجود هام في مرحلة ما لأنها ارتبطت بسياسات ترويج جيدة، تراجعت المسلسلات الاجتماعية في تلك المرحلة لكنها أخيرا تقدمت خطوات إلى الأمام، ونحن مع أن تتقدم أكثر، ولكن في كل الحالات أنا مصرّ على أن كل أنواع الدراما يجب أن تكون موجودة، لأن ذلك يحمل الخير لصناعها. المهم في الموضوع هو تقديم عمل فني ذي قيمة وجودة، وهذا يستحضر بالضرورة إنجاز أفكار في شتى هذه المجالات وهو سيحقق بالتراكم المزيد من النجاح للدراما السورية. فنجاح أي دراما لا يقوم على طرح فني واحد، ولا بد من التنوع حتى تحقق النجاح”.
المسلسل يقدم حالة الفوضى الحالية في المجتمع السوري، بأسلوب اجتماعي بوليسي قائم على التشويق والإثارة
ويواكب المخرج إياد نحاس حركة الدراما في العالم، محاولا تقديم مقاربات لها، عبر تقديم أعمال عربية تحقق لجمهورها مواكبة لأحدث ما يقدم عالميا.
ويقول لـ”العرب”، “اعتمدت لغة مختلفة فرضها النص، فمنصات العرض التلفزيونية الحالية تشترط وجود أعمال متطورة تحاكي وتتقاطع مع ما تقدمه الدراما العالمية والعربية. الجمهور العربي وخاصة الشاب، اطلع على الدراما العالمية وشاهد أعمالا جديدة من خلال المنصات الرقمية أو شركات العرض الكبرى، لذلك لن تستطيع مخاطبته إلا من خلال تبني نفس الأداء، وإلا سوف يرفض التواصل مع المنتج، فلا تستطيع أن تخاطب جمهور اليوم بلغة درامية كانت معتمدة منذ عشر سنوات ولا حتى قبل سنتين أو ثلاث، أنت بحاجة إلى تحديث الدراما حتى تصل إليه”.
النجاح هو هدفنا ونعمل على الوصول إليه بقوة. هذا ما تطمح إليه الجهة المنتجة كما يبين ناصر الجوابرة، “لا نتحدى أحدا في عملنا، وليس هدفنا المنافسة الشرسة، نحن نرى أن عملنا سيكون جيدا وكرسنا لأجل ذلك كل الإمكانات المالية والفنية والإبداعية، وننتظر أن يعجب الجمهور. ونمتلك أفكارا في المرحلة القادمة ستكون قيد التنفيذ ربما في الكوميديا أو البدوي أو عالم الأطفال أو البيئات الاجتماعية المختلفة، أيا كان ذلك، فنحن مصرون في شركتنا على تقديم المتميز، ولن نقدم سواه، ونعد الجمهور بالمزيد من الأعمال”.
ويذكر أن مسلسل “كانون” سيقدم في الموسم الرمضاني القادم وهو من إنتاج شركة بايورتا (جميل الغيث وناصر الجوابرة) وفي التأليف علاء المهنا والإخراج إياد نحاس أما التمثيل فشارك به: مهيار خضور وميلاد يوسف وجوان خضر وسلمى المصري ولينا حوارنة وهبة نور وطارق مرعشلي ووائل زيدان ورنا الأبيض وحسام الشاه وعبدالفتاح المزين وعلاء القاسم وأحمد رافع ومحمد قنوع وهاني شاهين ولميس محمد ووفاء عبدالله ونورهان قصبلي وآخرون.