"كازابلانكا".. فيلم أكشن يتواءم مع متطلبات السوق المصرية والعربية

فيلم "كازابلانكا".. دراما مصرية تعزف على وتر المطاردات والقتال الفردي والكوميديا.
السبت 2020/06/13
خليط من الحركة والكوميديا

تشكّل أفلام الحركة والمطاردات تحديا حقيقيا لعموم التجارب السينمائية العربية. فليس هناك تراكم نوعي في تقديم مثل هذه الأفلام، وبالتالي لم تتشكّل بعد خبرات ولا طواقم عمل قادرة على تنفيذ مشاهد الأكشن المعبّرة والمصنوعة بعناية. فوجد الجمهور العربي ضالته بالطبع في الأفلام الغربية عموما والأميركية بشكل خاص، لاسيما وأن هذه الأفلام تقترن مباشرة بالميزانيات الكبيرة والإنتاج كثير التكاليف.

 يبدو أن المخرج المصري بيتر ميمي قرّر المضي في المسار الصعب، أفلام الأكشن، وعينه كما قال في مقابلة صحافية على اجتذاب جمهور عريض يتعطّش لمثل هذه النوعية من الأفلام ويعشق مشاهد الحركة والمطاردات والعصابات والمافيات.

وفي موازاة منجزه في مجال الدراما التلفزيونية ابتداء من مسلسل “الأب الروحي” (2017) وانتهاء بمسلسلين ناجحين هما “كلبش” بأجزائه الثلاثة (2017 – 2019) ومسلسل الاختيار (2020)، فإن ميمي نقل خبراته التلفزيونية في مسلسلين نالا حظا من النجاح هما المسلسلان الأخيران إلى السينما انطلاقا من فيلم “سبوبة” (2012) أول أفلامه الروائية الطويلة وصولا إلى فيلم “كازابلانكا”.

طابع تجاري

لا شك أن بيتر ميمي أراد أن يزج في فيلم “كازابلانكا” كل ما أمكنه من مهارات الإخراج ليضع بصمة ما في سياق أفلام الحركة والمطاردات، بل أن طموحه تعدّى إلى ما هو أكثر من ذلك بتأسيس نوع من أفلام الحركة علّه يكون بديلا عن أفلام الأكشن الأميركية.

وربما كان هذا سببا أساسيا في النجاح الذي أصابه هذا الفيلم تجاريا، حيث حقّق إيرادات غير متوقعة، والتي أشاعت جوّا من التفاؤل في نجاح هذا النوع الفيلمي.

ويقدّم المخرج قصة سينمائية عن تشكيل عصابي مغامر يتكوّن من ثلاثة أشخاص الواجهة فيهم هو عمر المر (الممثل أمير كرارة)، وهو الممثل المفضل لدى المخرج والذي ظهر في أهم مسلسلين أخرجهما وهما “كلبش” و”الاختيار” ليطلقه إلى النجومية المطلقة.

شخصية عمر المر هي امتداد لصناعة النموذج الخارق والمتفوّق في القتال الفردي والتصدّي لقوة الأعداء بشتى وسائل المواجهة والانتقام.

بيتر ميمي ينقل أبطاله وسيناريو الحركة والمطاردات والعنف من المسلسلات التلفزيونية إلى السينما
بيتر ميمي ينقل أبطاله وسيناريو الحركة والمطاردات والعنف من المسلسلات التلفزيونية إلى السينما

ويحاول ميمي الاتكاء على قدرات جسدية استثنائية لا تتوفّر في كرارة ويحاول أن يقدّمه نجما يظاهي النجوم مفتولي العظلات الأميركان.

ها هو يقوم بمهمة هو وزميلاه عرابي (الممثل عمرو عبدالجليل) ورشيد (إياد نصار) من أجل تهريب سيارة فخمة من سفينة اسمها كازابلانكا في عرض البحر، وخلال عملية التهريب يتم استخدام القدرات الفردية والحركة وصولا إلى النجاح في المهمة، لكن وصول السيارة إلى العصابة لم يكن كافيا حيث فقدت المجوهرات الثمينة التي كان قد سرقها عرابي ممّا أوقع عمر في قبضة الشرطة لينال عقوبة السجن لثلاث سنوات.

سرقة عرابي للمجوهرات الماسية سوف تدفعه للبحث عن بلد آخر يعيش فيه، فيذهب إلى المغرب، وهناك يغير شخصيته ويمتلك فندقا ظانا أنه قد تخلّص من عمر نهائيا.

وخلال ذلك يبدو أن رشيد هو الضحية بين الاثنين. لكن عمر ما يلبث أن يعود ليخوض صراعات لا تنتهي ومطاردات في شوارع كازابلانكا.

ويبرز هنا دور الدراكون (الممثل التركي خالد أرجنش) الذي يمتلك تلك المجوهرات ويريد استرجاع ماله، ما يدفعه إلى خوض صراع مع خصومه وفي مقدمتهم عمر، حيث تقع بينهم مواجهة دامية على حافة جبل مطل على بحر وتنتهي بتفوّق عمر على خصمه.

من الملاحظ أن الجمهور الذي استقبل الفيلم باهتمام لم تغب عن باله مسحة فيلم الأكشن الأميركي ومحاكاته بل أن هناك من وجّه اتهاما باستعارات واستنساخ مباشر من أفلام أكشن أميركية، وهنا يرد المخرج ميمي قائلا “فيلم كازابلانكا لا توجد فيه لقطة مأخوذة من فيلم أجنبي، ونحن لدينا مشكلة عظيمة هي أن بعض المتفرجين يقبلون أشياء من الخارج ولا يقبلونها منا، ففي بعض الأفلام الأميركية هناك مبالغات في أفلام الأكشن، فإذا قدّمنا في مشهد أكشن سيارة تطير من فوق مركب، يتحدّث البعض عن أن هذا المشهد مبالغ فيه، رغم أنهم يشاهدون العشرات من المبالغات في أفلام الأكشن الأميركية ولا يتعجّبون أبدا”.

ويتحدّث المخرج ميمي عن فيلمه في مقابلة صحافية، قائلا “فيلم كازابلانكا ميزانيته مرتفعة جدا على مستوى الإنتاج، ويضم العديد من النجوم ولا يوجد مخرج شاطر لا يملك خلفية درامية، وبالنسبة لي قد أكتب سيناريوهات بعض أعمالي أحيانا عندما تكون لديّ رؤية خاصة لا يستطيع أحد ترجمتها على الورق غيري أو لضيق الوقت”.

ويضيف “كما أنني أؤمن تماما أن العمل الفني يحتوي على عنصرين أساسيين هما السيناريو والممثل، بقية العناصر تخدم هذين العنصرين”.

واقعيا لا يمكن لمخرج أن يدّعي أنه متفرّد وأنه كمن أسّس خطا مبتكرا، سواء في أفلام الأكشن أو غيرها، فمسيرة السينما التراكمية تجعل المخرجين يأخذون من بعضهم ويتعلمون من بعضهم البعض، وعلى هذا لا يمكن مقارنة فيلم “كازابلانكا” بما احتواه من مطاردات وعنف بسلسلة “تاكسي” للمخرج الفرنسي لوك بيسون، مثلا.

أما على صعيد السينما الأميركية فهناك الكثير من مشاهد طيران السيارات وطيرانها في الهواء أو سقوطها في المياه أو من أعالي الجبال، والحاصل أن ذلك ليس اختراعا في فيلم “كازابلانكا”.

نهايات مفتوحة

حضور باهت للعنصر النسائي في الفيلم
حضور باهت للعنصر النسائي في الفيلم

لكي نعيد الفيلم إلى نصابه، لا بد من القول إنه يعود بنا بالذاكرة إلى أفلام التسعينات، لكنه نسخة مصرية محسّنة منها، وما عدا ذلك فقد بدت القصة السينمائية باهتة وتم التركيز على الشكليات والحركة والمطاردات في الأزقة الضيقة والشوارع في فيض من الحوارات التي لا تغيّر كثيرا في مسار الأحداث.

وحتى استضافة النجم التركي خالد أرجنش ليس من الواضح ما هو الدور العظيم والاستثنائي الذي أدّاه، إلاّ إذا أدرجناه في قائمة عناصر اجتذاب الجمهور لصالح الفيلم، لاسيما أن هذا الممثل يحظى بشعبية عريضة في العالم العربي وخاصة لبطولته لمسلسل “حريم السلطان” في دور السلطان سليمان ذائع الصيت، وأشيع أنه قد تقاضى مليون دولار عن دوره في ”كازابلانكا“ بحسب ما نشرته إحدى الصحف التركية.

فضلا عن ذلك لا بد من التوقّف عند عنصر الجغرافيا المكانية، فبسبب الإيقاع الفيلمي السريع المرتبط بالمطاردات التي تتداخل مع بعضها البعض بشكل أثقل القصة الفيلمية، صار المخرج يتنقل بين مشاهد نفّذت في مصر وأخرى نفّذت بين مدينتي الدار البيضاء ومراكش المغربيتين، ومن يعرف المدينتين جيدا وكذلك الجمهور المغربي سوف يدرك الخطأ في التتابع المكاني، إذ تظهر الشخصيات في مشهد في مراكش ثم تظهر في مشهد لاحق في الدار البيضاء وبالعكس، وكان الصواب هو الإشارة إلى مثل هذه الانتقالات المكانية الحادة والواضحة.

وقدّم الفيلم ثلاث شخصيات نسائية ذات شهرة وهن لبلبة وغادة عادل ونيلي كريم في الوقت الذي حفل فيه العمل بالمطاردات والعنف، ممّا أضعف فرصة زج أيا من الممثلات الثلاث في عمق الدراما الفيلمية، ولهذا بدت أدوارهنّ ثانوية تقريبا بل أنه بسبب الضرورات المرتبطة بالأكشن لم يحرم الممثلتين لبلبة وغادة عادل من ركوب الموتوربايك والدوران في أزقة مراكش وشوارعها.

وعلى هذا كان هناك دور مفقود لشخصية نسائية رئيسية بل إن كواليس الفيلم سرّبت أن التحاق نيلي كريم كان متأخرا أي أنه إضافة لاحقة لشخصيات العمل.

يهتم بيتر ميمي بالنهايات المفتوحة غالبا سواء في المسلسلات أو الأفلام التي يخرجها، ولهذا بدا وكأنه قد بذر البذرة لغرض إنتاج جزء ثان وحتى ثالث من الفيلم ما دام قد حقّق نجاحا تجاريا كبيرا. فقد كان موت رشيد ثم ظهور المكسيكي بعد اختفائه في موازاة مسعى عمر للعودة إلى مصر، كل تلك الخطوط المتشابكة هي كفيلة بتأسيس جزء آخر بسبب الظهور المباغت للمكسيكي والمرتبط ببارونات كبار في تجارة الماس.

وفي كل الأحوال نجح العمل في اجتذاب جمهور يجد المتعة في أفلام الأكشن التي تتوفّر على عناصر الإبهار البصري، فضلا عن إظهار البطولة الفردية وانفتاح الحدود أمام الشخصية المغامرة بحيث أنها تتنقل بين مصر والمغرب وفرنسا، ولربما سوف ننتقل في جزء آخر إلى بلد أو بلدان أخرى في إطار تلك المغامرات والمطاردات وقطع
الأنفاس.

13