كارثة درنة لا تزال تنكأ جراح الليبيين بعد مرور عام على وقوعها

أعلنت حكومتا شرق وغرب ليبيا عن جملة من القرارات بخصوص إحياء الذكرى الأولى للكارثة التي حلت بمدينة درنة وعدد من مناطق الجبل الأخضر في ليلة 10 – 11 سبتمبر 2023 بانهيار سدين رئيسيين في المدينة خلفا سقوط الآلاف من القتلى وفقدان آلاف آخرين من السكان.
وبينما يتخوف السكان من تكرار سيناريو الفاجعة دعت مديرية أمن درنة، التابعة لوزارة الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب، كافة المواطنين في البلدية والمناطق المجاورة لها إلى ضرورة توخي الحيطة والحذر من تعرض المنطقة لتقلبات جوية يرجح حدوثها مطلع الأسبوع المقبل، ابتداء من 8 سبتمبر 2024.
وأهابت المديرية بكل المواطنين في البلدية وبسكان المناطق القريبة “الابتعاد من مسارات السدود والأودية تحسبا لأي طارئ وكتدابير احتياطية حتى لا يتعرضون لخطر حدوث سيول وفيضانات بالمنطقة”. ودعت المديرية “إلى أخذ التحذير على محمل الجد وعدم التغاضي عنه والالتزام بإرشادات وتعليمات الأجهزة الأمنية والخدمية في المدينة، التي تستهدف المحافظة على سلامة المواطنين”.
وحذر الأكاديمي والباحث المصري في وكالة ناسا د.عصام حجي من تكرار سيول مدينة درنة الليبية في المدن الساحلية بحوض البحر المتوسط، وقال إنه منذ عام قتلت السيول في مدينة درنة الليبية أكثر من 11300 إنسان في يوم واحد وهو أعلى معدل وفيات فيضان في تاريخ أفريقيا منذ مئة عام، مضيفا أنه لم تكن شدة الأمطار هي السبب الوحيد. وأردف أن “المفارقة الحزينة أن تكون السيول الأكثر فتكا في الدولة الأكثر جفافا في القارة”.
وأكدت مجلة “نيتشر” البريطانية في دراسة علمية نشرتها الشهر الماضي، بخصوص “تقييم تآكل الشريط الساحلي بعد العاصفة دانيال في ليبيا”، أن الرواسب الناتجة عن تآكل السطح زادت من كثافة العكر في جداول المياه وتفاقم التأثير الكارثي للفيضانات المفاجئة في المدن الساحلية في درنة وسوسة، حيث تعرض 66 في المئة و48 في المئة من السطح الحضري لتأرجحات من معتدلة إلى عالية.
وأصدر رئيس الحكومة المنبثقة عن البرلمان أسامة حماد قرارا بإعلان حالة الحداد العام بكافة مؤسسات ليبيا في الداخل والخارج يوم 11 سبتمبر الجاري. وقال بيان صادر عن رئاسة وزراء الحكومة التي تتخذ من بنغازي مقرا لها إن “الحداد العام سيكون بمناسبة الذكرى الأولى لحادثة إعصار دانيال الذي ضرب مدينة درنة والمدن والمناطق في شرق ليبيا، وستنكس فيه أعلام الدولة الليبية في الداخل والخارج”.
ونص القرار على “منح يوم 11 سبتمبر إجازة عمل لكافة الموظفين بالوزارات والجهات العامة وجميع المؤسسات الحكومية في ليبيا في الذكرى الأولى لحادثة إعصار دانيال”. واستثنى القرار من إجازة العمل المرافق الصحية والجهات الأمنية التي تتطلب طبيعة عملها ذلك مع حفظ حقوق العاملين بها في الحصول على مقابل عمل طبقا للقانون، ونصت المادة 2 من القرار على إعلان حالة حداد عام بكافة مؤسسات البلاد في الداخل والخارج تنكس فيها أعلام الدولة الليبية لمدة يوم واحد تبدأ الأربعاء 11 سبتمبر وتنتهي الخميس 12 سبتمبر 2024.
كما أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة قرارا باعتبار يوم 11 سبتمبر من كل عام يوم حداد وطني في ليبيا لاستذكار ضحايا الفيضانات والسيول ببلدية درنة والبلديات المجاورة. وبحسب القرار ستنكس الرايات والعلم الوطني إلى منتصف السارية بالجهات العامة والخاصة خلال اليوم الوطني وتبث وسائل الإعلام الحكومية القرآن الكريم ترحما على أرواح القتلى وتظهر شارة سوداء على شاشاتها وواجهاتها الإلكترونية وتوشح الصحف الرسمية بالسواد.
◙ من المنتظر أن يرفع الستار عن مشاريع تم إنجازها خلال الفترة الماضية في إطار إعادة إعمار درنة
وألزم القرار المؤسسات الحكومية والخاصة استذكار هذه الحادثة بما يؤكد وحدة الشعب الليبي وتلاحمه ومؤازرته لأهالي المناطق المنكوبة والمتضررة. وبحسب مصادر مطلعة فإن عددا من كبار المسؤولين، من بينهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والقائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر ورئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب أسامة حماد، سيشاركون في إحياء الذكرى.
ويرى متابعون للشأن الليبي أن حكومتي الدبيبة وحماد تتنافسان على إظهار التعاطف والتضامن مع سكان مدينة درنة ومع آلاف الضحايا ممن تم العثور على جثثهم أو ممن تم تسجيلهم في لوائح المفقودين أو ممن فقدوا عوائلهم وممتلكاتهم في واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي عرفتها ليبيا ودول المنطقة عبر تاريخها الطويل.
وينتظر أن يتم رفع الستار عن عدد من المشاريع التي تم إنجازها خلال الفترة الماضية في إطار عملية إعادة إعمار المدينة المنكوبة. وكانت التقديرات المحلية أشارت إلى أن 8 في المئة من سكان درنة قتلوا أو فقدوا في الفيضانات، وتعرض ربع أحيائها للمسح من الخارطة، في مدينة يقدر عدد سكانها بنحو 200 ألف نسمة. بينما بلغ العدد النهائي للضحايا المسجلين 4540 شخصا، ولا يزال 8500 شخص في عداد المفقودين، وفق بيانات منظمة الصحة العالمية.
وقدرت مصادر رسمية ليبية عدد المباني المدمرة بالكامل في درنة بـ891 مبنى، وبشكل جزئي 211، ونحو 398 مبنى غمرها الوحل، كما تقدر المساحة الإجمالية للمنطقة التي غمرتها السيول والفيضانات في درنة بـ6 كيلومترات مربعة. ووقَّع مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بلقاسم حفتر الثلاثاء عقودا جديدة مع شركة “المقاولون العرب” المصرية لتنفيذ مشروعين بمدينة درنة.
وقال صندوق إعادة إعمار درنة والمدن والمناطق المتضررة إن المشروع الأول يتضمن إعادة تأهيل وتطوير وتنظيف ميناء درنة البحري، والمشروع الثاني يتعلق بجسر يربط بين مدينتي درنة والقبة. واعتبر مدير الصندوق أن الخطوة تأتي في إطار استكمال مسيرة البناء والتنمية والإعمار التي يقودها صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا في المدن والمناطق الليبية كافة.
ووقّع الصندوق عدة عقود مع شركة “المقاولون العرب”، من بينها إنشاء عدة كباري في المناطق المتضررة من الفيضانات بالجبل الأخضر، بالإضافة إلى توقيع عقدين لإقامة جسور في طبرق. وفي أواخر يوليو الماضي قضت محكمة جنايات درنة بالسجن لمدد تتراوح بين 9 و27 عاما بحق 12 مسؤولا في قضية انهيار سدود المدينة، حيث “وجهت للمسؤولين المدانين تهم الإهمال والقتل العمد وإهدار المال العام”، وفق قرار الادعاء العام.
وقال النائب العام الصديق الصور إن محكمة جنايات درنة نظرت في الوقائع المنسوبة إلى 16 مسؤولا عن حادثة فيضان درنة سنة 2023 وتمّمت تحقيق وقائع الدعوى ثم قضت بإدانة 12 متهما.
وأضاف أن 3 من المتهمين ملزمون “بإعادة الأموال التي حصلوا عليها من مكاسب غير مشروعة”، بينما “قضت المحكمة على 7 متهمين بـ9 سنوات سجنا ودفع الدية المحكوم بها (دون تحديدها)”. كما قضت بسجن متهم واحد 15 عاما، وسجن متهم آخر 27 عاما، وقضت بالسجن لمدة 26 سنة بحق متهم ثالث ودفع الدية المحكوم بها.