كاتب ومفكر كندي يرصد حضور لعبة الشطرنج في الأدب والحياة

رغم تجاوز سنها الألف وخمسمئة عام ما تزال لعبة الشطرنج تلهم الكثيرين من حول العالم، وتحولت حتى إلى اللعب في الفضاء الرقمي، والتغير الكبير الذي طرأ عليها هو تحول أجيال شابة ويافعة حتى إلى أبطال عالميين في هذه اللعبة. وقد ساهمت كل أيام الحجر الصحي تزامنا مع انتشار فايروس كورونا ومسلسل “مناورة الملكة” الذي أذاعته منصة نتفليكس، في اجتذاب الكثير من الشباب للعبة الشطرنج، وحتى المفكرون كانت لهم كلمتهم على غرار الكندي إيف فاينكور الذي كان لـ“العرب” معه هذا الحوار.
ولد إيف فاينكور في الخامس من مايو سنة 1960 بمونريال في كندا، وهو فيلسوف قد تتلمذ على يد فلاسفة فرنسيين كبارا، خاصة كورنيليوس كاستورياديس وروبرت مزراحي. وهو يُدرسُ الفلسفة بالجامعة الكندية وقد أصدر بين 1990 و2022 أكثر من عشرين كتابا بين أدب وأدب الرحلة وأعمال فلسفية نذكر منها: “صيف ما” و”شتاء” و”أن تلعب حياتك وأنت تلعب الشطرنج” وهو منشور مشترك بين المنشورات الجامعية بلافال ودار هيرمان بباريس.
“أن تلعب حياتك وأنت تلعب الشطرنج” يقدم وجوها أخرى غير مألوفة في لعبة الشطرنج التي تتجاوز كونها لعبة إلى تصور شامل عن الحياة ومعاركها وخطواتها ونقلاتها وتمفصلاتها.
عالم الشطرنج
العرب: لماذا هذا الكتاب بالتحديد “أن تلعب حياتك وأنت تلعب الشطرنج” سنة 2022؟ هل يرجعُ هذا الاهتمام الجديد بلعبة الشطرنج إلى الحجر الصحي زمن جائحة الكورونا وإلى مسلسل “لعبة الملكة” وتأثيره على وعي المتفرجين في كامل أنحاء العالم؟
- من المؤكد أن الناشر قد فهم أهمية مثل هذا الكتاب بفضل نجاح سلسلة “لعبة الملكة”. لقد كتبتُ هذا العمل الفكري منذ عشر سنوات ولم أتمكن من نشره إلا اليوم. كان علي فقط إضافة نص عن بيث هارمون والمسلسل، بالإضافة إلى مراجعة موضوعي الرئيسي. لكن بالنسبة إلي، لم يغير الوباء ولا هذه السلسلة أي شيء فيما يتعلق باهتمامي بالشطرنج، والذي يعود تاريخه إلى سنوات المراهقة ولم يتراجع أبدا.
العرب: يبدو أن للشطرنج مستقبلا كبيرا. ما رأيك في ذلك؟ هل تتابع أخبار الشطرنج والبطولات والتطورات الجديدة؟ كما وقع مؤخرا حدث درامي بين البطل العالمي ماغنوس كارلسن واللاعب الأميركي هانز نيمان؟ وأنت الكاتب والفيلسوف والمحب للشطرنج، ما رأيك في كل ذلك؟
- بالطبع، أتابع أخبار الشطرنج وألعب الشطرنج كل يوم. فيما يتعلق بالأحداث التي ذكرتها، أود أن أقارنها بموقف بطل العالم السابق غاري كاسباروف، عندما رفض الدفاع عن لقبه ضد منافسه “الرسمي”، أليكسيسشيروف. اعتبر كاسباروف خصمه ضعيفًا جدًا، وهي حجة كارلسن
إلى حد ما ضد نيبو منياتشي، الذي فاز ببطولة المرشحين. ولكن ما الذي يدفع هؤلاء الأبطال العظماء إلى الرغبة في اختيار منافسهم؟
في رأيي، هذا عامل نفسي مرتبط بالصعود المبكر للاعبين إلى القمة، وهي ظاهرة تتسارع مع إمكانية لعب الشباب حسب رغبتهم عبر الإنترنت. لقد بلغ كارلسن الثلاثين من عمره للتو، وهو يهيمن على لعبة الشطرنج لمدة 10 سنوات كاملة. في المقابل، أصبح شتاينيتز بطل العالم عام 1886 عن عمر يناهز الخمسين. إن الإرهاق المتقلب هو خطر تتويج هؤلاء الأبطال في وقت مبكر جدا من حياتهم. والآن يرى كارلسن نيمان الشاب يخرج من العدم ويهزمه وهو في التاسعة عشرة من عمره. إن الشكوك حول الغش فيما يتعلق بالأخير تكمل اضطراب هذا العالم الغني والرائع ولكنه لا يزال غير ناضج.
طريقنا إلى الحرية
العرب: هل يمكنك أن تعرفنا على صديقك لاري ستيل، الذي كتب مقدمة “أن تلعب حياتك وأنت تلعب الشطرنج”؟
- هو لاعب بيدق الملكة، بينما أنا لاعب بيدق الملك. يتقدم بحذر في اللعبة كما في عمله الأكاديمي. لقد أعطى أجداده ذوي الأصول الأوروبية الشرقية الكثير في حبه للشطرنج وهو يواصل السير على هذا الطريق. نحن نعيش على بعد أكثر من 1000 كيلومتر من بعضنا البعض، وعندما نجتمع معًا، نلعب دون توقف. كما أتيحت لنا الفرصة لتبادل أفكارنا في مؤتمرات مملة، حيث كان الشطرنج بمثابة طريقنا إلى الحرية.
العرب: لاحظنا أنك أهملت تناول نص أقصوصة باتريك سوسكيند عن الشطرنج تحت عنوان “معركة”، لكن لماذا هذا السهو؟ هل من المستحيل إنشاء بيبليوغرافيا شاملة فيما يتعلق بالشطرنج؟ ربما هي ظاهرة معدية بسبب التعقيد والغنى والطبيعة اللانهائية للعبة نفسها؟
- لم أكن أعرف هذا النص. في الواقع، لم أحاول أبدًا أن أكون شاملاً في موضوعي. تناولتُ الأعمال التي استحوذت على مخيلتي على مر العقود. كما قلت، مع إشارة إلى بورخيس، هذه اللعبة، مثل غيرها، لا نهاية لها.
غابة خاصة
العرب: أنت مؤلف مجموعة كبيرة من الأعمال بدءا من الكتب الفكرية والروايات. ما هي الروابط التي تقيمها بين كتابة الخيال وكتابة الفكر؟ كيف تعمل وبأي وسيلة وأدوات وأساليب تنتقل من جنس أدبي إلى آخر؟
- إن كتابة قصصي ورواياتي تأتي من التجوال الذي قمت به طيلة سنوات عدة. وبعد أن استقريت في الحياة، أصبحت كاتب أعمال فكرية ونقدية.
العرب: أنت مؤلف مقال بعنوان “الشعور المحيطي”، نُشر عام 2018. ومع ذلك، استكشفت بليندا كانون، الكاتبة والروائية الموهوبة، نفس “الشعور المحيطي” بشكل رائع في مصنفها الرائع “كتاب الدهشة” الصادر في منشورات ستوك بباريس سنة 2017 والذي ترجمته شخصيا إلى العربية عن دار المقدمة بتونس. هل لديك أي فكرة عن هذا المرجع؟ هل يمكنك إخبارنا عن كتابك وكيف تنظم المواضيع والمفاهيم والمشاريع التي تعمل عليها بصفة عامة؟
للأسف، أنا لا أعرف هذا المُؤَلفْ، الذي صدر قبل عام من كتابي. في الحقيقة، نقطة البداية بالنسبة إليّ هي ذكرى التجارب الغامضة التي مررت بها بين سن العشرين والثلاثين عاما. لقد ربطت قصة هذه التجارب بتعليق من سيد الشك، وهو سيغموند فرويد. بعد ذلك، نظرًا إلى أن تجربتي كانت ذات خلفية موسيقية، خاصة موسيقى باخ وشوبرت، فقد نظرت في هذا الاتجاه أيضًا. وأدى ذلك إلى نص هجين، شخصي وموثق، لكنه مختصر مثل هذه التجارب.
العرب: لو كان عليك أن تبدأ من جديد، ما هي الاختيارات التي ستتخذها؟ لو كان عليك أن تتجسد من جديد في كلمة، في شجرة، في حيوان، أي منها ستكون في كل مرة؟ أخيرًا، إذا كانت عليك ترجمة نص واحد فقط من نصوصك إلى لغات أخرى، وفي هذه الحالة إلى العربية، أي لغة ستختار ولماذا؟
- لقد اجتزت امتحان القبول في الدبلوماسية الكندية، ولكن في ذلك الوقت كنت أكتشف فلسفة معينة وفضلت كتبي في النهاية. أفكر في ذلك في بعض الأحيان.
بالنسبة إلى سؤالك الآخر، أنا من شمال الكيبيك وأنا متعلق جدا بهذه الطبيعة، حيث أعود الآن بطريقة مستمرة. عندما كنت في الحادية عشرة من عمري، أطلق علي قائد الكشافة اسم “سويفت وولف” أي الذئب السريع. لكن الآن، لم أعد أطمح إلى التجوال حول العالم. إن أشجار غابتي – وهي أشجار البتولا والقيقب والتنوب الضخمة – ترمي لي بابتسامات جذابة.
في الختام، إن لعبة الشطرنج ذات الأصل الفارسي تشهد الآن اهتمامًا متجددًا في العالم العربي والإسلامي، حيث ينتشر لاعبون جيدون جدا. ألم تفز أوزبكستان بالألمبياد الأخير؟ فلماذا لا تقع ترجمة كتابي عن الشطرنج إلى اللغة العربية؟