كاتبتان عربيتان تعيدان رسم مصائر النساء وماضيهن المهمش

الروائية العراقية أنعام كجه جي ترى أن مستويات الحرية المتاحة للمرأة العربية متباين، وتعتبر الروائية السورية شهلا العجيلي أن الروائي ليس محصورا في لغة الكتابة والأدب.
الاثنين 2019/04/29
كاتبتان تسائلان التاريخ وتقدمان تجارب إنسانية مهمشة

لا أحد يشكك في أن الأدب العربي يشهد اليوم طفرة روائية هائلة، وبغض النظر عن جودة الروايات المقدمة مقارنة بالكم، فإن هذا الاتجاه إلى السرد وراءه الكثير من الأسباب، لا فقط الجوائز والمقروئية، بل رغبة الكتاب كحال شعوبهم في الحكي عن أنفسهم، وفي استرجاع الماضي لفهم الحاضر المتسارع، ولتأطير الشخوص ومن خلالها محاولة الإمساك بالهويات المتسربة. كثيرة هي الأسباب وملامح الروايات وهو ما ناقشته الروائيتان العراقية أنعام كجه جي والسورية شهلا العجيلي.

ضمن فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب قدمت الروائيتان إنعام كجه جي وشهلا العجيلي جلسة حوارية أدارها الكاتب ياسين عدنان، الذي أثار العديد من النقاط المهمة في روايتي الكاتبتين “النبيذة” و”صيف مع العدو” اللتين كانتا ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية هذا العام، حيث راوحت الأولى ما بين الزمن الماضي والزمن الحاضر، عبر رموز تجاورت وتحاورت وتتداخل وتتفاعل في الرواية، وكانت لحظة الربيع العربي منطلقا لأحداثها، لتذهب إلى حقبتين زمنيتين من تاريخ العراق الملكية والجمهورية، فيما رسمت الثانية مشاهد من حياة مدينة الرقة السورية على امتداد ثلاثة أجيال؛ فهي سيرة مدينة، ولكنها أيضا سيرة مواطنين يدفعهم سوء الواقع للهجرة إلى أماكن بعيدة ولغات مختلفة وإلى فقدان الهوية.

انحراف المصائر

ما بين الماضي الحاضر رموز تجاورت وتحاورت
ما بين الماضي الحاضر رموز تجاورت وتحاورت

قالت إنعام كجه جي “منذ وعيت على الدنيا مثلا في سن الخامسة عشرة وأنا أسمع عبارة مازالت تتردد حتى الآن وأنا فوق الستين، وهي ‘في هذه اللحظة الحرجة التي تمر بها أمتنا العربية‘، اللحظة في التعريف القاموسي تعني ‘هنيهات‘، معقولة لحظة تستمر من الستينات إلى نهاية العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، هذه لحظة طويلة مستطيلة، إذن عندما أنظر إلى الواقع اليوم أرى أننا وصلنا إلى لحظة أشد حرجا من كل ما مضى، كيف وصلنا إلى هذه اللحظة، لا بد أن نعود إلى مسبباتها”.

وأضافت “إنني لا أروي التاريخ، ولا أعود إلى ما هو موجود بالصحف وبالعناوين الكبيرة وفي التقارير الإخبارية، هذه كلها تتكلم عن الكبار، عن السياسة، عن الزعماء والوزراء والصراعات الحزبية، كل هذا الخليط، كل هذا التنافس، كل هذا التناحر ما تأثيره على البشر العاديين، على امرأة عجوز، على رجل اضطر أن يترك بلده، على شاب لا يستطيع أن يخطط لسنة مقبلة، هؤلاء الناس المطرودين الذين انحرفت مصائرهم بسبب الأوضاع والنزاعات السياسية هم الذين أحاول أن أتناولهم وأسلط الضوء عليهم”.

ورأت كجه أن بطلتها تاج لا تمثل المرأة العربية بشكل كامل، ولو فتح للمرأة العربية المجال وأعطيت الإمكانيات لاستطاعت القيام بالكثير من الأدوار والأعمال. في الشرق تتباين مستويات الحرية المتاحة للمرأة من بلدان المغرب العربي إلى مصر إلى بلاد الشام والعراق، إلى الخليج، المنطقة لها شروطها، وليست هناك منظومة اجتماعية مشتركة، فما يقال عن المرأة التونسية لا ينطبق على الخليجية أو العراقية.. وهكذا. وتاج كانت خليطا من ذلك.

ولفتت كجه جي إلى أنها أحيانا تسأل هل تجدين نفسك في تاج؟ وقالت “أقول هي أجرأ مني بكثير وبالقياس لها أعتبر امرأة جبانة”.

وحول تشبيك هذا العالم المتعدد الشخوص والأحداث والأمكنة في عالم رواية النبيذة وتضفيره بطريقة مشوقة، قالت كجه جي “التشويق مهنتي، أنا صحافية، القارئ اليوم يواجه صحفا كثيرة ومجلات بالعشرات، الآن بدأت تخفت، لكن في الفترة التي اشتغلت بها في بداياتي كانت هناك منافسة شديدة في الصحافة، فإذا لم تمسك القارئ منذ البداية يذهب عنك ولا يكمل المقال، وكذلك الرواية، الرواية الآن بالكاد تجد من يقتنيها، القراء انفضوا عن الكتب، لوجود وسائل أخرى، حتى ليقال إن الكتاب يحتضر، أنا أدعو هذا القارئ إلى مأدبة ولا بد أن أقدم له طبقا شهيا، فأختار الجمل القصيرة والمشاهد السريعة”.

وأشارت كجه جي إلى نقطة مهمة وقالت “في الروايات التي صدرت في السنوات الأخيرة هناك احتفاء بكبار السن من النساء والرجال، الاحتفاء بالأمهات والجدات، فمثلا رواية عادل عصمت ‘الوصايا‘ هي وصايا جد إلى أبنائه وأحفاده، كأن التفتت والمأزق الذي وصلنا إليه في هذه اللحظة الحرجة من تاريخنا ذهب بنا إلى نوع من الاحتماء بكبار السن لأنهم يمثلون بالنسبة إلينا القيم والأخلاق التي نشأنا عليها والتي تهتز وتتسرب من بين أيدينا اليوم، هذا الروائي يحاول أن يقبض على لحظة أو يحاول أن يقدم الدواء والترياق لمجتمع مريض”.

وأضافت أن الرواية العراقية تعيش طفرة غير طبيعية وكأنما كانت هناك سدادة تغلق دورقا كبيرا يغلي فرفعت السداد فانفجرت الحكايات، وما مر به العراق يستحق ألف رواية.

تجارب إنسانية

مشاهد من حياة مدينة الرقة السورية على امتداد ثلاثة أجيال
مشاهد من حياة مدينة الرقة السورية على امتداد ثلاثة أجيال

من جانبها رأت شهلا العجيلي أن روايتها رواية أجيال، وقالت “حاولت أن أتعرف قبل أن أعرف المتلقين، وقبل أن أشتغل على هذا العمل، على هذا التاريخ الإشكالي والهجين منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية، كيف تفككنا إلى هذه الدول وكيف بنيت هذه الكيانات القومية وكان لديها حلم أن تحقق دولة متكاملة وهي أصلا أفرادها اجتمعوا من جنسيات وأعراق وأديان متعددة، كيف فرضت عليهم عبر كل هذا التاريخ الطويل هويات وتغيرت هذه الهويات بطريقة سياسية، الحقيقة أنه سؤال اللحظة، حيث نعيش في المنطقة العربية إرادات لتغيير هوياتنا القومية التي عشنا عليها خمسين وستين عاما وأكثر”.

وأضافت “طريقة عملي دائما تنطلق من هذا البناء أو هذه الحكايات التي رويت لنا منذ الطفولة وشكلت وعينا، أريد أن أسائل هذا التاريخ وهذا البناء الذي قدم لي، فأفككه، وعندما بدأت تفكيك هذا البناء اخترت فترة العشرينات من القرن الماضي، اخترت فترة الحرب العالمية الأولى وما بعدها لأنها كانت بداية هذه الهجنة ولم تكن الحدود بين بلاد الشام واضحة ومن ثم يسهل التنقل، والفن باعتباره أكثر أشكال الحياة قدرة على الانفلات والتحرر من التابوهات والسلطات السياسية، فكرت كثيرا أن آتي بشخصة تقدم هذه الهجنة الثقافية وجدت ذلك في بديعة مصابني، وطبعا الروائي له علاقة بالفن والسينما والتشكيل وغيرها من معارف الحياة، وليس محصورا في لغة الكتابة والأدب”.

وأشارت العجيلي إلى أنها لا تتمنى أن تكون أيا من تلك النساء في روايتها المرأة العربية اليوم، لأن التاريخ الذي عاشته كل امرأة من النساء اللاتي قدمت لهن نماذج في الرواية هو تاريخ مؤسف ومحبط للمرأة تحديدا، تاريخ حملها أعباء ثقافية واجتماعية ولم تكن سعيدة، أنا أعتقد أن كل إنسان رجلا كان أو امرأة خلق ليكون سعيدا وأن تكون حياته أقل شقاء على الأقل، لكن المكابدات التي ليست من صناعة الحلم وإنما بسبب إرادات الأخرين، إرادات سياسية وسلطوية بالدرجة الأولى، الإنسان لا يحقق أحلامه، هو يقوم بأدوار للآخرين ومن أجل مشاريعهم، والمرأة العربية هي الحلقة الأضعف، ومع ذلك فالنساء اللاتي قدمتهن عندهن طريقهن لإقامة الحياة وأود البيت والفرح والتحرر والمتعة بكسر التابو.

وأوضحت “هذه الطفلة الموجودو بالرواية دائما ما أستخدمها حيث تستطيع أن تمرر عبرها ما تريد أنت، تنتقد المجتمع والعائلة، استرداد الطفولة إذ كانت غنية تمثل مخزنا هائلا للأفكار والمشاعر، وشخصيا دائما ما أنصت لحوارات ونقاشات الأطفال ودمج ما أسمع بسياق النص، أقرأ الشعر لأنه يعيدني إلى الطفولة، إن الروائي لديه الكثير من الأدوات ويستطيع أن يتقمص العديد من الأدوار، دور الطفل، دور المجنون، دور الفنان، فلا يظن القارئ العزيز أننا نجلس إلى المكتب لتتدفق الأفكار، إننا نبحث ونقرأ ونتابع السينما والمسرح ومختلف أنواع الفنون، ولذا فإننا مسؤولون عن كل ما نكتب من حالات نفسية، لذلك شعر المتلقي أن طفلة هي من تتكلم، لكني بذلت مجهودا كبيرا، عدت لأصدقاء الطفولة لأتذكر أحاديثنا المشتركة، وربما البعد عن مكان طفولتي ـ الرقة تحديدا ـ خلق لدي نوستالجيا جمالية، والكاتب الفنان يستطيع أن يلتقط هذه العوالم الجمالية التي يعيشها إنسان يعيش في حارة في مدينة بعيدا”.

15