كائن مجهول ومنسي لا هو أمين ولا خائن

المترجمة العمانية ريم داوود ترى أن هدف المترجم الوحيد هو إيصال أفكار المؤلف إلى قارئ ينتمي إلى ثقافة أخرى.
الاثنين 2018/06/25
المترجم مبدع كالكاتب (لوحة للفنان عادي السيوي)

لا تؤمن المترجمة العمانية ريم داوود بما يقال مِن أن المترجم منافس لمؤلف العمل؛ بل تراه أقرب إلى المساعد له، هدفه الوحيد هو إيصال أفكاره إلى قارئ ينتمي إلى ثقافة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يبذل المترجم جهودا كبيرة لتنفيذ هذه العملية، فعمله شاق ومرهق وهو يستهلك وقتا طويلا بين قراءة النص ومحاولة فهم جميع جوانبه، ثم إعادة صياغته بلغة مفهومة، مع الحرص على المحافظة على المعاني والأفكار التي طرحها الكاتب. وهذه الجهود، في رأيها، يجب ألا تقابل أبدا بالتجاهل؛ إذ يجب وضع اسم المترجم على غلاف العمل بشكل واضح ولائق، يعبر عن احترام دار النشر لعمله ودوره.

 

اسم المترجم على غلاف الكتاب أحيانا يعامل كشيء يراد إخفاؤه، هل هو منافس للمؤلف؟ ماذا لو وضعنا فرضية أن اسم المترجم على الغلاف هو المعيار في الكثير من الأحيان وهو الذي يقود القارئ إلى قراءة الكتاب؟ هل يتحمل المترجم مسؤولية نصه المترجم؟ هنا عدد من المترجمين يعتبرون أن وضع أسمائهم على الغلاف حق أدبي ولا يؤمنون بتلك العبارة القائلة “الترجمة خيانة”.

لا أمانة ولا خيانة

تقول ريم داوود “لا أتفق على التعامل مع النصوص الأدبية خاصة بمعايير أخلاقية ودينية، وما يتبع ذلك من محاولة لي عنق النص الأصلي ليتناسب مع مبادئنا. أنت -كمترجم- وسيط ينقل أفكار المؤلف. لست رقيبا ولا وصيا عليه، وليس هذا دورك أساسا. كما أن أحد أهداف الترجمة في نظري هو تعريف القراء بالمجتمعات الأخرى، ونقل صورتها الحقيقية لهم، دون زيف، ودون أي محاولة لتجميلها أو تخفيف قسوتها، أو إضفاء أبعاد أخلاقية غير موجودة أصلا عليها”.

وتضيف داوود “حين صدرت ترجمتي لرواية ‘فندق الغرباء‘، للكاتب البلجيكي ديمتري فيرهولست، والتي تدور أحداثها في معسكر للاجئين، تعامل البعض معها بتحفظ شديد، واتهم المؤلف بالعنصرية ومعاداة المسلمين. لا أعرفه شخصيا، وأجهل إن كان الرجل عنصريا أم لا، لكن الحقيقة أنه نجح في نقل نظرة الكثير من الغربيين إلى اللاجئين، لقرائه. هذه نقطة تحسب له، لا عليه. ويمكنني إذن اختصار المسألة كلها بمقولة واحدة، هي: ناقل الكفر ليس بكافر”.

وبحسب داوود يبرر البعض تعمد إغفال اسم المترجم من قبل دور النشر بأن اسم المؤلف هو الأهم، وهو -عادة- الذي يجذب القارئ لاقتناء الكتاب؛ لكنني أرى أن لدينا أسماء عظيمة في عالم الترجمة، يقبل الناس على شراء الكتب المترجمة بسببها. لعل أشهرها الأستاذ صالح علماني. شخصيا أعرف الكثيرين ممن يشترون أعمالا أدبية لأنها -في المقام الأول- من ترجمته هو.

يتساءل المترجم الليبي مأمون الزائدي، إذا لم يتحمل المترجم مسؤلية ترجمته ما أهمية أن يوقع باسمه عليها؟ فالمترجم بحسب قوانين الملكية الفكرية يصنف مبدعا ولكنْ هناك دول عربية كالأردن الذي صدر فيه عام 1993 قانون لا ينص على وجوب وضع اسم المترجم على صفحة العنوان والصفحة الأولى من غلاف الكتاب بل يمكن وضعه على الصفحة الرابعة بعد الغلاف وهو ما يحدث غالبا. هذا يأتي طبعا ضمن حزم متضافرة يتلغم بها حقل الترجمة الأدبية في بلداننا العربية؛ أي أنه قد لا توجد “حكمة” ما في إخفاء اسم المترجم سوى الظلم المحض.

ويتابع الزائدي “يكون المترجم مسؤولا عن نصه بسبب طبيعة الترجمة ذاتها والتي ما زلنا للأسف نحصرها في مفهوم تم تجاوزه منذ سبعينات القرن الماضي هو مفهوم الأمانة والخيانة؛ إذ تحدث علماء نظرية الترجمة طويلا عن أنها ليست فعلا لغويا فحسب، بل هي عملية ثقافية واجتماعية، ونتاج للظروف المحيطة بالمترجم، لذا لا ينحصر أثره في المهارة اللغوية وحدها، بل يتعداه إلى مستويات أعلى”.

الكائن المجهول

يرى المترجم المصري هشام فهمي أن من حق المترجم أن يوضع اسمه على غلاف الكتاب الذي ترجمه، أولا لأن المترجم ينتج نصا موازيا للنص الأصلي، والترجمة في حد ذاتها عملية إبداعية ومن ثم من الضروري أن ينسب العمل لمن أبدعه، وثانيا لأن القارئ يبحث أيضا عن اسم المترجم بالإضافة إلى اسم المؤلف، فلا توجد منافسة بين الاثنين.

الترجمة ليست فعلا لغويا فحسب، بل هي عملية ثقافية اجتماعية ونتاج للظروف المحيطة بالمترجم الذي يجب الاحتفاء به

ويتابع “من الممكن أن أرى اسم مؤلف أحبه على غلاف أحد الكتب لكن غياب اسم مترجم أثق به على الغلاف، أو وجود اسم مترجم أعلم أنه دون المستوى عليه، يجعلني أحجم عن شراء الكتاب. في الخارج أيضا يعاني عدد كبير من المترجمين من مشكلة غياب أسمائهم عن أغلفة الكتب التي عملوا عليها، لأن أغلب دور النشر الغربية تعد المترجم مجرد شخص يؤدي عملا مقابل أجر لا غير، وفي أوروبا تحديدا استمر الأمر بهذه الصورة سنينا طويلة، حتى عام 2014 عندما قدمت المفوضية الأوروبية تقريرا عن حقوق المترجمين والملكية الفكرية، وأوصت فيه بضرورة ورود اسم المترجم على غلاف كتابه”.

تقول المترجمة العمانية زوينة آل تويه إن “الترجمة عملية إبداعية مضنية يكرس لها المترجم عقله وروحه وبدنه، وبه يدوم النص الأصلي ويولد من جديد، فلمَ ينكر عليه حق ظهور اسمه على الغلاف؟ إنه حق أساسي، فالمترجم يختفي داخل النص باختياره مثلا عدم تبني موقف أو أيديولوجيا معينة يفرضها على النص الذي بين يديه لاعتبارات دينية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية إخلاصا للنص الأصلي ولكاتبه وقارئه، فما الذي يضير في أن يقدر جهد هذا الكائن المجهول والمنسي ببروز اسمه على غلاف الكتاب؟ إن كتابا مترجما لا يحمل اسم مترجمه على غلافه هو كتاب ناقص ويتيم ويدعو إلى الريبة، كما أنه يوهم لأول وهلة بأن الكاتب نفسه يتقن لغة أخرى وكتب. ولا أظن أن المترجم ينافس المؤلف بمجرد ظهور اسمه على الغلاف”.

ولا تنكر آل تويه أن مسؤولية المترجم إزاء النص الذي يترجمه مسؤولية جسيمة، وهي مسؤولية أخلاقية بالدرجة الأولى طالما جعلت المترجم محشورا بين ثنائيات من قبيل الأمانة والخيانة، والنص الأصل والنص الهدف، والمؤلف والمترجم، وغير ذلك. على أن هذه الإشكاليات هي نفسها جوهر تطور الترجمة وانفتاحها الدائم على تحديات تبعث فيها المزيد من الديناميكية والحيوية، وتطرح ذلك الجدل المستمر بين الذات والآخر”.

15