قيود ومحتويات ضعيفة تحجم المضمون العربي على نتفليكس

المنصة تفشل في تحديد الخصوصيات العربية وتواجه أزمة في اقتباس النص.
الاثنين 2023/06/19
أعمال حققت لنتفليكس نجاحا عربيا

تواجه منصة نتفليكس تحديات كبيرة في ما يتعلق بمحتواها العربي وما تبثه من أعمال موجهة للمنطقة العربية، نظرا لخصوصية المنطقة ثقافيا، ولوقوعها عدّة مرات في فخ الترويج لمغالطات وأكاذيب وتعرضها لمساءلات قانونية تتهمها بالمؤامرة، وهو ما تسبب في تراجع المحتوى العربي واتجاه المنصة نحو أسواق أخرى تمنحها حرية أكبر.

القاهرة – تراجعت المحتويات العربية في الأعمال التي تقدمها منصة نتفليكس العالمية كثيرا خلال شهر يونيو الجاري، وهو ما تكرر على مدار الأشهر الماضية، والتي عرضت فيها المنصة أعمالا خلت من المسلسلات والأفلام العربية، مقابل العديد من الأعمال الجديدة التي قدمتها، الأمر الذي طرح تساؤلات عدة حول أسباب التراجع ومدى ارتباطه بتوجهات المنصة وخسارتها شريحة من الجمهور العربي، وهل لذلك علاقة بضعف المحتوى المعروض عليها والنصوص المقدمة؟

قدمت المنصة مسلسلي “بيت الراوبي للبنات” و”ما وراء الطبيعة” وكانا من الأعمال العربية القوية، وحققا نسب مشاهدة عالية عقب عرضهما، ثم استغرقت نتفليكس في تقديم أعمال يغلب عليها الطابع المحلي لجذب جمهور من مناطق جغرافية بها كثافة سكانية مرتفعة للاشتراك، لكنها لم تحقق الانتشار المطلوب، على عكس أعمال تقدمها المنصة استطاعت جذب شرائح متنوعة لمشاهدين ينتمون إلى دول مختلفة.

عرضت المنصة مجموعة من الأفلام المصرية الفقيرة فنيا ولم تترك أثرا واضحا لدى الجمهور أو تتمكن من استقطاب فئة كبيرة منه، وجاءت أضعف مما قامت بعرضه منصات عربية أخرى في نفس التوقيت.

ومن هذه الأعمال أفلام “الخطة العايمة” و”حامل اللقب” و”تماسيح النيل” و”مش أنا” و”ماما حامل” و”الإنس والنمس” و”ووقفة رجالة”، بجانب مسلسلات “مكتوب عليا”، و”ريح المدام” و”فاتن أمل حربي”.

غاب الإنتاج العربي بشكل كبير باستثناء أعمال قليلة للغاية، ولم تعلن المنصة عن ميزانيتها لتقديم أعمال عربية، وتفتقر مكاتبها في عدد من الدول العربية للحضور الفاعل على مستوى التنسيق مع المنتجين والمخرجين العرب، وبات التواصل قاصرا على أسماء لا تتخطى أصابع اليد الواحدة في مصر والسعودية والكويت والأردن.

التوجه نحو كوريا

عصام زكريا: الرقابة العربية على محتوى المنصات أمر غير منطقي
عصام زكريا: الرقابة العربية على محتوى المنصات أمر غير منطقي

توسعت نتفليكس في تقديم الأعمال الكورية وأعلنت المنصة أنها تعتزم استثمار 2.5 مليار دولار في كوريا الجنوبية السنوات الأربع المقبلة لإنتاج سلاسل تلفزيونية وأفلام وعروض ارتجالية، وهي خطوة سوف ترفع المبلغ الذي استثمرته الشركة في السوق منذ 2016 إلى الضعف، وذلك في أعقاب لقاء بين الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول والرئيس التنفيذي المشارك لنتفليكس تيد ساراندوس مؤخرا.

يتفق العديد من النقاد على أن الأزمة تكمن في أجواء الإبداع الفني في المنطقة العربية والتي لا تسمح بتقديم محتوى يتماشى مع توجهات المنصة العالمية القائمة على تقديم أفلام ومسلسلات بأفكار مختلفة، لديها من الجرأة ما يجعلها قادرة على عبور القارات والاتساق مع رغبات المشتركين، وأن حالات التضييق التي تعرضت لها المنصة في مسألة الإنتاج والتصوير وتنوع المحتوى وجرأته في بعض الدول العربية والمطالب لعبت دورا في تحجيم انتشارها، حيث تصاعدت المطالب بحجبها وحظر عرض مضامين تنعكس على توجهات المنصة حيال المنطقة العربية.

قال الناقد الفني المصري عصام زكريا إن نتفليكس لديها وجود في معظم دول العالم وتضع إستراتيجية عامة وتختار الخطط التي تناسب كل منطقة، لكنها أيضا تواجه أزمات مثل تلك التي تواجهها المنصات عموما بشأن فهم طبيعة الأسواق التي توجد فيها ومدى اتساقها مع ثقافاتها، وتتضاعف المشكلات في المنقطة العربية التي لا تملك خصوصية واضحة يمكن البناء عليها في عملية تقديم الأعمال الفنية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المنطقة العربية الأكثر بحثا عن أفلام البورنو، وفي الوقت نفسه الأكثر تشددا على مستوى الرقابة حول العالم ولا يسود بها تقبل للرأي العام الآخر، والمنصات التي تخاطب الأطفال مثل “ديزني” واجهت صعوبات في مخاطبة الجمهور وتعددت مطالب حظرها وتشويهها، ما يجعل نتفليكس أو أي منصة عالمية أخرى كبيرة تواجه تحديات جمة في مخاطبة الجمهور العربي.

المؤامرة والمبالغة

المشكلات التي تواجهها مكاتب نتفليكس من خلال التضييق عليها أصبحت تقوض قدرتها على تقديم محتويات جديدة

تسود نظرية المؤامرة على ما تقدمه المنصة العالمية من محتويات ترتبط بالواقع أو التاريخ المصري والعربي، وتواجه نتفليكس دعاوى قضائية في مصر تطالبها بتعويضات مادية تصل قيمتها أحيانا إلى 2 مليار دولار بعد اتهامها بتشويه صورة الملكة كليوباترا والحضارة المصرية القديمة في فيلم وثائقي بثته المنصة.

ودعت جهات مصر تخوض المعركة ضد نتفليكس إلى تدخل منظمة اليونسكو والتأكيد على الحق في التعويض لوقوع أضرار لحقت بالهوية المصرية والشخصيات البارزة في التاريخ وتشويه التراث.

وعلى الرغم من وجود اتفاق على أن ما بثته المنصة يتضمن بعض الأخطاء التي تدخل في باب المغالطات المقصودة، غير أن التعامل معها يحوي مضمونا طاردا لأي محاولات تستهدف تقديم محتوى مصري جديد، ولن تكون مستغربة حالة الخفوت الحالية منذ إنتاج مسلسل “ما وراء الطبيعة”، خاصة أن فيلم “أصحاب ولا أعز” وهو إنتاج عربي مشترك مع المنصة واجه هجومًا واسعًا في مصر لأسباب أخلاقية.

وشدد عصام زكريا في تصريحه لـ”العرب” على أن فكرة الرقابة على المنصات التي تحاول جهات عربية تطبيقها على غرار المنصة العالمية غير منطقية، ويصعب أن تحدث على أرض الواقع، ما يقود بشكل أو بآخر إلى ضعف النصوص التي يمكن أن يقدمها منتجون ومخرجون عرب للمنصة، فالنتيجة النهائية تبقى محصورة في أعمال لا تتوافر فيها شروط الجرأة والحرية والإبداع الحقيقي الذي يساعد على تقديم عمل جيد وقادر على جذب الجمهور حول العالم.

البوصلة الفنية

أعمال تحترم خصوصية العالم العربي
أعمال تحترم خصوصية العالم العربي

أكد زكريا أن المشكلة تكمن في أن الكثير من النصوص الأدبية العربية المقدمة للدراما أو السينما تأتي مقتبسة من أفكار أو أعمال أجنبية، ولا تلقى قبولاً لدى نتفليكس التي تبحث عن محتوى مبتكر حافل بالخيال وفقًا لخططها كمنصة تستهدف البالغين فوق 18 عاما، ولا تتوانى عن إقحام موضوعات دينية وسياسية وجنسية، وهو جزء رئيسي من نجاحها، خلاف المنصات التي يمكن تصنيفها على أنها منصات عائلية.

تظل قدرة الأعمال العربية المقدمة من خلال نتفليكس أو غيرها على جذب جمهور عالمي ضئيلة للغاية وبحاجة إلى إمكانيات وأفكار وإبداع لا تتوفر له المقومات اللازمة في غالبية النصوص العربية.

كما أن المنصة العالمية ليست بحاجة إلى جذب الجهور العربي عبر أعمال عربية، لأن شريحة كبيرة منه تقبل على الاشتراك في نتفليكس لمشاهدة أعمال فنية أجنبية أساسا، ويمكن أن يلبي رغباته في مشاهدة محتويات محلية من مشاهدة “واتش إت” أو “شاهد”، وغيرهما من المنصات العربية التي تقوم مضمونا عربيا مباشرا.

عمدت المنصة العالمية إلى اختبار الأعمال التي قدمتها باللغة العربية لتحديد بوصلتها نحو الجمهور العربي، وعندما أرادت مخاطبته في البداية قدمت مسلسل “ما وراء الطبيعة” الذي يخاطب جمهورا لديه نهم لمشاهدة الأعمال المثيرة.

وقدمت نصا للراحل أحمد خالد توفيق، وهو أحد أبرز الكتاب المصريين المعروفين في هذا المجال، لتأخذ القصة عن روايته، غير أن المسلسل حقق نجاحاً لا يتماشى مع هدف المنصة في تنويع المحتوى وتعميم المنافسة بين الجمهور الناطق بلغات مختلفة.

ولعب تعدد المراكز العربية الفنية دورا في تنوع الأماكن التي تنطلق منها مكاتب المنصة، فهناك مصر ولبنان والسعودية والأردن، استحوذت على اهتمام نتفليكس لتقديم أعمالها العربية، غير أن المشكلات التي تواجهها مكاتبها من خلال التضييق عليها أصبحت تقوض قدرتها على تقديم محتويات جديدة، خاصة مع عدم وجود طفرة في الأعمال العربية التي قدمت، إذا قورنت بالمسلسلات الكورية والتركية التي تنتشر بشكل كبير على المنصة، فضلا عن بعض الأعمال الأميركية والأسبانية.

15