قيود الحكومة المصرية على المزارعين: إجراءات ردعية لا تحل الأزمة

مخاوف من عودة طوابير "العيش" وتكرار ما حدث في عهدي مبارك والإخوان.
السبت 2022/06/04
منتوج محلي غير كاف لتفادي الأزمة

قوبلت قيود وعقوبات الحكومة المصرية المتخوفة من أزمة خبز تتهدد أكثر من مئة مليون مواطن، باستنكار المزارعين المطالبين ببيع محاصيلهم لإدارة التموين الحكومية دون حوافز مجزية وبسعر أقل بكثير من المتداولة في السوق. وترى الحكومة المصرية في القرار حفاظا على الأمن القومي، ولا تنوي التراجع عنه أو تعديل بنوده.

القاهرة - عززت الحكومة المصرية من إجراءاتها الساعية لضمان توفير الخبز المدعم، في ظل تقلبات أسواق القمح العالمية والصعوبات التي تواجهها على مستوى توريده من الخارج، الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ إجراءات داخلية استهدفت ردع مهربي القمح المحلي وسد الباب أمام بيعه في السوق السوداء، مع تزايد إمكانية تخزينه انتظارا لما ستؤول إليه الأسعار العالمية الفترة المقبلة.

وقالت الهيئة العامة للسلع التموينية، مشتري الحبوب الحكومي في مصر، إنها اشترت 465 ألف طن من القمح في ممارسة دولية، وتشمل الكمية 175 ألف طن من القمح الروسي و240 ألفا من القمح الروماني و50 ألفا من القمح البلغاري، وهذه أكبر عملية شراء للقمح تجريها هيئة السلع التموينية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتعمل دوائر حكومية على تحصين نفسها من أي أزمات داخلية على مستوى توفير الخبز، وترى أن الأمر يتعلق بالأمن القومي، فمنظومة التموين التي أقرتها منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة استطاعت أن توقف مسلسل مشكلات طوابير الخبز (العيش)، التي ظلت سمة سائدة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وتفاقمت عقب ثورة يناير 2011، واحتدمت في أثناء حكم تنظيم الإخوان.

وشدد مجلس الوزراء المصري من ضوابط الرقابة على سوق القمح المحلي ليدخل ضمن الاحتياطي الاستراتيجي المخصص لبقية أشهر العام. وأصدر قرارا بمنع تداول القمح المحلي بعيدا عن إشراف الحكومة حتى آخر أغسطس المقبل، تزامنا مع انتهاء فترة توريده إلى الحكومة، وسيتم التعامل بكل حسم مع عمليات احتفاظ المواطنين بالقمح في منازلهم والامتناع عن توريده.

حسين أبوصدام: الحكومة لم تقدم الحوافز التي تساعدها على تنفيذ خطتها

وتعد هذه الخطوة وسيلة ردع أكثر منها إجراء فاعلا يمكن تطبيقه على الأرض، لأنه من المستحيل تفتيش بيوت الفلاحين والمزارعين والتأكد من تخزينه، لأن ذلك حق مشروع طالما التزم المزارع بالكميات التي أقرتها الحكومة لتوريدها إليها، إلى جانب أن السوق المحلي بحاجة إلى القموح التي تستخدم في منتجات غذائية أخرى.

وأحدث القرار حالة من الاستنفار على مستوى مسؤولي المحافظات، وتزايدت وتيرة التهديدات التي أعلنها المحافظون، حيث يقع في نطاق اختصاصهم توريد النسب المقررة من كل محافظة لوزارة التموين، ومعاقبة المخالفين وفقا لقوانين توريد القمح المحلي التي أقرتها الحكومة مع بدء موسم حصاده.

وتفرض الحكومة غرامات وأحيانا عقوبات بالسجن على الممتنعين، لمنع المزارعين (الفلاحين) من حجب المزيد من محاصيلهم لاستخدامها علفا للحيوان، ومنع التجار من بيع القمح في السوق المفتوحة.

وأكد مجلس الوزراء أنه سيجري التعامل بكل حسم مع عمليات احتفاظ المواطنين بالقمح في منازلهم، والامتناع عن توريده في إطار المنظومة الرسمية لتوريد القموح.

وقال نقيب المزارعين في مصر حسين أبوصدام إن الهدف من قرار الحكومة توفير الخبز المدعم، الذي بحاجة إلى 10 ملايين طن من القمح لضمان إتاحته بنفس المعدلات اليومية على مدار العام، وأن سياستها التي أقرتها لتوريد القمح المحلي ليست كافية لتوفير تلك الكميات أو نصفها، وتأتي الأزمة من أن بعض المزارعين والتجار شرعوا في تخزين القمح تحسبا لزيادات متوقعة والاستفادة منها ماديا.

ويستفيد أكثر من 72 مليون مواطن من منظومة الخبز المدعم، وهناك 60 مليون مواطن معهم بطاقات تموين مدعمة، وتنتج الأفران المحلية 270 مليون رغيف خبز “عيش” يوميا.

وأضاف أبوصدام في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة تخشى من وجود صعوبات تعرقل مساعيها نحو استيراد القمح، في ظل قلة المعروض من الدولار وانخفاض قيمة الجنيه، ما يجعل فاتورة استيراده بنفس الكميات التي كانت عليها السنوات الماضية مكلفة، ولن تتمكن من الحصول على القمح الروسي والأوكراني زهيد الثمن.

وتواجه الحكومة أزمة لا تخلو من الأبعاد السياسية في علاقتها بمزارعي القمح، لأن الأسعار التي أقرتها لشرائه لا تتماشى مع الأسعار العالمية، وأقل من الأسعار التي تقدمها المطاحن الخاصة لشرائه من المزارعين.

نادر نورالدين: لا بد من زراعة المزيد من السلع الاستراتيجية التي تستوردها الحكومة

وفي ظل تقلبات السوق فإن المزارعين يتلقون عروض شراء دون امتلاك قدرة على التصرف فيه إلى حين أغسطس المقبل، وهي مسألة مرفوضة من المزارعين.

ودائما ما تكون علاقة الجهات التنفيذية بالمزارعين مصحوبة ببعض التوترات، ولدى قطاعات واسعة قناعة بأن السياسات الزراعية التي تتخذها الدولة لا تراعي مصالحهم وتخضع لأهواء المسؤولين، وأن الأسعار التي يوردون بها القمح للحكومة لا تغطي الزيادة في تكاليف الزراعة والأسمدة وإيجار الأرض وتكلفة العمالة المستخدمة في الحصاد، ما يبخس قيمته الحقيقية.

وأوضح نقيب المزارعين لـ”العرب” أن الحكومة لم تقدم الحوافز المطلوبة التي تساعدها على تنفيذ خطتها بالاستفادة من القمح المحلي، ولا تستطيع الإعلان عن حوافز جديدة بعد أن حصلت على نحو ثلاثة ملايين طن من المزارعين حتى الآن، ومن المطلوب أن تعلن حوافز للشراء قبل بدء موسم زراعته والتعاقد مع المزارعين بأسعار مجزية.

وتهدف الحكومة إلى شراء 6 ملايين طن من القمح المحلي، أي حوالي 60 في المئة من المساحة المزروعة هذا العام مقارنة بـ40 في المئة العام الماضي، حيث تسببت حرب أوكرانيا في توقف الشحنات من البحر الأسود التي تعتمد عليها لتوفير احتياجاتها البالغة سنويا 18 مليون طن، وتعد الدولة الأكبر استيرادا للقمح على مستوى العالم.

وذكر أستاذ الموارد الزراعية بجامعة القاهرة نادر نورالدين أن الأزمة الراهنة لابد أن تنعكس على السياسات العامة بالتوجه نحو زراعة المزيد من السلع الاستراتيجية التي تستوردها الحكومة، ما يضمن التعامل مع أي ارتدادات داخلية لأزمات الغذاء المتوقع أن تتفاقم ، في حال استمر الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن زيادة مساحات القمح في المشروعات الزراعية الحديثة خطوة إيجابية يجب أن يعقبها اتخاذ قرارات مماثلة لترميم علاقة الحكومة بالمزارعين، وتقديم محفزات تضمن بيعه بالسعر العادل للحكومة دون اللجوء إلى التخزين أو البيع في السوق السوداء ومن ثم العقوبات، وليس هناك مانع من صرف حوافز مالية جديدة لتشجعيهم بدلا من الاكتفاء فقط بالإجراءات العقابية.

وقلل متابعون من إمكانية حصول الحكومة على حصتها التي حددتها من المزارعين، وسط توقعات بأن تحصل على 4 إلى 5 ملايين طن من القمح المحلي، وعليها استيراد باقي احتياجاتها، ما يضع المزيد من العراقيل التي تقود إلى حدوث ارتباك في أسواق الخبز ومنتجات غذائية أخرى ذات ارتباط مباشر بالقمح.

2