قيلولة نابليون

السبت 2015/10/24

يخصص الأطفال وقت القيلولة عادة للقيام بأغلب “جرائمهم” الخارجة عن تعليمات الأهل، مستغلين بذلك حاجة الأم الملّحة لأخذ قسط من الراحة بين فترات العمل المضنية. ومع ذلك، تحرص معظم الأمهات على الالتزام بتعليمات أهل الاختصاص في تبني خيار القيلولة للتعامل مع هذا النوع من المشكلات بصورة خلاّقة وتوزيع العمل على ساعات اليوم المتوافرة، مع حمل ما تبقى من واجبات متراكمة في وعاء كبير وحفظه في مكان أمين لحين الوصول إلى اليوم التالي.

ويؤكد أهل الاختصاص على أن المدة المناسبة للقيلولة تترواح ما بين 30 إلى 90 دقيقة، وأن التوقيت الأفضل لـ”سرقتها” من ساعات النهار يقع بين الساعة الثانية ظهراً والرابعة عصراً وهي الفترة التي ينخفض فيها النشاط الفكري والجسدي للإنسان.

لكن القيلولة أو المقيل بحسب تعريف العرب قد تكون فترة استراحة وإن لم يكن معها نوم، بحيث يسمح للمتعبين بإغلاق عين واحدة فقط والاكتفاء بمراقبة الأحداث المكانية بعين أخرى تحسباً للطوارئ.

ومع ذلك، فإن إغفاءة قصيرة قد توجب شعورا جما بالذنب لخطأ لا يبدو واضحا للعيان، وعلى الرغم من أن القيلولة اختراع مفيد جداً لشحذ الهمم والاستعداد لاستئناف معركة مهمة مع الوقت، لكن هذا الشعور بالذنب قد يترك وخزة في الضمير، لا تبارحه إلا بتقييم علمي يقرر بأن الفائدة من ذلك تتعدى بكثير الوقت المهدور أما المكافأة فهي ذاكرة قوية وحفظ جيد لمعلومات النهار، قبل أن يطلع عليها الليل فتعتم، كما أن نوم القيلولة يمثل طريقة إيجابية لتثبيت أفكار ومعلومات تم خزنها عشوائياً في حجرات الذاكرة قصيرة المدى لتنظيمها في إطار مفيد من الوعي، وبالتالي نقلها إلى مكان آمن في غرف الذاكرة طويلة الأمد.

هذا الاكتشاف الذي وصفه علماء الذاكرة بأنه مذهل ليس بجديد في شطره الأول، أما المعلومة الجديدة فتتعلق بأهمية فترة السبات القصيرة هذه في انتقاء المعلومات والتجارب المفيدة والمهمة “حصرياً” لتخزينها في حين يتم التخلص، تباعاً، من الغث منها واتلافه في مكب النفايات الذي يقع في ذيل قائمة التخزين.

أما الذاكرة الانتقائية المكونة من هذا المزيج المذهل من المعلومات التي يتم اصطيادها بروية، فهي التي توفر في العادة قاعدة نجاحاتنا وتضمن بقاءنا على قيد الحياة. نجحت نتائج هذه الدراسات في إقناع عدد قليل من الشركات في بعض دول العالم بالسماح لموظفيها بأخذ قيلولة في العمل، وكانت تأثيراتها مفيدة جداً في تعزيز الإنتاج وسعادة الموظفين. كما أن بعض “العظماء” على مدى التاريخ اشتهروا بمزاولتهم نوم القيلولة ومنهم نابليون بونابرت؛ الفرنسي المقدام الذي عُرف بإغفاءاته الكثيرة حتى في أوج المعارك لإيمانه بأن هذه الاستراحة المقتضبة من شأنها أن توجد حلولاً للمشكلات بطرق خلاّقة، كأن تكون، مثلا، بالسطو المسلح على أملاك الغير.

حملات نابليون العسكرية صارت تُدرّس في العديد من المدارس الحربية حول العالم، ولكنها ما زالت تعتم على ما حدث في معركة “واترلو” حين مني جيش بونابرت بخسارة فظيعة كتبت وقائع الفصل الختامي لإمبراطوريته العظيمة.

لم ينم نابليون جيداً في تلك الأيام، وربما لم يأخذ قيلولته المعتادة إبّان المعركة، فبقيت الأفكار الغثة تتصارع في مخيلته المتعبة وبدلاً من التخلص منها في أقرب مكب لنفايات الذاكرة، قدمها سارية شفافة لتتقدم صفوف جيشه، فصنعت بذلك أجمل هزيمة في التاريخ.

21