قيس سعيد ينجح في إفراغ شهر الغضب الدائم من زخمه الثوري

الشعب التونسي، رغم الصعوبات التي يمر بها، يبدو راضيا بواقعه وقابلا لظروفه، ومصدقا لما يقوله رئيسه، فيما بات أغلب السياسيين في عزلة تامة.
الثلاثاء 2024/01/16
قريب من مواطنيه

تونس – فقَدَ شهر يناير الذي شكل دائما حاضنة لغضب الشارع التونسي وتوتره واحتجاجاته، خلال العامين الماضيين، تلك الخصوصية؛ وذلك نتيجة تحولات مهمة عرفها المجتمع بعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021 وأدت إلى الإطاحة بحكم الإخوان وحلفائهم وبسلبيات السنوات العشر التي تلت يناير 2011، وكذلك نتيجة تراجع سلطة الوساطات السياسية والاجتماعية.

وفقدت الأحزاب والنقابات بريقها مع بداية تشكل واقع سياسي جديد وفق منظومة مختلفة، يسعى الرئيس سعيد من ورائها إلى تكريس تجربته الفكرية الخاصة التي عبّر عنها دستور 2022 ويحاول تجسيدها على أرض الواقع عبر التواصل المباشر مع الشعب والتفسير المتواصل لموقف الدولة وموقعها مما يدور فيها وحولها.

ويشير محللون إلى أن الشعب التونسي، رغم الصعوبات التي يمر بها، يبدو راضيا بواقعه وقابلا لظروفه، ومصدقا لما يقوله رئيسه، فيما بات أغلب السياسيين في عزلة تامة، وهو ما أدى إلى تراجع فكرة الحراك الاحتجاجي في الشارع ومنح النظام الحالي فرصة العمل على تحقيق وعوده للشعب، وخاصة في ظل مؤشرات واقعية على محاربة الفساد ومراكز القوى وتحصين سيادة الدولة وتأمين مفاصلها من محاولات الاختراق الداخلي والخارجي.

سعيّد يتحرك في الأحياء الشعبية والمناطق النائية وكأنه عقد اتفاقا مع شعبه على التحلي بالصبر إلى حين تجاوز الأزمة

ونجح الرئيس سعيد في إفراغ شهر يناير من زخمه الثوري، حيث إنه يعمل ويتحرك في الأحياء الشعبية والمناطق النائية بكل تلقائية وكأنه عقد اتفاقا مع شعبه على التحلي بالصبر إلى حين تجاوز الأزمة.

واختار قيس سعيد في ذكرى مرور 13 عاما على 14 يناير 2011 أن يقوم بجولة داخل البلاد للتعرف على مشاغل مواطنيه في منطقتيْ العلا والوسلاتية من ولاية (محافظة) القيروان وكذلك في ولاية سليانة، وأن يتحدث إلى مستقبليه عن كل الملفات التي تشغل باله ما عدا أحداث 14 يناير التي لم تعد تعني شيئا لدى الأغلبية الساحقة من التونسيين.

واعتاد التونسيون على اعتبار يناير من كل عام شهر الثورات والانتفاضات والتحركات الاجتماعية.

ويرتبط موسم الاحتجاجات في تونس عادة بفصل الشتاء، وينطلق في شهر أكتوبر أو نوفمبر لكنه يعرف أوجه في شهر يناير الذي طالما شهد الأحداث الكبرى المؤثرة في تاريخ المجتمع التونسي، ومن ذلك الثورة التونسية ضد الاستعمار الفرنسي التي انطلقت في 18 يناير 1952.

وفي 17 يناير 1963 تم الإعلان عن الأحكام الصادرة في حق المتورطين في محاولة الانقلاب على الرئيس الحبيب بورقيبة والتي تم الكشف عنها في 19 ديسمبر 1962 واشتركت في القيام بها مجموعة من العسكريين والمدنيين.

وفي 26 يناير 1978 شهدت تونس أبرز حراك شعبي واجتماعي قاده الاتحاد العام التونسي للشغل من خلال إضراب عام تحوّل إلى مواجهات دامية أدت إلى سقوط المئات من القتلى والجرحى.

وفي الليلة الفاصلة بين 25 و26 يناير 1980 عرفت مدينة قفصة (جنوب غرب) إعلان ثورة مسلحة قادها عدد من المعارضين التونسيين من ذوي الميول الفكرية القومية وممن تدربوا على حمل السلاح في ليبيا ولبنان ووجدوا دعما من نظام العقيد الراحل معمر القذافي، وقد تدخلت قوات الجيش لصد الهجوم.

 وتم تنفيذ هجوم قفصة بدعم جزائري وبتمويل وتسليح وتدريب من ليبيا التي كانت قيادتها السياسية لا تزال تحت تأثير تراجع بورقيبة عن اتفاق الوحدة الاندماجية التي تم الإعلان عنها في 12 يناير 1974 تحت اسم الجمهورية العربية الإسلامية.

وفي 3 يناير 1984 شهدت تونس ثورة الخبز، وقد قادتها النقابات وشاركت فيها الفئات الفقيرة والمحرومة من أبناء الشعب وأدت إلى تكبد خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

وانطلقت أحداث انتفاضة الخبز من مدينة دوز في الجنوب، ومع دخول مشروع الزيادة في أسعار العجين ومشتقاته حيز التنفيذ يوم 1 يناير 1984 شملت الحركة الاحتجاجية مناطق الشمال والوسط الغربي وبقية مناطق الجنوب ما دعا إلى تدخل الجيش، قبل أن تتسع التحركات لتشمل العاصمة يوم الثالث من يناير، ولم تتوقف إلا بإعلان الرئيس بورقيبة بنفسه عن التراجع عن زيادة سعر رغيف الخبز.

وفي أوائل يناير 2008 بدأت انتفاضة منطقة الحوض المنجمي، جنوب غربي البلاد، ضد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي واستمرت عدة أشهر، وتم اعتبارها أول مؤشرات ما حدث في ديسمبر 2010، وسرعان ما اتسعت دائرة الحراك، وتداخلت فيها خيوط الغضب الداخلي مع التحريض الإعلامي الخارجي من أجل تنفيذ مشروع “الربيع العربي” الذي سيتجاوز تونس فيما بعد، ليكون يوم 14 يناير 2011 موعدا للإطاحة ببن علي بعد سفره إلى خارج البلاد في حادثة لا يزال يلفّها الكثير من الغموض.

هه

وفي الثالث من ديسمبر 2021 قرر الرئيس سعيّد تغيير تاريخ الاحتفال بذكرى ثورة 2011 من 14 يناير إلى 17 ديسمبر من كل سنة، معتبرا أن التاريخ الأول “غير ملائم”، وقال إن “يوم 17 ديسمبر هو يوم عيد الثورة وليس يوم 14 يناير كما تم الإعلان عن ذلك في العام 2011”.

وبرر قراره بقوله إن “الانفجار الثوري انطلق من سيدي بوزيد (وسط) ولكن للأسف تم احتواء الثورة حتى يتم إقصاء الشعب من التعبير عن إرادته وعن الشعارات التي رفعها”.

ويعتبر الرئيس سعيد قارئا جيدا للتاريخ السياسي والاجتماعي لبلاده، وهو ما ساعده على فهم واقع تونس وإعداد آليات التعامل مع الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى نشوب الثورات والانتفاضات.

1