قيس سعيد يعيد التوازن لدبلوماسية تونس عربيا

تونس – عكس الاتصال بين الرئيس التونسي قيس سعيد وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رغبة من الرئيس التونسي، الذي باشر مهامه منذ أشهر قليلة، في إعادة التوازن للدبلوماسية التونسية في عمقها العربي، وهي التي فقدت ثوابتها منذ ثورة 2011 وسيطرة حركة النهضة الإسلامية عليها ورهنها للحلف التركي القطري.
وأبدت دولة الإمارات العربية المتحدة، الثلاثاء، استعدادها لدعم تونس في مواجهة انتشار فايروس كورونا، وذلك في اتصال هاتفي جمع الرئيس سعيد والشيخ محمد بن زايد، الذي أكد استعداد بلاده للوقوف إلى جانب تونس في مواجهة هذه الجائحة فضلا عن دعمها عبر العديد من المشاريع في المستقبل، حسب ما جاء في بيان لرئاسة الجمهورية التونسية.
وقالت مصادر تونسية سياسية إن الرئيس سعيد يعمل منذ بداية تسلمه مقاليد الرئاسة على تصويب مسار الدبلوماسية التونسية التي عرفت طيلة عقود بالتوازن والابتعاد عن الأحلاف، لكن حركة النهضة التي كانت مهيمنة على حكومات ما بعد الثورة دفعتها باتجاه الدوحة وأنقرة، وأنها تستقوي الآن على سعيد بدعم قطر ونفوذ تركيا.
وذكرت المصادر أن الرئيس التونسي الذي استقبل كلا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يحرص الآن على تنويع علاقات تونس من خلال الاتصال بالشيخ محمد بن زايد وقبله بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقبلهما استقبل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ووزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد.
وأشارت إلى وجود برود في العلاقات بين تونس وقطر وتركيا بسبب مساع من البلدين لفرض آليات للتعاون تمر عبر حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، الذي اتخذ من رئاسة البرلمان غطاء قانونيًّا لزيارات متكررة إلى أنقرة أثارت مخاوف لدى السياسيين من إفشاء الغنوشي أسرار تونس للأتراك، وهي أسرار يحصل عليها بصفته رئيسا للبرلمان وعضوا في مجلس الأمن القومي.
وطالب المحلل السياسي خالد عبيد بضرورة أن تكون السياسة الخارجية التونسية متوازنة وألا تُغلّب محورا على محور آخر، وأن يكون شعارها استمرارية خط السياسة الخارجية لتونس وثوابتها منذ الاستقلال إلى الآن والتي تقوم على أساس العلاقات المتينة مع الأشقاء العرب.
وشدد عبيد في تصريح لـ”العرب” على أن تكون العلاقات التونسية متوازنة مع كل الأشقاء العرب دون استثناء، وأن تكون دبلوماسية المحاور التي اعتمدتها حكومة الترويكا بقيادة النهضة بمثابة القوس وقد أُغلق سريعا.
وتمارس حركة النهضة عبر “الذباب الأزرق” حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد مساعي سعيد لتصويب الموقف من الملف الليبي وبناء علاقة متوازنة مع طرفي الأزمة، ما يسمح لتونس بإنجاح الوساطة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية منذ فترة، والتي تتطلب خطوات لبناء الثقة تجاه تونس.
وتشعر تونس بقلق كبير بسبب سيطرة الميليشيات على حدودها، وهو أمر جاهر به وزير الدفاع عماد حزقي، حين أشار إلى أن بلاده مضطرة إلى التعامل مع الميليشيات على حدودها، وهو ما قابله “ذباب النهضة” بحملة واسعة ضد الوزير ورئيس الجمهورية مع التحذير من تبدّل الموقف التونسي تجاه ليبيا رابطين بين تصريح الحزقي واتصالات الرئيس سعيد.
وزادت مخاوف تونس بعد التغييرات العسكرية على حدودها وتحالف ميليشيات محسوبة على حكومة الوفاق في طرابلس مع مجموعات ووجوه متشددة مثل أبوعبيدة الزاوي، ما يمثّل تهديدا لأمن تونس ويعيد إلى الواجهة مسألة تسلل مجموعة إرهابية إلى البلاد وتهريب الأسلحة.
وأشاد أحمد ونيس، وزير الخارجية التونسي الأسبق، بالاتصال الذي جرى بين الرئيس سعيد والشيخ محمد بن زايد، معتبرا أنه استمرار لاتصالات سابقة سعيا إلى دعم المبادرة التونسية في الأمم المتحدة الرامية إلى توحيد جهود دول العالم في مكافحة جائحة كورونا عوضا عن أن تكون الجهود مشتتة.
وقال أحمد ونيس في تصريح لـ”العرب” إن الاتصال يدل على عدم وجود حواجز بين تونس والإمارات بالرغم من وجود حركة النهضة الإسلامية في الحكم وهذا مهم في قاعدة العلاقات بين البلدين.
ونوه بما أبداه ولي عهد أبوظبي من تضامن مع تونس في أزمة كورونا واستعداده لمساعدتها، معتبرا أن هذا الموقف أهم ما تلقته الدبلوماسية التونسية في السنوات الأخيرة، والشعب التونسي سينظر إليه بإيجابية، خاصة أن الإمارات تشغّل عددا هاما من التونسيين.
ويعتقد مراقبون تونسيون أن الاتصال الذي جرى بين قيس سعيد والشيخ محمد بن زايد يمكن أن يوفر فرصة جديّة لإعادة تصويب العلاقة التونسية مع دول الخليج، السعودية والإمارات والكويت على وجه الخصوص، وفرصة لأن تبحث تونس عن مصالحها بعيدا عن الأجندات وسياسة المحاور، مشيرين إلى أن الأجندات الحزبية لحركة النهضة دفعت إلى برود في علاقة تونس بأهم شركائها وداعميها من العرب، وأنه آن الأوان لتجاوز هذا الوضع.