"قوم يابا" مسرحية هجينة تجمع فن المونودراما بمسرح الشارع

صور (لبنان) - بدأت مؤسسة "مسرح إسطنبولي" بالتعاون مع "جمعية تيرو للفنون" تقديم سلسلة عروض مسرحية جديدة للمونودراما "قوم يابا"، وذلك بالتزامن مع ذكرى النكبة وتضامناً من القضية الفلسطينية، حيث يتواصل تقديم العروض لثلاثة أيام، من الـ16 إلى غاية الـ19 من مايو 2021 في فضاء "المسرح الوطني اللبناني المجاني" في مدينة صور.
ومونودراما "قوم يابا" تأليف الكاتب الفلسطيني الراحل سلمان الناطور وسينوغرافيا الإسبانية آنا سندريرو ألفريز وأداء وإخراج قاسم إسطنبولي.
وأكد مؤسّس "المسرح الوطني اللبناني" الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي أن "القضية الفلسطينية هي قضية الإنسان والعدالة والحرية في وجه القمع والاحتلال، ونحن علينا المقاومة بكل الوسائل والثقافة والفنون، فهي إحدى الوسائل من أجل الحفاظ على الذاكرة والهوية والقضية الفلسطينية وعلينا أن نقاوم الظلم والاستبداد والأنظمة القمعية للوصول إلى حرية الإنسان في العيش بكرامة".
مسرحية” قوم يابا “مونودراما تتحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني منذ فترة ما قبل العام 1948 وحتى يومنا الحاضر، حيث تتحدث عن حقبات الانتداب الإنجليزي بفلسطين والنكبة عام 1948، ومسلسل العدوان والاجتياحات الإسرائيلية التي لاحقت الفلسطينيين، لاسيما في لبنان. ورغم أن إسطنبولي قد اقتبس العمل عن رواية الناطور فإنه قدم فيه الكثير من الإضافات لكي تتكيف وطبيعة الأداء والعرض وتتمكن من إيصال الفكرة بأسلوب بعيد عن الجمود والرتابة، مغلبا مساحات الحزن على ما عداها، على الرغم من ومضات فرح وابتهاج يدخلها في إطار ما يقدمه من أمل في تحقيق الحرية.
وقد بدأ إسطنبولي عرض المسرحية أثناء العدوان على غزة في بيروت وذلك في الشوارع والساحات العامة وأمام السفارة الأميركية في عوكر، وفي المخيمات الفلسطينية والجامعات في لبنان وسوريا. كما وعرضت المسرحية في مهرجان دعم غزة 2008، ومهرجان يوم الأرض 2010، وفي ذكرى النكبة مؤخراً في العاصمة الإسبانية مدريد.
ويعتبر إسطنبولي أن هذه العروض تثبت أهمية نقل القضية الفلسطينية للغرب من خلال الفن والمسرح بالخصوص، وأهمية التفاعل الثقافي بمختلف الميادين لتوصيل القضية إلى العالم.
وتبدأ المسرحية بصوت يخرج من عتمة، ينادي على بضاعته المحمولة في كيس من القماش «معنا زبيب وجوز ولوز من يافا ومن حيفا».
وقد أراد إسطنبولي أن يستهل عرضه بالتسلل إلى مسامع الحاضرين ليربطهم بالعرض المسرحي الذي يستمر لأربعين دقيقة، رغم أن المسرح يفتقر إلى التقنيات المطلوبة خصوصاً لناحية الإضاءة.
ويجهد إسطنبولي خلال العرض في خلق مساحة تفاعلية ما بين النص والحضور، وقد نجح إلى حد كبير في التحكم بأداء شخصية العجوز الفلسطيني الذي ما انفك يكيل الوصايا لابنه محمد كي لا ينسى فلسطين حتى ساعة استشهاده بين يديه برصاص الاحتلال الإسرائيلي، حيث أراد أن يحتفظ بجسده وهو ميت، رافضا أن يضمه تراب فلسطين إلا وهي محررة.
يمكننا أن نصنف هذه المونودراما ضمن مسرح الشارع الذي يعرّفه الباحث الأميركي هنري ليسنك بأنه “مسرح سياسي راديكالي يقدّم عروضه في الشارع والمدارس والمراكز التجارية وخارج بوابات المصانع، وفي أيّ مكان آخر يمكن أن يتجمع فيه الناس. إنه مسرح بَسط وإثارة للقضية”.
ومن خلال جمعها بين المونودراما ومسرح الشارع نجحت “قوم يابا” في خلق تفاعل كبير مع الجمهور عزاه إسطنبولي إلى جرأة العرض في تقديم قصة آنية تخص معاناة الفلسطينيين ولأنه لم يعتمد على مصادر إنتاجية لتمويل عرضه استطاع التخلص أيضا من سلطة الرقيب.
ومن الأعمال المسرحية التي قدمتها فرقة مسرح إسطنبولي والتي تختص في عروض الفضاء المفتوح ومسرح الشارع نجدر”نزهة في ميدان معركة”، “زنقة زنقة”، “تجربة الجدار”، “البيت الأسود”، “هوامش”، “الجدار”، “عرس النصر”، “حكايات من الحدود”، “مدرسة الدكتاتور” وغيرها.
وما تمكن ملاحظته غلبة المواضيع السياسية على جل الأعمال المسرحية التي تقدمها الفرقة، وهي من ميزات مسرح الشارع التي باتت تشبه اللازمة، لكن في “قوم يابا” لا نجد الارتجال مهيمنا، كما هو حال الأعمال المسرحية المنضوية تحت هذا النمط، كما لا نجد التفاعل حاكما أساسيا للعمل، بل للعمل نص وإخراج ومدة محدودة، وهو ما يحيلنا إلى نوع من التهجين بين سمات مسرح الشارع والمونودراما بما تقتضيه من إمكانات تمثيلية ومن خطوات درامية مدروسة لضمان تكامل العمل.