قوة الفكر الناعمة

بات الكاتب الإسرائيلي يوفال نوح هراري، نجما في عالم الفكر ذا رواج لافت، في كتابة التاريخ بلا مراجع. فهو يحشد فرضيات ظنية تنبثق عن خيال مجنّح، ويدمجها بالمنجزات العلمية، فتتلقف دور النشر مخطوطات كتبه عن مستقبل الإنسان وتاريخه ومراحل تطوره، وتطبعها وتترجمها وتوزعها، ثم يحتفي الساسة والعلماء بمؤلفها.
ينزّه يوفال نفسه عن الممارسات الإسرائيلية، لكنه يؤكد على كونه جزءا من إسرائيل. غير أن نزعة الأنسنة التي يتقمصها، خذلته عندما تجاهل أفاعيل المستوطنين اليهود المتطرفين، مع تأكيده باستمرار على ضرورة أن يواجه كل شعب، الجوانب المظلمة في تجربته وممارساته!
يعمل يوفال هراري أستاذ تاريخ في الجامعة العبرية في إسرائيل، وعلى مقربة منه في الجامعة نفسها، عدد من مجموعة المؤرخين الإسرائيلين الجدد، الذين فندوا الرواية الرسمية الإسرائيلية ورفضوها جملة وتفصيلا.
كان حميد زناز، قد كتب في وصف يوفال مقالا مهما في جريدة “العرب” (21 يوليو 2019) إذ وضع إصبعه على المفارقة التي جعلت رجلا يهوديا ملحدا وشاذا متزوجا من رجل آخر، يفقد عقلانيته كلما سُئل عن فلسطين. وبالفعل يعود يوفال إلى النفاق، وتنكشف ركاكته، عندما يستخدم كلام الأساطير، رغم إلحاده، ليقول إن الله وعد اليهود بأرض فلسطين، أو حتى عندما يقول بلغة علمية “إن الدول ليست إلا محض قصص خلقها الناس لكي تساعد أناسا، وتبدأ في قتل الملايين من البشر، من أجل هذا الشيء المُتَخيَّل!”.
أغلب الظن، أن يوفال هراري، يتحدّر من عائلة يهودية جذورها من أوروبا الشرقية، وقد هاجر معظمها إلى لبنان، وانتقل جزء منها إلى مصر، وهذا غير موضح في أي سيرة لأصول يوفال. لكن عائلة هراري هي إحدى العائلات اليهودية المعروفة، التي عاشت في مصر، وانتقلت إليها من لبنان، مثلما انتقلت ألوف العائلات اللبنانية المسيحية، هربا من العثمانيين وطلبا للعمل وتمصّرت. فقد كان أربعة شُبان من عائلة هراري، قد أسسوا في القاهرة في العام 1945 المجلة الأدبية ذائعة الصيت “الكاتب المصري” التي تسلم د. طه حسين مسؤولية تحريرها، ونافح عنها بعد أن هبت عليها رياح نقدية عاصفة، تصدرها المفكر النهضوي إسماعيل مظهر، الذي اتهمها بمحاباة الصهيونية، وأنها موصولة بمشروع استلاب فلسطين. وفي الحقيقة كان رد طه حسين الرافض للاتهام الذي وصفه بـ”الشائن” مفحما. وكان من بين كتاب المجلة، معظم أدباء النهضة في البلاد كالعقاد والمازني وتيمور ومحمد هيكل ومجمد فريد أبوحديد وغيرهم، فضلا عن سارتر وألبير كامو وغيرهما من فرنسا. وفي الواقع كانت المجلة فكرة لتأطير مجموعة الكتاب الوازنين من رواد النهضة الأدبية بهدف تحييدهم بالقوة الناعمة. ويبدو أن العائلة كانت من قديم، صانعة سجالات، وتنتج شخصيات لممارسة القوة الناعمة، مثل يوفال!