قوانين الإعلام السودانية تختبر تعهدات السلطة الانتقالية بحرية الصحافة

تعد مسودة القوانين التي أعلنت عنها الحكومة السودانية اختبارا لجدية السلطة الانتقالية في التعامل مع مطالب الصحافيين بتعزيز حرية الصحافة والإعلام، والتي يجري التعامل معها باعتبارها هدفا سياسيا للمرحلة الحالية.
الخرطوم - تشهد أروقة وسائل الإعلام السودانية نقاشات محتدمة حول مسودات قوانين الإعلام الجديدة وتأثيراتها على مستقبل حرية الإعلام، وسط جملة من الاعتراضات على بنودها المرتبطة بآليات الحصول على المعلومات وترخيص الكيانات والمؤسسات الصحافية.
وتدعم الحكومة النقاشات الجارية على مستويات مختلفة بشأن مشاريع القوانين الثلاثة وهي: قانون الصحافة وقانون حق الحصول على المعلومات وقانون الهيئة السودانية للإذاعة والتلفزيون، وأعلنت وزارة الثقافة والإعلام عقد ورش عمل للتوافق عليها قبل إجازتها بشكل نهائي من السلطة التشريعية والتي باتت ممثلة في الحكومة الانتقالية ومجلس السيادة لغياب البرلمان حاليا.
وتحاول الحكومة بناء جدار الثقة بينها وبين العاملين في الحقل الإعلامي بعد أن تسببت ممارسات بعض الأجهزة الأمنية وهيئات رسمية في ارتكاب تجاوزات بحق الصحافيين وتركت فجوة أصبحت بحاجة إلى جهود فاعلة لتضييقها.
وأعلن صحافيون سودانيون مؤخرا مقاطعة أخبار القوات المسلحة لمدة ثلاثة أيام.

حاتم إلياس: السودان يواجه مشكلة تمويل الإعلام من جانب جهات خارجية مجهولة
ونفذوا وقفة احتجاجية الثلاثاء الماضي أمام مجلس الصحافة والمطبوعات الصحافية في الخرطوم، احتجاجا على الاعتداء بالضرب على الصحافي علي الدالي عضو اللجنة التمهيدية لاستعادة نقابة الصحافيين، من جانب القوات الأمن في واقعة تكررت للمرة الثالثة منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير. ومع أن السلطة الانتقالية أعلنت نيتها تعديل القوانين القمعية التي وضعها النظام البائد منذ الإطاحة به قبل أكثر من عامين، إلا أنها لم تشهد تطورات حقيقية، وإن كان التطور بدا ملحوظا على مستوى فتح المجال العام وإتاحة العمل الصحافي بحرية كبيرة، لكن ظلت البيئة القانونية المنظمة للعمل من دون تعديل، ما وضع قيودا على الإعلاميين الذين يخشون من تطبيق بعض القوانين الصارمة عليهم.
وتعد مسودة القوانين التي أعلنت عنها وزارة الثقافة والإعلام مطلع أغسطس الجاري، وكيفية تعامل السلطة الانتقالية مع مطالب الصحافيين ومدى الاستجابة للتعديلات التي من المتوقع إدخالها عليها، اختبارا لقناعة السلطة الانتقالية بحرية الصحافة والإعلام، والتي يجري التعامل معها باعتبارها هدفا سياسيا، وتبدو الترمومتر لقياس مستوى الالتزام بتنفيذ أهداف الثورة على البشير التي كان شعارها الأول الحرية.
وتركزت الانتقادات التي وجهها صحافيون إلى مسودة القوانين الجديدة في أنها وضعت ضوابط صارمة لإحكام الشفافية المالية المطلوبة للصحف للتعامل مع أزمات اختراق المال السياسي للصحف إلى درجة أنها تبدو فيها استقلالية وسائل الإعلام على المحك نتيجة التدخلات الحكومية في عملية الضبط المالي.
ويخشى الصحافيون من أن تكون خطوة إنشاء مجلس الصحافة الذي نصت عليه مسودة قانون الصحافة مقدمة لتدخل حكومي في عمل الصحف والمواقع الإلكترونية، لأن الحكومة تتولى مهمة تعيين أعضائه، وإن تحدثت بنوده عن استقلاليته سيظل تابعا لها، وسوف يتولى المجلس مهمة محاسبة كل صحافي أو مؤسسة صحافية تنتهك ميثاق الشرف أو تتنكر لقواعد السلوك القويم التي تحددها مواثيق العمل المتفق عليها.
وأثار العديد من القائمين على إدارات المؤسسات الصحافية مشكلات تتعلق بالحصول على تراخيص العمل في القوانين الجديدة التي حظرت مزاولة أعمال أي مؤسسة إعلامية طالما لم تقم بإخطار مجلس الصحافة، ما أفضى إلى مقارنات عديدة بين القانون الجديد ونصوص ترخيص الصحف وفقا لقانون الصحافة والمطبوعات الذي أقره نظام البشير في العام 2009.
وتركزت غالبية الانتقادات على قانون المعلومات حيث جاءت نصوصه فضفاضة في ما يتعلق بالوصول للمعلومات ذات الطابع السياسي وتلك المتعلقة بالأمن القومي، وحظره الوصول إلى المعلومات الخاصة بالأسرار التجارية وتتضمن توصيات أو استشارات تُقدم قبل اتخاذ قرار بشأنها، ويشمل ذلك المراسلات السرية وذات الطبيعة الشخصية ولم يوضح طبيعة المراسلات التي تخص المسؤولين أو المواطنين.
وقالت الصحافية درة قمبو لـ”العرب” إن المشكلة في مشروعات القوانين المعروضة أنها لم تحظ بمشاورات واسعة في مرحلتها الأولى ولم يجر أخذ رأي أصحاب الشأن والأكاديميين وبالتالي فإدخال تعديلات سيكون بحاجة للمزيد من النقاشات والمشاروات، وكعادة غالبية القوانين لن تحظى بتوافق كامل، لكن في كل الأحوال تخفف القوانين الجديدة من القيود والمحاذير التي وضعها النظام السابق على حرية الصحافة.
وتعرضت اللجنة الاستشارية التي شكلتها وزارة العدل السودانية لوضع مشروعات القوانين لانتقادات لاذعة، إذ كان من المقرر أن يجري تشكيلها من جانب وزارة الثقافة والإعلام على أن تتضمن إعلاميين وخبراء متخصصين، غير أنها ضمت قيادات حزبية وشارك فيها ممثلون ينتمون لحركات مسلحة، وقلة من الصحافيين لا يحظون بتوافق كبير عليهم.
وأضافت قمبو في تصريح لـ”العرب” أن أوضاع الصحف الورقية والقنوات التلفزيونية بحاجة لتدخلات حكومية عاجلة لإنقاذها أولا في ظل غياب الدعم التام للدولة التي أثرت سلبا على أوضاعها الاقتصادية، وهو ما جعل المؤسسات الإعلامية رهينة الإعلان الذي يأتيها من مؤسسات وكيانات اقتصادية تابعة لجهات على رأس السلطة الانتقالية ولذلك لا تستطيع أن تتعرض لفسادها.
وأشارت إلى أن تعديلات قوانين الإعلام لا بد أن تتضمن إعفاء الصحف من ضرائب ورق الطباعة الذي أدى لإغلاق العديد من الصحف، والأهم أن تتضمن طباعة الصحف داخل مطابع حكومية تتبع جهات صحافية بعيدا عن المطابع التابعة للجيش، ما قد يُعرض الصحف للحجب أو يجعلها رهينة مواقف الجهات المسؤولة عن صدور أوامر الطباعة.

درة قمبو: أوضاع الصحف والقنوات بحاجة لتدخلات حكومية عاجلة لإنقاذها
ومع أن الصحافية درة قبمو وغيرها من الصحافيات والصحافيين لديهم قناعة بأن أوضاع الحريات أفضل الآن، لكنهم يؤكدون أن هناك من يتعرضون للضرب ضحية بلاغات تستهدف وقف أقلامهم وأصواتهم ومازال البعض منهم يتلقى تهديدات من جهات متعددة، وأن حداثة دخول البلاد مجال الحريات تؤدي إلى وقوع أخطاء عديدة قد لا يكون بعضها مقصودا نتيجة تعقيدات الوضع القانوني والسياسي والأمني في البلاد.
ويتفق العديد من الصحافيين على أن القوانين الجديدة ترسخ لإيجابيات لا يمكن نكرانها، لأنها منعت مصادرة الصحف وإغلاقها وإيقافها، ونصت على منع الرقابة، وحماية مصادر معلومات الصحافي، وأتاحت لأول مرة التنسيق بين الجهات المسؤولة عن الإعلام والمؤسسات الأكاديمية لضمان التطوير المستمر للمهنة وأوضاعها.
وتضيق مسودة القوانين الخناق على توظيف المال السياسي في وسائل الإعلام وسط محاولات اختراق تعرضت لها مواقع سودانية من جانب منظمات وجهات تابعة لكل من قطر وتركيا بغرض دعم فلول النظام السابق.
ويحظر مشروع قانون الصحافة الجديدة على “الصحافي أو الصحافية قبول تبرعات أو إعانات أو مزايا خاصة من جهات محلية أو أجنبية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويحظر أن يتلقى الصحافي أو الصحافية من جهات حكومية أي معونات ما لم تكن جزءا من إعانات عامة ومعلنة ومطبقة على الجميع بكامل الشفافية”.
وأوضح الناشط السياسي والحقوقي حاتم إلياس لـ”العرب” أن السودان يواجه مشكلة تمويل الإعلام من جانب منظمات وجهات خارجية مجهولة المصدر، ما يجعل هناك شبهات لتوجيه الرأي العام تجاه قضايا محددة تخدم أجندتها ولا تصب في صالح دعم القضايا الوطنية، في حين أن التمويل يمكن توجيهه لقطاعات حيوية تفيد المجتمع.
وأشار إلى أن هناك حالة من السيولة والفوضى تسيطر على الإعلام الإلكتروني منذ اندلاع الثورة بحاجة إلى قوانين تضبط المشهد وتسد الفجوة القانونية بعد أن تحولت الكثير من المواقع إلى مصانع لفبركة الأخبار واستخدامها في الصراع السياسي.