قهوتك الباردة

إنّه الزمن من جديد ودائمًا. يحاول العلماء حتى هذه اللحظة التغلّب على سهم الزمن، ومقاومة التقدّم بالعمر، أو تغير الأشياء مع تكتكات الثواني والدقائق في الساعة.
الجمعة 2020/12/11
لماذا لن تبقى قهوتك ساخنة في غرفة باردة؟

قرأتُ سؤالاً عابرًا ورد في ثنايا بحث علمي متّصل بحركة كرات البلياردو قد يبدو وكأنه لا علاقة له بالموضوع، ولكنه سؤال في الصميم، يقول ”لماذا لن تبقى قهوتك ساخنة في غرفة باردة؟“. نعرف لماذا طبعًا. لأن القانون الثاني للديناميكا الحرارية ينصّ على أن الطاقة، مع الوقت، تتحوّل وتنتشر. هذه هي. ولكن ما القصة؟

إنّه الزمن من جديد ودائمًا. يحاول العلماء حتى هذه اللحظة التغلّب على سهم الزمن، ومقاومة التقدّم بالعمر، أو تغير الأشياء مع تكتكات الثواني والدقائق في الساعة. ومنذ أن اخترع الإنسان الحكايات والأساطير وانهمك في العلوم، وهو يعتبر الزمن العدو والصديق والشريك النكود والمشاكس والأليف للبشر في الآن ذاته.

كم منّا اعتاد شرب قهوته مع موسيقى صباحية خاصة به؟ يمر الزمن ونعتقد بأنه من الأجدى ألاّ نحافظ على عادات قديمة، وأن التطور يقتضي تغيير النمط، وتغيير الموسيقى الصباحية. لكن مهلاً.

قام عالم يدعى ثيوبالت شابين في جامعة بيزنسون الفرنسية بإخضاع قرابة العشرين شخصًا لتجربة من نوع مختلف. درس أدمغتهم وهم يستمعون إلى الموسيقى، فأشارت مخططات الأدمغة إلى أن هؤلاء كانوا يشعرون بالقشعريرة بانتظام عند سماعهم للمقطوعات الموسيقية المفضلة لديهم. وتم رصد نشاط كهربائي محدد في القشرة الأمامية المدارية للدماغ، ومراكز معينة تقوم بتحفيز أنظمة ”المكافأة“ في الشبكة الدماغية، بإفراز هرمون الدوبامين الشهير، هرمون الحيوية والتفاؤل.

لذلك لا يستهيننّ أحدٌ بما اعتاد عليه من أنواع الموسيقى، فهي حاجة ضرورية، ولنتخيل معًا كيف يمكن أن تكون الحياة في دماغ من يحرّم على نفسه الاستماع إلى الموسيقى لدوافع دينية أو حتى من باب الجدية والصرامة وغير ذلك. كارثة. ستتوقف حينها المكافأة الدماغية وتلك العمليات الحيوية المثيرة التي وصفناها ويبدأ التفكير بسلبية، وسيغلبنا الزمن حينها وتشيخ أدمغتنا بسرعة كما تبرد القهوة بسرعة.

ألا تصدّقون؟ بالفعل يؤذي التفكير السلبي قدرة الدماغ على معالجة المعلومات ويعطّل إمكانية التفكير بوضوح. ولكن من أين يأتي التفكير بسلبية؟ حسنًا كيف يتم ذلك في تلك المجرّة الهائلة المسمّاة ”الدماغ“؟

لديك جهاز خطر جدًا يُدعى ”المهاد“ وهو تعريب للاسم الإغريقي الأصلي ”ثالاموس“ والذي يعني ”الخزانة“ ويقع هناك في دماغك، قريبًا جدًا من عينيك اللتين تقرآن الآن هذه السطور، المهاد مهمته إرسال الإشارات إلى بقية الجسم، لكنه ”لا يفهم أن الأفكار السلبية لا تُشبه الخطر الحقيقي“، فعندما تفكر أنت في أيّ فكرة سلبية، فإن المهاد يصدّقك، ويفترض أنه يحتاج إلى إعداد الجسم لمواجهة الخطر، فيأمرنا قائلاً ”اهربوا“، فتتأهب الأعضاء هلعًا وترتعد مرة بعد مرة، آلاف وملايين المرات، حينها يهزمنا الزمن.

24