قنوات الإخوان تزرع بذور الفتنة القبائلية في ليبيا

اتخذ خطاب الكراهية والتحريض في القنوات الليبية الإخوانية منحى أكثر خطورة، بتأليب الليبيين ضد بعضهم البعض وتصوير الحرب بين الجيش الوطني الليبي والقوات التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس على أنها حرب بين قبائل شرق ليبيا وسكان العاصمة طرابلس، باستخدام لغة عنصرية عنيفة.
طرابلس - ازدادت وتيرة التحريض على العنف ودعوات الانقسام وزرع الفتنة على القنوات الليبية الإخوانية، مع التدخل التركي في ليبيا، وبدأت هذه القنوات بالعزف على وتر القبائلية، والهجوم بشكل مباشر على القبائل المنضوية تحت لواء الجيش الوطني، وتصويرها بأنها ترغب في الانتقام من أبناء العاصمة.
وتحاول هذه القنوات تحريف الواقع وقلب الحقائق عبر استضافة شخصيات معروفة بمرجعيتها المتطرفة وعلاقاتها السابقة بالجماعات المتشددة في أفغانستان والقاعدة، تحت مسمّى محلل سياسي أو خبير بالجماعات الإسلامية، مهمتها الفعلية الترويج والدفاع عن التدخل التركي في ليبيا.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخرا، مقاطع فيديو للعديد من هؤلاء “المحلّلين والخبراء” منهم نعمان بن عثمان، وعبدالسلام الراجحي، اللذان يظهران بشكل متواصل على قناة “ليبيا الأحرار”، لتأليب الليبيين ضد بعضهم البعض، وإطلاق التهديد والوعيد ضد أهالي شرق ليبيا.
ويركز هؤلاء من خلال المنابر الإخوانية، على تجاهل أطراف الصراع الحقيقي في البلاد بين قوات الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، وقوات حكومة الوفاق التابعة لفايز السراج المدعوم من قطر وتركيا، والادعاء بأن القبائل العربية في مناطق الشرق الليبي تستهدف العاصمة طرابلس وتريد النيل من سكانها، في مؤشر خطير على محاولة تحويل وجهة الصراع إلى حرب بين أطياف الشعب الليبي.
ويستخدم نعمان بن عثمان، الذي يعرّف عن نفسه بأنه “رئيس مؤسسة كويليام للأبحاث” ويقيم في لندن، لغة عنصرية مسيئة وألفاظا بذيئة في حديثه عن القبائل وأهالي شرق ليبيا، ويحرص على التحريض ضدهم وإشعال نار الفتنة والانقسام في البلاد، مقابل الدفاع عن تركيا وتدخلها العسكري في ليبيا.
تتشارك قناة "ليبيا الأحرار" مهمّة زرع الفتنة والتحريض وخطاب الكراهية مع قنوات أخرى تبث من إسطنبول ولندن، وتموّلها قطر وتنظيم الإخوان
وأطلقت قناة “ليبيا الأحرار” بثها في مارس 2011 من الدوحة بتمويل من شركة الريان القطرية، قبل أن تنتقل عام 2017 إلى العمل من إسطنبول، ويديرها علي الصلابي المصنف في قوائم الإرهاب في دول عربية، إلى جانب سليمان دوغة عضو جماعة الإخوان، وأحد العناصر المطلوبة للقضاء لعلاقته بما يسمى بـ”الجهاد” وإحدى الجماعات الإرهابية الموضوعة على قائمة جهاز الأمن الداخلي، فترة حكم النظام الليبي السابق.
كما تتشارك قناة “ليبيا الأحرار” مهمة زرع الفتنة والتحريض وخطاب الكراهية، مع العديد من القنوات الأخرى التي تبث من خارج البلاد خصوصا إسطنبول ولندن، وتمولها قطر وتنظيم الإخوان.
ومنذ 2011، ظهرت فضائيات ليبية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، تكفلت قطر بتمويلها وتركيا بتمكينها من البثّ على أراضيها، ولا تخفي اتجاهاتها وأهدافها المشبوهة، إذ تقوم بتقديم الدعم للجماعات الإرهابية والتحريض على القتل وتأجيج أعمال العنف داخل
ليبيا.
وعلى رأس هذه الأبواق قناة التناصح التي تبث من تركيا ويديرها سهيل الغرياني نجل مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني، وتوصف في ليبيا بأنها أحد أهم أبواق الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلّحة، حيث اعتمدت منذ انطلاق بثّها خطابا تحريضيا خاصة ضد قوات الجيش الليبي.
وبثت فتاوى مباشرة للغرياني، دعا من خلالها إلى سفك دماء الليبيين، ومن أشهرها الفتوى التي سمح فيها لعناصر الإخوان باقتحام المدن والقرى الرافضة لفكر تنظيم الإخوان، حتّى أدرجها مجلس النواب الليبي على قائمة الإرهاب.
وأخذت القناة على عاتقها، مهمة تعظيم الدور التركي وتسليم أنقرة مفاتيح ليبيا لإعادة الاحتلال العثماني، وأعلن القيادي الإخواني عضو المؤتمر الليبي المنتهية ولايته محمد مرغم، من خلالها الدعوة إلى تدخل تركيا ضد الجيش الوطني الليبي.
وأشار تقرير للمركز الليبي لحرية الصحافة، حول “رصد خطاب الكراهية في القنوات التلفزيونية”، إلى أن قناة التناصح تصدرت القنوات الأكثر إخلالا في تغطية النزاعات المسلحة والإرهاب، بالإضافة لخطاب الكراهية والتحريض بنسبة بلغت 41 بالمئة.
وصنفت الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب مؤسسة “التناصح” ومشرفها العام الصادق الغرياني، ضمن قائمة العناصر الإرهابية.
يضاف إلى هذه القنوات، قناة ليبيا بانوراما، وتعمل من داخل الأراضي القطرية، وهي تابعة لحزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان الليبية، وتحصل على تمويل سنوي من دولة قطر بقيمة 11 مليون دولار، وفق ما ذكرت مصادر من داخل القناة، تم تسريبها بعد نشوب خلافات مع أحد العاملين.
أمّا قناة “النبأ” التي يمتلكها عبدالحكيم بلحاج، القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة، انطلقت في أغسطس 2013. وبعد سيطرة ميلشيات “فجر ليبيا” على العاصمة أغلقت جميع القنوات الخاصة، وسمحت للنبأ بالعمل، ولعبت هذه القناة دورا واضحا في بث أخبار مضللة، حيث كانت في مقدمة القنوات التي بثت أخباراً عن “موت خليفة حفتر” في فرنسا، خلال العام الماضي.
نبّه العقيد أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، في تصريحات سابقة، من خطورة الفضائيات الليبية التي تبث من تركيا وتخدم أجندات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية، على الأمن والسلم في ليبيا.
وأكد المسماري أن أنقرة لا تدعم الإرهاب في ليبيا بالأسلحة فقط، بل تقوم بتأجيجه إعلاميا، بعد أن أصبحت “قاعدة إعلامية” تحتضن على أراضيها عددا من القنوات الليبية التابعة لعناصر متطرفة وجماعات إرهابية تكن العداء للدولة، وتقود الفوضى في ليبيا وترعى الإرهاب داخلها.
كما عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقِها بشأنِ استمرار تجريم وتخوين الليبيين لبعضهم البعض، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حسب تعبيرها.
وأكدت ضرورة حماية حرية التعبير من قبلِ جميع الليبيين وفي جميعِ أنحاء البلاد، لافتةً إلى أنها تُتابع هذه المسألة عن كثب. واعتبرت البعثة أن هذا الخطاب الذي وصفته بالبغيض يخدم المصالح الضيقة للمستفيدين من الصراع والذين يخشون السلام.