قناعة المصريين بعواقب الفوضى تجعلهم مع دعم الإصلاح

قوى المعارضة في مصر ترفض التفاعل مع دعوات التظاهر التي أطلقها تنظيم الإخوان.
الجمعة 2022/11/11
مساع لاستغلال ملف علاء عبدالفتاح في التحريض على الفوضى

القاهرة - ينتظر مؤيدو ثورة الخامس والعشرين من يناير وثورة الثلاثين من يونيو معرفة كيف تسير الأحداث الجمعة في مصر، تزامنا مع دعاوى تظاهر أطلقها تنظيم الإخوان، وسط استقطاب بدت معالمه واضحة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي الأيام الماضية، حيث بدأ مناصرو التظاهر ومعارضوه عملية حشد واسعة.

وأفرزت معالم ضغط خارجي شديد على الحكومة المصرية للإفراج عن الناشط السياسي علاء عبدالفتاح، حالة عكسية من ردات الفعل صبت في صالح النظام الحاكم وما يسمى بـ”معسكر الثلاثين من يونيو”، وهم مؤيدو الثورة التي أطاحت بنظام الإخوان في العام 2013، ما يقلل من إمكانية أن تشهد البلاد تظاهرات كبيرة تشكل تغييرا في المعادلة الراهنة.

وظهرت عملية إقحام قضية الناشط المصري الذي منحته بريطانيا جنسيتها في أبريل الماضي على هامش مؤتمر المناخ المنعقد في شرم الشيخ، واحتلت مساحة كبيرة من الجدل طغت أحيانا على فعاليات المؤتمر المتعلقة بالقضايا المناخية.

فريدة النقاش: فئة من المصريين على يقين بأن الأوضاع في حاجة إلى الإصلاح
فريدة النقاش: فئة من المصريين على يقين بأن الأوضاع في حاجة إلى الإصلاح

وأدى ما يمكن وصفه بـ”الاستقواء بالخارج” إلى حالة رفض رسمي للإفراج عن عبدالفتاح المضرب عن الطعام والشراب حاليا، والتعاطف الشعبي مع النظام المصري المستهدف من حملة حشد يقوم بها الإخوان دخلت على خطوطها جهات أخرى لأسباب سياسية وحقوقية متباينة.

ويحاول مناصرو عبدالفتاح ومن يقفون في خندقهم استحضار روح ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 التي أسقطت نظام الرئيس حسني مبارك، والسعي نحو حث شريحة كبيرة من الشباب للالتفاف حول تظاهرات الجماعة وتحويل السجين إلى رمز وصناعة أيقونة من صموده في مواجهة سلطة متهمة بتضييق الخناق في الفضاء العام.

ولم يدر بخلد هؤلاء أن حملات التحريض ستجلب نتائج عكسية، حيث استنفر مؤيدو ثورة الثلاثين من يونيو القطاع الشعبي الصامت بمصر للتصدي لمعسكر مناهض للاستقرار.

وبدأت عملية استحضار واسعة لروح هذه الثورة الرافض أنصارها للإخوان ومن يدعمهم، والتعامل معهم كأنهم طابور خامس لقوى خارجية، ومن الضروري التكاتف الشعبي لمنع نجاحهم في العودة للسيطرة على الحركة السياسية في الشارع.

وانتشر وسم “عواجيز يناير”، في إشارة إلى مؤيدي الفوضى، على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، كدليل على عزوف قطاعات عريضة من المواطنين عن دعم الاحتجاجات الجديدة التي دعى لها الإخوان.

ويقول مراقبون إن هناك قناعة شعبية تؤكد أن الوصول إلى سيناريو التظاهر يمهد لانفلات خطير يكون سبيلا لأوضاع أشد قتامة هذه المرة مما حدث عقب ثورة يناير.

ويضيف المراقبون أن الأزمات الاقتصادية يمكن التخفيف من آثارها والحد من تداعياتها السلبية، حال عدلت الحكومة من سياساتها، خاصة أن صعوبات الأوضاع المعيشية لن تختفي بسهولة، وسوف تتعمق من خلال ذيوع الفوضى.

كما أن النتائج القاسية للأزمات أمر اعتاد عليه المصريون منذ سنوات ويتكيفون مع مراحلها المختلفة وفقا لأدواتهم الخاصة للتخفيف منها وليس لزيادتها بالفوضى، ولا ترتبط هذه المرة بحالتهم فقط، فثمة دول عديدة تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة.

وتنحصر الأهداف الظاهرة في الاحتجاجات التي دعى لها الإخوان والقريبون منهم في الإطاحة بالنظام المصري من دون إيجاد آليات متفق عليها بين القوى السياسية في الداخل لتوفير وسائل للتغلب على الأزمات الاقتصادية التي تجتهد القاهرة في حلها.

الأهداف الظاهرة في الاحتجاجات التي دعى لها الإخوان والقريبون منهم تنحصر في الإطاحة بالنظام المصري من دون إيجاد آليات متفق عليها بين القوى السياسية في الداخل

ورفضت معظم قوى المعارضة في مصر التفاعل مع دعوات التظاهر واعتبرتها عملية فاشلة لتكرار دعاوى انطلقت من الخارج ولم تجد وعاء حاضنا لها في الداخل.

وقالت النائبة بمجلس الشيوخ المصري فريدة النقاش إن فئة كبيرة من الشعب المصري على يقين بأن الأوضاع السياسية والحقوقية والاقتصادية في حاجة إلى المزيد من الإصلاح، والمواطنون يسعون للحصول على اعتراف بها للتعامل معها، وقد يقبلون بوضعية تعاني فيها البلاد مشكلات دون أن يأتي شخص من الخارج ليقدم نفسه مخلصا.

واستبعدت في تصريح لـ”العرب” وجود استجابة لدعوات التظاهر بشكل مليوني في الشارع، كما كان يحدث في أثناء ثورتي يناير ويونيو، لأن ذلك يرتبط بوجود أسباب داخلية ملحة وأخطار داهمة تحدق بالمواطنين تدفعهم للتحرك، وهو أمر غير متوافر في الوقت الحالي، ومن الصعب أن يؤثر شخص أو جماعة في عشرات الملايين.

ويؤمن العقل الجمعي للمصريين بأن هناك مكاسب تحققت لا بد من الحفاظ عليها، كما أن اقتصار التنظير السياسي على مواقع التواصل الاجتماعي السنوات الماضية دون ممارسة فعلية يُظهر طبيعة اهتمامات الغالبية العظمى من المواطنين بكيفية تخطي يومهم المعيشي وتوفير “لقمة العيش” بلا ضجيج.

وتدير الأجهزة الأمنية المصرية المشهد بحنكة، وأسهمت في أن تظهر الجوانب الخفية في الدعاوى للتظاهر وفصلها عن الشعارات السياسية النبيلة التي رفعها الداعون لها.

وأكد أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حسن سلامة أن التطورات الأخيرة كانت كاشفة عن أن تسييس أي قضية داخلية لخدمة مصالح قوى منبوذة من المجتمع يصعب أن يأتي بثمار إيجابية، وأن الاتجاه نحو تسليط الضوء على سجين واحد فقط وتوظيفه لتحقيق أهداف تنظيم الإخوان في هدم الدولة مجددا يجعل هناك مخاوف شعبية من النزول إلى الشارع، ما يستحضر روح ثورة يونيو.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن غالبية المصريين يدركون أن الفوضى العارمة التي كانت من إفرازات تحالف سابق بين نشطاء اليسار وتنظيم الإخوان في ثورة يناير لا يمكن أن تؤدي إلى نتائج تفيد المجتمع، والأسهل والأكثر واقعية تصويب عثرات المرحلة الحالية التي حدثت عقب ثورة يونيو.

وذكر سلامة أن إخفاقات ثورة يناير وعدم تحقيق أهدافها بسبب اختطافها من قبل الإخوان جعلت المسألة محسومة للتيار الداعم لثورة الثلاثين من يونيو، لكن مع ضرورة أن تتبنى الحكومة تصورات تقوم على الشراكة مع المواطنين لعبور الأزمات وتحقيق المصلحة العليا المتمثلة في بناء دولة تقوم على المواطنة وتكفل الحقوق للجميع.

واستثمر النظام المصري ما يحدث في تجديد الدعم الشعبي له بدلا من زيادة وتيرة الغضب منه، ولترجيح كفته السياسية يتجه نحو اتخاذ إجراءات تحصنه وتدفع عنه الانتقادات، وبالتالي يكسب جولة مهمة لجلب المزيد من الدعم الشعبي له من خلال الإقدام على حزمة قرارات جريئة بشأن إتاحة المجال أمام ممارسة الحريات العامة والإفراج عن السجناء المحبوسين في قضايا رأي.

2