قناة يمنية مهاجرة تعود للبث لمواجهة الرواية الحوثية

عادت قناة "سهيل" اليمنية للبث من داخل اليمن بإمكانيات متواضعة وبمواجهة مخاطر عديدة بهدف البقاء في المشهد الإعلامي وعدم ترك الساحة خالية للدعاية الحوثية التي تزداد كثافة مع تعدد المنابر ومنحها الإمكانيات اللازمة للتأثير على الرأي العام.
مأرب (اليمن) – أعلنت قناة سهيل الفضائية عودة البث بشكل تدريجي من داخل اليمن، حتى لا تغيب أكثر عن “نقل مستجدات المعركة الوطنية ضد ميليشيا الانقلاب الحوثي”، وريثما يتسنى لها ترتيب مكتبها في الخارج.
وقالت القناة في بيان لها السبت إنها ما تزال تعمل على تجاوز التحديات بكل دأب وإصرار، وقد اضطرت للعودة إلى الواجهة من الداخل بكل ملابساته ومخاطره حتى لا يطول الانقطاع.
وأكدت أنها ستواصل العمل من الأراضي اليمنية في ظل ظروف قاسية ومخاطر محدقة وإمكانيات شحيحة، وبأنها ستظل رأس حربة في مساندة الشرعية والتحالف العربي والتصدي للتضليل الإعلامي الحوثي.
وأضافت القناة أنها مجبرة على الظهور دون المستوى المطلوب، ودون الخارطة البرامجية التي تليق بالحدث (ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر)، وذلك “حتى لا يطول انقطاعنا، وتمر مثل هذه المناسبة دون أن يكون لنا شرف مشاركة الشعب احتفالاته بالعيد وتفاعله مع مستجدات الميدان، ومعادلات الصراع المحتدم بين المشروع الوطني وميليشيا الحوثي”.
وذكرت مصادر صحافية أن القناة ستبث من مأرب في الوقت الحالي دون أن تذكر تفاصيل عن خطتها القادمة.
وقال متابعون للشأن اليمني إن عودة القناة تعتبر خطوة مهمة لاستعادة المنابر اليمنية المحلية ونقل وقائع وأخبار الداخل اليمني بأصوات أبنائه بعد هجرة الكثير من الصحافيين والإعلاميين بسبب الانتهاكات التي يتعرضون لها من قتل واختطاف وتشريد.
كما أن الإعلام الحوثي يواصل الضخ بوتيرة مكثفة للتأثير على الرأي العام مع عدم وجود وسائل إعلام منافسة قادرة على دحض روايته، وقد دشنت وزارة الإعلام الحوثية الأسبوع الماضي البث الرسمي لقناة اليمن الوثائقية.
وأعرب وزير الإعلام الحوثي أن القناة بمثابة سلاح يعتمدون عليه في المعركة ضد الحكومة الشرعية، وقال ضيف الله الشامي “الإعلاميون هم السلاح الذي نقاتل به، والفخر الذي نضعه تاجا على رؤوسنا، هم الجنود الذين لا يقلون أهمية عن الجندي في الجبهة”.
وبيّن أن قناة اليمن الوثائقية ستتحرك في عدة مجالات وبالتأكيد ستصب جميعها لصالح الرواية الحوثية للماضي والحاضر “منها المجال التاريخي عبر مسارات عدة تشمل إبراز التراث من معالم تاريخية وقلاع وحصون ومآثر، وإبراز الشخصيات اليمنية عبر التاريخ والتاريخ العلمي والأفلام العلمية والأفلام السياسية والحروب على اليمن والمنطقة ومحور المقاومة والأفلام التاريخية القديمة ومجال الزراعة والحرف اليدوية والصناعات الصغيرة والمجال السياحي والمحميات الطبيعية”.
ويحرص الحوثيون على زيادة عدد المنابر التابعة لهم، في الوقت الذي يمارسون فيه شتى الانتهاكات ضد الصحافيين ووسائل الإعلام المستقلة لمنعها من تغطية ما يجري على أرض الواقع بشكل مهني وموضوعي، فقناة سهيل هي إحدى وسائل الإعلام التي بثت من الرياض منذ سيطرة الحوثيين على مكتبها في صنعاء عام 2015، حيث صادر المسلحون الحوثيون أجهزة بثها واستولوا على مكتبها بعد يوم من اجتياحهم للعاصمة صنعاء في الثاني والعشرين من سبتمبر 2014 وإغلاقهم العشرات من وسائل الإعلام المحلية.
وتوقفت قناة “سهيل” عن البث من الرياض في يوليو الماضي ووضعت عبارة على شاشتها تتأسف لمشاهديها عن توقف برامجها لأسباب مالية.
وكانت المرة الثانية التي تتوقف فيها القناة عن البث خلال أشهر قليلة لأسباب مالية، حيث أفادت تقارير محلية بأن أسباب توقف القناة هي منع الشركة المؤجرة لأستوديوهات القناة الموظفين من دخولها، بسبب تراكم المستحقات المالية على القناة منذ عام كامل.
ويدرك الحوثيون الدور الحاسم الذي تلعبه الصحافة في حرب اليمن. وتعتبر الخطوة الحاسمة في استيلاء الحوثيين على صنعاء هي الاستيلاء على المنافذ الإعلامية التي تديرها الدولة وإسكات المعارضين السياسيين والنقاد.
وأهملت الجماعة العديد من الصحف والقنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية التي لا تزال تعمل تحت قيادتها. وبدلا من ذلك، تم تحويل الموارد والطاقة الإبداعية إلى شبكة المسيرة الإعلامية التابعة للحوثيين. وقد تأسست الشبكة في جنوب بيروت في عام 2012، وهي على علاقة وثيقة مع محطة المنار من حزب الله، وهما متشابهتان من حيث جودة الإنتاج والتصميم.
قناة "اليمن الوثائقية" التي دشنها الحوثيون حديثا ستتحرك في عدة مجالات جميعها لصالح الرواية الحوثية للماضي والحاضر
وطوّر الحوثيون وأنصارهم حملات إعلامية مصممة لتعبئة وجذب المتابعين. وتشمل المواضيع الشعبية إدانة الغارات الجوية للتحالف والثناء على النجاحات العسكرية الحوثية. وتتم مشاركة اللقطات والصور التي تدعم هذه المواضيع على نطاق واسع وإعادة توظيفها لمجموعة من المقاطع الدعائية، بما في ذلك الأفلام الوثائقية التي ينتجها الحوثيون وحملات جمع التبرعات.
وتؤكد الجماعة بانتظام أن هذا النوع من الحرب النفسية يستخدم ضدهم من قبل منافسيهم، ويلتزم الحوثيون باستخدام وسائل الإعلام كثقل موازن لما يرونه دعاية معادية من قبل السعودية والولايات المتحدة.
وبالتوازي مع ذلك استمر القمع للصحافة المستقلة التي ظهرت في عهد الحوثيين منذ عام 2015 إلى اليوم. وكشفت تقارير عديدة وشهادات لصحافيين عن قيام الحوثيين باعتقال وسجن وتعذيب الصحافيين.
وطالت الانتهاكات التي جاءت في تقرير الحريات الصحافية للنصف الأول من العام 2021 لنقابة الصحافيين اليمنيين، جميع العاملين الإعلاميين والمراسلين والمؤسسات الإعلامية وممتلكات الصحافيين، وقد توزعت من حيث نوعيتها بين الاختطاف والاحتجاز والتهديد والتحريض والمطاردة والمنع من التغطية ومصادرة الصحف ومساءلة الصحافيين.
وتابع التقرير أن جماعة الحوثي ارتكبت 20 حالة انتهاك من إجمالي الانتهاكات، بينما ارتكبت الحكومة الشرعية بمختلف تشكيلاتها وهيئتها 10 حالات انتهاك، فيما ارتكب المجلس الانتقالي الجنوبي 6 حالات.
ولا يزال هناك تسع صحافيين مختطفين لدى جماعة الحوثي (وحيد الصوفي، عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، أكرم الوليدي، حارث حميد، نبيل السداوي، محمد عبده الصلاحي، وليد المطري ومحمد علي الجنيد) أربعة منهم صدرت بحقهم أحكام جائرة بالإعدام (عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، أكرم الوليدي وحارث حميد).
وهناك أيضا الصحافي محمد قائد المقري مغيب لدى تنظيم القاعدة بحضرموت منذ العام 2015.
وذكر التقرير أن استهداف الأطراف المتحاربة في اليمن للصحافيين ولوسائل الإعلام في ازدياد بشكل يومي، خاصة ضد من تعتبرهم معارضين ومتورطين في النزاع، وقال إن الحريات الإعلامية في اليمن قد تعرضت منذ بداية الحرب لأكثر من 1400 انتهاك بينها 38 حالة قتل طالت صحافيين ومصورين وعاملين في وسائل الإعلام.
وأضح أنه منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2015 بات اليمن من أخطر الأماكن على حياة وسلامة الصحافيين، ناهيك عن حالات الإفلات من العقاب المستشرية، مما أدى إلى شح التغطية الإخبارية للأزمة اليمنية.
ورصدت نقابة الصحافيين اليمنيين في تقريرها الأخير 112 حالة انتهاك خلال العام 2020.
وقال الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين أنتوني بيلانجي “إننا ونقابة الصحافيين اليمنيين ندين هذا العنف المستمر في حق العاملين في مجال الإعلام في اليمن. يجب إطلاق سراح جميع الصحافيين المختطفين وإلغاء أحكام الإعدام على الفور، ونحث السلطات على اتخاذ خطوات عاجلة لضمان سلامة الصحافيين والقضاء على ثقافة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في حق الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام”.