قناة "هي" المصرية.. قناة المرأة الغارقة في التفاصيل المحلية

تم تدشين فضائية مصرية خاصة تحمل اسم “هي” موجهة إلى المرأة بشكل خاص لمحاربة الصور النمطية عن الرجل أو المرأة التي رسخها الإعلام المصري. لكن إعلان تعاقدها مع بعض ملكات الجمال السابقات وفنانات احتجبن عن المشهد مؤخراً يشي بنفي وجود أهداف نوعية تعمل على تحقيقها مثل توعية المجتمع.
القاهرة - تصدرت القضايا الفئوية الخاصة بالرجل والمرأة الترند على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مؤخرا مع تحول الكثير من البرامج التي تدافع عن حقوق كليهما إلى حلبة مصارعة انتقلت تأثيراتها إلى المجتمع، وتركت مردوداً على متابعات تلك البرامج، تزامنًا مع توظيف بعض الفضائيات لما يدور بها من جدل كإحدى أدوات التسويق عبر نشر مقاطع فيديو قصيرة تلقى تفاعلاً واسعاً من المواطنين.
وتمخض عن هذه الحالة تدشين فضائية خاصة تحمل اسم "هي" وانطلق بثها التجريبي الشهر الماضي، واستعانت بعدد من الإعلاميات اللاتي برعن في تقديم هذا النوع من البرامج على فضائيات مصرية مختلفة في السنوات الماضية.
وقدمت القناة خريطة برامج تقوم على مناقشة قضايا المرأة وأبعادها الاجتماعية ومزجها بمناقشة قضايا عامة لا تخلو من سطحية تسود في كثير من البرامج الفئوية.
تقدم القناة الوليدة نفسها على أنها “قناة المرأة العربية”، لكنها تبدو مستغرقة في تفاصيل محلية وتحاول السير على الطريق الذي يسلكه هذا النوع من البرامج عبر إثارة الجدل من خلال الآراء المتباينة التي تعرضها، ويغلب عليها الطابع الشاذ بما يحمله من عناصر جذب للجمهور، فضلا عن توسعها في تقديم برامج "الطبخ" و"الإتيكيت" كي تجذب شرائح عديدة من ربات البيوت.
واستقطبت القناة المذيعة المصرية الشهيرة نجوى إبراهيم وسوف تقدم برنامجا يحمل صبغة اجتماعية في شهر رمضان المقبل، بجانب مذيعات وفنانات شاركن من قبل في تقديم محتويات لها علاقة بالمرأة، بينهن الإعلامية أميرة بدر التي تقدم برنامج “توك شو” يوميا يحمل اسم "ملفات".
واستعانت القناة بفتيات قدمن محتويات على منصات التواصل الاجتماعي وخاطبن المرأة منهن ريهام عياد التي قدمت حلقات تحمل اسم “القصة وما فيها” على يوتيوب.
ودائما ما تطغى الأبعاد التجارية على المضامين التي تخاطب الرجل أو المرأة، وفي الحالتين يبقى التعويل على ما تثيره من جدل وليس ما تقدمه من خطاب يمكن أن يساهم في علاج المشكلات الأسرية، ما يشكل عامل جذب لفئات ترى فيها سبيلاً مناسبًا للخروج من صعوبة الواقع والاستغراق في المثالية أحيانا، والتطرف في أحيان أخرى، من دون مواجهة حقيقية لما تمرّ به من أزمات.
وتعتمد القناة الجديدة على بيع ساعات الهواء والمنتشرة في بعض وسائل الإعلام المصرية، ويشي إعلان تعاقدها مع بعض ملكات الجمال السابقات وفنانات احتجبن عن المشهد مؤخراً بنفي وجود أهداف نوعية تعمل على تحقيقها، مثل توعية المجتمع. لكن يبقى العامل الأهم هو نجاح المشروع بشكل تجاري والاستفادة من حصيلة الإعلانات التي تتجه للبرامج المقدمة على الفضائية الجديدة.
وقال أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس حسن علي إن الاتجاه نحو إنشاء القنوات المتخصصة أمر إيجابي بعد أن تراجعت لصالح الفضائيات العامة السنوات الأخيرة، ومن المهم تحديد الأهداف المرجوة من إطلاق مثل هذه الفضائيات، والتعرف على الإستراتيجية التي سوف تتبعها باعتبارها منصة لمخاطبة الأسر التي تأثرت سلبًا بالمحتويات السطحية التي توجه إليها بشكل مستمر.
وأضاف في تصريح لـ"العرب" أن الطريقة التي تدار بها الفضائية الحديثة تشير إلى أنها أداة دعائية تريد أن تستفيد من حالة الاشتباك الدائمة بين الرجل والمرأة، واختفاء الحدود الفاصلة بين الإعلان والإعلام، واستمرارها لفترة طويلة يرتبط بمدى قدرتها على التمويل الدعائي الذي يمكن أن تحققه في الظروف الراهنة.
ولفت علي إلى أن غياب الإستراتيجيات العامة التي تنظم عمل الإعلام في مصر يدفع إلى أن تظهر فضائيات ومنصات دون أن يعرف أحد أسباب ظهورها في هذا التوقيت، وتساءل “هل تشكل المحطة الجديدة إضافة إلى سوق الإعلام من عدمه، وهل فشلت المئات من البرامج التي تخاطب الرجل والمرأة في أداء دورها حتى تكون هناك فضائية متخصصة لتداري عوراتها وتساعد في تصويب الخطاب الموجه للجمهور؟”.
وهيمنت الآراء المثيرة للجدل التي تبنتها الإعلامية ياسمين عز مقدمة برنامج "كلام الناس" على فضائية "إم.بي.سي مصر" على النصيب الأكبر من النقاشات حول ما يتم عرضه في الفضائيات المصرية بعد أن استغرقت في الدفاع عن الرجل وتحميل المرأة مسؤولية كل ما يحدث من أزمات اجتماعية، وتماشى البرنامج مع حالة التحفز المجتمعي التي تركتها برامج سابقة اتجهت إلى تأليب المرأة على الرجل.
وعبّر دخول المجلس القومي للمرأة (حكومي) في مصر خط المعارك التي احتدمت على منصات التواصل الاجتماعي عن أن الخوض في مشكلات فرعية وترك أزمات اجتماعية تأخذ في الانتشار تأثراً بالأوضاع الاقتصادية يجد آذانا صاغية لدى هيئات حكومية وإن كان تدخلها على سبيل الانتقاد.
وتقدمت رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي بشكوى إلى المجلس الأعلى للإعلام ضد الإعلامية ياسمين عز اعتراضا على المحتوى الذي تقدمه، ورأت أنه يمثل إهانة وتحقيرا وتقليلا من شأن المرأة ويضر بها، ويعمل على تغييب الوعي بعد ساعات من دخولها في تراشق كلامي على منصات التواصل الاجتماعي مع مذيعة البرنامج.
وتغيب الثقافة السياسية والاجتماعية عن عدد كبير من المذيعات اللاتي يقدمن برامج فئوية، ما يُفقدها أهم أدوارها التي من المفترض أن تقوم بها من خلال التوعية، وتتحول بشكل ملفت إلى أداة تساهم في تغذية التطرف للمواقف التي تتبناها هذه المذيعة أو تلك لصالح الرجل أو المرأة، وتفتقد إلى الموضوعية التي تحتاجها البرامج الفئوية لتحقيق أهدافها الإعلامية المهنية.
وأسهم الإعلام المصري في ترسيخ صور نمطية عن الرجل أو المرأة من خلال برامج حققت شهرة واسعة انطلقت السنوات الماضية، أغلبها يركز على الأنانية والخيانة والغيرة والتفرد بالرأي والاستقواء على الآخر، وتجاهلت البيئة المحيطة بكثير من الأسر التي تتابع هذه البرامج، وتحاول إنزال ما تسمعه من نصائح وآراء على أرض الواقع وفي النهاية تكون سببًا في إفشال العلاقات الأسرية.
وقالت صحافية متخصصة في شؤون المرأة لـ"العرب" إن الأزمة الظاهرة في المحتويات الإعلامية المتعلقة بالمشكلات الفئوية تتمثل في تسليطها الضوء على المشكلات التي تبرز على مواقع التواصل الاجتماعي والتعامل معها باعتبارها ظواهر عامة، ما يستهدف تحقيق الربط بين تلك البرامج والمنصات الرقمية التي تساعد على انتشار حلقات البرنامج، ودائما ما تكون سببًا في جذب المعلنين.
وأوضحت، طالبة عدم ذكر اسمها، أن تراجع المعارف الاجتماعية لعدد كبير من المذيعات اللاتي ليست لديهن احتكاكات مباشرة بما يدور في الشارع يؤدي إلى ترسيخ مفاهيم خاطئة، ويتجاهل القائمون على البرامج الأثر السلبي الذي تتركه في المجتمع.
وتفتقد عناصر العمل داخل الفضائيات والبرامج المهتمة بشؤون المرأة إلى الخبرة المطلوبة، ما يجعل الإعلام المصري مناهضا لحقوق المرأة وإن توسع في البرامج أو القنوات التي تناقش قضاياها، لأنها تتسم بالسطحية وتخصص أوقاتا أطول للتجميل والموضة التي ترتبط بعوائد إعلانية.