قمر صناعي مصري يغطي أفريقيا بلا محتوى متخصص

تواجه الحكومة المصرية صعوبات عديدة في تقديم محتوى إعلامي جيد يخاطب الخارج، وبدأت الأزمة تتّخذ أبعادا أكبر في قارة أفريقيا التي خسرت فيها القاهرة معركة النفوذ الإعلامي بعد أن كانت في صدارة المشهد خلال ستينات القرن الماضي عبر الإذاعات الموجهة.
القاهرة - تحاول مصر حاليًا اللحاق بالتطورات التكنولوجية والإعلامية التي فاتتها دون امتلاك خطة واضحة أو خطاب إعلامي قادر على إقناع شعوب القارة الأفريقية بوجهة النظر المصرية تجاه قضايا مختلفة، أبرزها التعامل مع أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وأطلقت القاهرة القمر الصناعي “نايل سات 301” أخيرا، ويستخدم لأغراض بث القنوات التلفزيونية والإذاعات وخدمة الإنترنت من خلال تكنولوجيا حديثة، بما يضمن تغطية أوسع في المناطق النائية داخل مصر أولا.
ويمنح القمر ترددات جديدة تمكّن القاهرة من التغطية حتى جنوب أفريقيا ومنطقة حوض النيل والقرن الأفريقي التي يدخلها البث الفضائي المصري لأول مرة، وتشهد منافسة بين أقمار صناعية موجهة إلى عدّة بلدان تخوض معركة النفوذ فيها.

ليلى عبدالمجيد: الأزمة تكمن في العثور على الكفاءات القادرة على إنتاج محتوى
ومن المقرر أن يكون القمر الجديد بديلاً عن الحالي “نايل سات 201” الذي ينتهي عمره الافتراضي في العام 2028، ويزن 4.1 طن ويضم 38 قناة قمرية مقابل 26 قناة على القمر الحالي 201، ومن المقرر أيضا أن يبقى تحت الإدارة المصرية الكاملة بحلول يوليو المقبل مع تجريب الترددات الجديدة.
ويندرج إطلاق القمر الصناعي في مدارات لم تصل إليها الأقمار الصناعية السابقة ضمن خطة للتوجه نحو شعوب القارة الأفريقية مع تصاعد حدة أزمة سد النهضة؛ إذ أن الاتفاق على إطلاقه منذ العام 2016 جاء بالتزامن مع تحركات دوائر عديدة طالبت بضرورة تدشين رؤية إعلامية متكاملة للوصول إلى شعوب القارة السمراء، ورغبة القيادة السياسية آنذاك في تعميق العلاقات مع دول أفريقيا.
وقالت أستاذة الإعلام السياسي بجامعة القاهرة ليلى عبدالمجيد إن القمر الجديد يتيح إمكانيات متطورة يمكن توظيفها للوصول إلى الدول الأفريقية، غير أن الأزمة تكمن في العثور على الكفاءات القادرة على إنتاج محتوى يتناسب مع القطاعات المختلفة في بلدان عديدة لم يكن هناك تواصل معها بالشكل المطلوب طيلة السنوات الماضية، ولذلك يشير الواقع الراهن إلى صعوبة الاستفادة المثلى من القمر الجديد.
وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن إثيوبيا استطاعت أن تصل إلى الشعوب العربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أن الإعلام المصري بكافة إمكانياته يفتقر إلى القدرات المواتية لمجاراتها، والتحجج بالأزمات المالية ليس منطقيًا، لأن الأزمة الحقيقية هي أننا نفتقد إلى الرؤية الصائبة التي تستطيع النفاذ إلى الشعوب الأفريقية، وسيكون مطلوبا من الجهات الإعلامية القيام بتحركات عملية لدبلجة الأعمال الفنية المصرية ومخاطبة الآخر ثقافيًا أولاً قبل الوصول إليه إعلاميا.
وعلى مدار السنوات الماضية توالت تحركات جهات إعلامية في محاولة لإيجاد مسارات للتواصل مع القارة، وتعددت دورات تدريب الصحافيين الأفارقة في معهد تدريب الإعلاميين الأفارقة التابع للهيئة الوطنية للإعلام، وتواصلت مع عدد من الإذاعات المحلية في القارة، لكن ذلك لم ينعكس على إعادة ترميم الإذاعات الموجهة التي تقلص عدد ساعات بثها ليصل إلى أربع ساعات يوميًا.
واستمرت عشر إذاعات موجهة على الموجات القصيرة والمتوسطة التي تصل منها فترات زمنية محددة على مدار اليوم لا تتجاوز الساعات الأربع، ولا تستطيع النفاذ إلى الجمهور المحلي مع انتشار إذاعات على موجات “أف. أم” وتعمل على مدار اليوم.

إطلاق القمر الصناعي يندرج ضمن خطة للتوجه نحو شعوب القارة الأفريقية مع تصاعد أزمة سد النهضة
وانطلق البث المباشر للبرامج الإذاعية المصرية قبل عام تقريبًا باللغة السواحيلية إلى منطقة شرق ووسط أفريقيا من بوجمبورا عاصمة بوروندي، بالاشتراك مع “راديو ثقافي” ثاني إذاعة خاصة هناك، وتغطي دول الكونغو الديمقراطية ورواندا وتنزانيا، إضافة إلى بوروندي، ويمكن استقبالها عبر الإنترنت.
وأكد رئيس قطاع الأخبار الأسبق باتحاد الإذاعة والتلفزيون إبراهيم الصياد أن قدرة مصر على الوصول إلى العالم الخارجي تأثرت بتطورات الأقمار الصناعية وازدحام الفضائيات العربية والأجنبية، واستطاع “نايل سات” في انطلاقته الأولى خلال تسعينات القرن الماضي أن يصل بالصوت المصري إلى العديد من الدول العربية والأوروبية، لكنه لم يصل بالشكل الكافي إلى عدد كبير من الدول الأفريقية.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه جرت إتاحة قناة “نايل تي في” التي تبث باللغة الإنجليزية والفرنسية على أقمار صناعية أخرى موجهة إلى أوروبا لتسهيل وصولها إلى عمق القارة الأفريقية، وهو ما لم يكن كافيًا، سواء أكان ذلك على مستوى نسبة وصول القناة إلى الجمهور الأفريقي أم على مستوى الخطاب ذاته الذي تقدمه القناة ولا يتماشى مع الثقافات الأفريقية واللغات المحلية العديدة التي تتحدث بها.
وذكر أن الجهات التي تقع على عاتقها مهمة تطوير الخطاب الإعلامي وتوصيل الرسالة المصرية إلى الخارج بوجه عام تعمل في جزر منعزلة، وأن الهيئة العامة للاستعلامات التي عليها مهمة التواصل مع وسائل الإعلام الدولية وكذلك الهيئة الوطنية للإعلام المسؤولة عن الإعلام الحكومي والبعثات الدبلوماسية في الخارج تفتقر إلى الحد الأدنى من التواصل الذي يسمح بتطوير محتوى الخطاب الإعلامي بشكل يضمن التأثير الإيجابي.

إبراهيم الصياد: قدرة مصر على الوصول إلى العالم الخارجي تأثرت
ويتفق العديد من الخبراء الإعلاميين على أن القاهرة بحاجة إلى أفكار غير تقليدية تمكنها من اقتحام مكاتب الإعلام الخارجي، وأن الوفود الإعلامية التي جاءت إلى مصر أخيراً للمشاركة في الدورات التدريبية عبرت عن انقطاع صلات التواصل معها داخل بلدانها من قبل الإعلام المصري، بجانب عدم وجود منابر قادرة على توصيل وجهة النظر الرسمية، وبالتالي يتمثل البديل في القنوات الدولية التي لدى بعضها مشكلات مع النظام المصري.
ولدى هؤلاء الخبراء قناعة بأن الأزمة المالية التي شكلت عائقًا أمام الحكومات المتعاقبة لمخاطبة أفريقيا لم تعد بالصعوبة التي كانت عليها وأصبح من الممكن تدشين منصات إلكترونية بالاستفادة من التقنيات المتطورة التي يوفرها القمر الصناعي الجديد في الوصول إلى شعوب القارة، والاستفادة من مئات المذيعين والصحافيين الأفارقة الذين درسوا من قبل في جامعات مصرية، وتكمن الأزمة في تدشين خطة متكاملة.
وأطلقت تركيا منذ نحو شهرين منصة رقمية متخصصة في نشر الأخبار والمواد الإعلامية المختلفة لمخاطبة الدول الأفريقية الناطقة باللغة الفرنسية.
ونظمت أنقرة قمة تركية - أفريقية للإعلام بالتزامن مع يوم أفريقيا الشهر الماضي، حضرها 80 صحافيا من 45 دولة أفريقية وعدد من الدبلوماسيين الأفارقة ومسؤولون عن مؤسسات رسمية وخاصة ومنظمات مدنية وبعض الأكاديميين.