قمة كريت تكرس توازنات القوى الجديدة في شرق المتوسط

انتظام عقد القمة الثلاثية يعكس الحرص على تنسیق الجهود وإعادة ترتیب الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المنطقـة.
الخميس 2018/10/11
علاقة تستفز قوى إقليمية

القاهرة - تشكل القمة السادسة التي عقدت، الأربعاء، في جزيرة “كريت” بين قادة مصر واليونان وقبرص، تكريسا للتحالف الإقليمي الجديد بين الدول الثلاث، وهندسة مغايرة لتوازنات القوى في منطقة شرق البحر المتوسط.

وأكد بيان للرئاسة المصرية، الأربعاء، أن القمة تهدف إلى البناء على ما تحقق خلال القمم الخمس السابقة وتقييم التطور في مختلف مجالات التعاون ومتابعة المشروعات الجاري تنفيذها في إطار الآلية، في سياق دعم وتعميق العلاقات المتميزة بين الدول الثلاث، وتعزيز التشاور السياسي بينها حول سبل التصدي للتحديات التي تواجه منطقتي الشرق الأوسط والبحر المتوسط.

ويعكس انتظام عقد القمة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء اليونان أليكسيس تسيبراس، ورئيس قبرص نيكوس انستاسياديس، الحرص على تنسیق الجهود وإعادة ترتیب الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المنطقـة، والتي تتجاوز تطوير الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي وترسيم الحدود البحرية، إلى بناء كيان رادع للجهات المزعزعة للاستقرار، مثل تركيا والجماعات الإرهابية، والهجرة غير الشرعية.

وتشير بعض الدوائر الغربية إلى أهمية دعم هذا النوع من التطورات لمواجهة التحركات الروسية والتركية المتزايدة، والتي تضر بمصالح بعض القوى الكبرى.

وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من تنامي التقارب بين موسكو وأنقرة، مع تزايد الوجود العسكري الروسي في شرق المتوسط، والذي قدّرته كل من وزارة الدفاع الأميركية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بحوالي 12 سفينة حربية روسية، منها ما هو مجهز بصواريخ كروز.

الولايات المتحدة تشعر بالقلق من تنامي التقارب بين موسكو وأنقرة، مع تزايد الوجود العسكري الروسي في شرق المتوسط

وكشف تقرير لمؤسسة راند الأميركية أن موسكو تسعى إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية من وراء تطوير علاقتها مع تركيا في الوقت الراهن، أبرزها تقويض دور الناتو، وتغذية الشكوك المتبادلة بين أنقرة وحلفائها في الغرب، وإعاقة معارضة أنقرة للأعمال الروسية في منطقة أوراسيا والشرق الأوسط. ويبدو أن إعادة توازنات القوى في منطقة شرق المتوسط على النمط المطروح أميركيا وأوروبيا، يحقق مصالح وأهداف مشتركة لكل من قادة الدول الثلاث، ويضمن لهم توفير قوة سياسية مضافة تمكنهم من مواجهة التحديات التي تتعمد أنقرة خلقها.

ويساهم تعاون القاهرة مع الدولتين في “ردع” تركيا وكبح جماح أنشطتها المؤثرة في استقرار المنطقة والمقصود منها استفزاز قوى مناوئة، وآخرها إعلان وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، الثلاثاء، إطلاق أول عملية تنقيب عن موارد الطاقة في البحر المتوسط عبر سفينة “الفاتح” نهاية شهر أكتوبر الجاري، في المناطق المتنازع عليها مع قبرص.

وقالت وزارة الخارجية التركية، الأسبوع الماضي، إنها لن تسمح لشركات الطاقة الأجنبية بمتابعة استكشاف الغاز قبالة ساحل قبرص، بعد أن ذكرت شركة الطاقة الأميركية “إكسون موبيل” مؤخرا أنها ستبدأ الحفر قبالة قبرص مع نهاية العام الجاري في القطاع 7 من منطقتها الاقتصادية الخالصة.

Thumbnail

وترى قبرص واليونان، أن مصر يمكن أن تلعب دورا مهما في تأمين استقرار طويل الأجل على جانبي المتوسط، فقد أصبحت القاهرة شريكا استراتيجيا للدولتين في مواجهة الهجرة غير الشرعية، ونجحت في إيقاف رحلات الهجرة من سواحلها إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما دفع العديد من الدوائر الغربية للمطالبة بإشراكها في حل معضلة التعامل مع اللاجئين والمهاجرين، والاتفاق على عقد قمة أوروبية عربية في فبراير المقبل بالقاهرة لمناقشة هذه القضية.

ويمثل التعاون مع أثينا ونيقوسيا رصيدا سياسيا جيدا كي تصبح مصر مركزا إقليميا لتصدير الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، وزيادة أهميتها الجيوسياسية ليس فقط لدول هذه المنطقة وإنما أيضا لدول الاتحاد الأوروبي الساعية إلى تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، الذي يشكل حوالي 40 بالمئة من إجمالي الواردات الأوروبية من الغاز الطبيعي.

ويصب كل ذلك في مربع القوة المصرية، ويخصم من رصيد المناوئين لها، مثل تركيا وقطر. وهو ما يفسر نمط التطور الإيجابي متصاعد الأوجه بين مصر والعديد من الدول الغربية، التي تحاول بدورها تأمين مصادر متنوعة للطاقة.

ويحل التعاون بين القاهرة ونيقوسيا المشكلة المتبقية لتصدير الغاز القبرصي المكتشف في شرق المتوسط إلى أوروبا، ما يفتح الباب واسعا أمامها للحصول على موارد مالية ضخمة نتيجة تطوير حقل “أفروديت” للغاز الطبيعي، وتجني القاهرة من وراء ذلك عوائد مالية مهمة نتيجة رسوم العبور والضرائب والجمارك وغيرها.

Thumbnail

وتستفيد اليونان وقبرص اقتصاديا وتجاريا من اتفاقيات التجارة الموقعة بين مصر ودول أفريقية مختلفة، وتنفيذ برامج سياحية مشتركة بين الدول الثلاث، كما أن شركات يونانية وقبرصية عديدة أبدت اهتماما ببحث إمكانية الاستثمار في منطقة محور قناة السويس بينما تسعى مصر للاستفادة من خبرة اليونان وقبرص في إدارة الموانئ والربط بين موانئ الدول الثلاث لخدمة التجارة البينية والعالمية.

ومرجح أن يتم تكريس العلاقات الصاعدة من خلال النتائج الإيجابية المتوقعة لقمة كريت، في ظل بروز مؤشرات واضحة تؤكد تنامي التوافق السياسي بين قادة الدول الثلاث، وهو ما ظهر في توقيع مصر وقبرص رسميا، في 18 سبتمبر الماضي، على أول اتفاق من نوعه لإقامة خط أنابيب بحري مباشر، بتكلفة تبلغ مليار دولار، لنقل الغاز الطبيعي من حقل “أفروديت” القبرصي إلى تسهيلات الإسالة في شمال مصر وإعادة تصديرها إلى الأسواق العالمية.

ونجحت الدول الثلاث في تعزيز تعاونها العسكري مؤخرا، وهو ما تمثل في إجراء مناورات “ميدوزا 6” في شهر يونيو الماضي، وكانت أكبر التدريبات البحرية الجوية المشتركة التي تنفذ في البحر المتوسط، واشتملت على تنفيذ العديد من الأنشطة.

2