اليابان وافد جديد يضاف إلى تعقيدات عسكرة الخليج

بعدما صادقت الحكومة اليابانية مؤخرا على إرسال قوة دفاع لضمان أمن الملاحة في منطقة الخليج، أثير الجدل حول هذه الخطوة غير المسبوقة والتي يرى فيها البعض أنها ستضاعف ملامح عسكرة المنطقة. ورغم وجود إجماع على أنه من غير المتوقع أن تلعب طوكيو دورا مؤثرا في حفظ أمن الملاحة، فإن هذه الخطوة قد تكشف مستقبلا مواقفها واصطفافاتها الحقيقية إن حصل أي صراع عسكري بين طهران وواشنطن.
القاهرة – في خطوة غير مسبوقة في منطقة الشرق الأوسط، صادقت الحكومة اليابانية الجمعة، على إرسال قوة دفاع لضمان أمن الملاحة البحرية في منطقة الخليج العربي التي تستورد منها طوكيو حوالي 90 بالمئة من النفط الخام.
تبدأ القوة مهامها مع إطلالة العام الجديد،عندما تبحر المدمرة الحربية “تاكانامي” التي يبلغ وزنها 4650 طنا، وطائرتان من طراز P-3C المضادة للغواصات، للقيام بدوريات هناك بهدف جمع المعلومات البحرية والمساعدة في ضمان الملاحة الآمنة للآلاف من السفن ذات الصلة باليابان وتمر في المنطقة.
مهمة صعبة
من المتوقع أن تبدأ الطائرتان العمل أولا. أما المدمرة سوف تغادر البلاد في أوائل شهر فبراير، كي تبدأ مهمتها منتصف الشهر نفسه. وسيكون هناك حوالي 200 من أفراد الطاقم على متن المدمرة، وسيتم وضع نحو 60 من العاملين في وحدة P-3C.
تخطط طوكيو في العام المالي الجديد لإنفاق 4.68 مليار ين (42.7 مليون دولار) على هذه القوة، التي تستمر في مهامها لمدة عام، حتى 26 ديسمبر المقبل.
تبدو هذه القوة العسكرية المحدودة نسخة خاصة تقدمها اليابان لحفظ أمن الملاحة في المنطقة، بعد استبعاد المشاركة في تحالف تقوده الولايات المتحدة لحماية ناقلات النفط وسفن الشحن من التهديدات الإيرانية.
مصادقة طوكيو على إرسال قوة لحفظ أمن الملاحة في الخليج تثير تساؤلات عما إذا كانت ستحافظ على حيادها في حالة المواجهة بين طهران وواشنطن
ولن تتم أنشطة الحراسة اليابانية في مضيق هرمز الذي يمر عبره الجزء الأكبر من إمدادات النفط العالمية، حيث يجري التحالف الذي تقوده واشنطن عملياته، وسيتم نشر القوات اليابانية في خليج عمان وبحر العرب وخليج عدن.
تهدف النسخة اليابانية إلى حفظ أمن الملاحة في الخليج وإلى تجنب إعطاء الانطباع بأن طوكيو تقف إلى جانب الولايات المتحدة مباشرة ضد إيران التي تحتفظ معها منذ فترة طويلة بعلاقات ودية.
أسهمت العلاقة الوطيدة في تحقيق أمن الطاقة باليابان التي تعد مستوردا رئيسيا للنفط الإيراني على مدى عقود قبل فرض عقوبات اقتصادية أميركية على طهران.
وتشير بعض المعطيات إلى أن الإيرانيين منحوا الضوء الأخضر لإرسال اليابان قواتها العسكرية إلى المنطقة، خلال زيارة حسن روحاني الأخيرة إلى طوكيو، رغبة منهم في استئناف طوكيو شراء النفط، ومن خلال اتفاق ضمني يقوم على اقتراح إيراني بقيام الشركات اليابانية بالالتفاف على العقوبات الأميركية عبر تقديم خدمات تقنية للمصافي الإيرانية مقابل الحصول على النفط، بما يعني عدم القيام بتحويل أموال لجهات إيرانية أو شراء النفط من طهران، والاحتفاظ به كمخزون استراتيجي دون استخدامه في الفترة الحالية.
ألمحت إيران إلى قيام بعض الشركات الصينية بمثل تلك التحركات، لكن هذا المقترح يصطدم بانعدام الرغبة لدى الشركات اليابانية في خرق العقوبات الأميركية.
يأتي إطلاق اليابان لمهمتها في حفظ أمن الملاحة بالخليج بعد ازدياد التوترات العسكرية في المنطقة بشكل حاد، عقب الهجوم على ناقلتين نفطيتين، إحداهما كانت تحمل نفطا إلى اليابان.
استجابت طوكيو بطريقتها الخاصة لضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وطالبها بلعب دور أكثر نشاطا في حماية مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، حيث اشتكى من أنها تدفع “تعويضا صفريا” عن دوريات حماية ممرات الشحن في المنطقة، وحضها على تغطية المزيد من تكاليف نشر القوات الأميركية في منطقة الخليج، وفي اليابان.
واصطدمت دوما رغبة الرئيس الأميركي في زيادة الدور العسكري الياباني في المنطقة، بعقبات قانونية ودستورية، فضلا عن حالة من الرفض الشعبي.
فشل الوساطة اليابانية

يحد دستور اليابان السلمي، خاصة مادته التاسعة الشهيرة، من قدرات طوكيو على المشاركة في التحالفات العسكرية الدولية. لذلك تصر الحكومة على وصف مهمتها العسكرية الجديدة في الخليج بأنها إحدى مهمات “التحقيق والبحث”.
ويتفادى هذا الوصف القيود الدستورية، لأن قانون قوات الدفاع الذاتي، لا تحتاج مادته الرابعة، إلى موافقة البرلمان أو حتى رئيس الوزراء في مثل هذه المهام. وتكون لوزير الدفاع وحده القدرة على اتخاذ قرار إرسال قوات الدفاع الذاتي إلى أي مكان.
يأتي نشر القوة العسكرية اليابانية متسقا مع تحركات رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الرامية إلى إعادة تفسير الدستور بما يجعل بلاده دولة طبيعية ذات دور مؤثر في حفظ الأمن والاستقرار العالميين.
وبدأت بشائر هذا الأمر تظهر في شكل تعزيز التواجد العسكري في قاعدة لليابان في جيبوتي، تأسست عام 2011 لإطلاق عمليات متنوعة لمكافحة القرصنة.
جاءت الخطوة اليابانية أيضا لتؤكد التوقعات بأن وساطة طوكيو بين واشنطن وطهران فشلت، أو ماتت إكلينيكيا على الأقل، لأنها جاءت بعد أيام معدودة من قيام الرئيس روحاني بأول زيارة لرئيس إيراني إلى طوكيو منذ عشرين عاما، لتخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة.
في ضوء هذه المعلومات تبدو منطقة الخليج مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد والتوتر، في ظل عدم استبعاد حدوث تطورين بالغي الخطورة. أحدهما، إقدام إيران أوائل العام الجديد على تخفيض التزاماتها بموجب اتفاقية عام 2015 المصممة لتجميد برنامجها النووي، حيث هددت باتخاذ خطوة جديدة لتخفيض التزاماتها كل 60 يوما بالضغط على الدول الغربية، بما فيها فرنسا وبريطانيا واليابان لتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران أو تحديها.
أما التطور الآخر، فهو زيادة ملامح العسكرة في منطقة الخليج ودخول أطراف لم تكن معروفة بالمشاركة فيها من قبل، لاسيما مع المناورات المشتركة بين إيران وروسيا والصين التي انطلقت أيضا الجمعة الماضي، مقابل تحركات أميركية تجلت في نشر قوات في جزيرة سقطرى، وسط أنباء عن تحضيرات لنشر منظومة رادارات ودفاع جوي “باتريوت”.
وهنا تساءل بعض الخبراء عما إذا كانت اليابان تستطيع المحافظة على حيادها في حالة اندلاع صراع عسكري بين إيران وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي؟
عبّر مسؤولون في طوكيو عن استعداد قوات بلادهم في الخليج “للتعاون مع قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، وقد تزودها بالمعلومات الاستخباراتية اللازمة”، ما يضع قوات اليابان في مربع العداء مع قوات الحرس الثوري الإيراني مباشرة، ويزيد مخاوف الرأي العام الرافض أصلا لإرسال قوات إلى منطقة مشحونة بالتوتر والصراع، لما يمكن أن تجلبه من مشكلات.
ليس من الواضح حتى الآن إلى أي مدى سوف تستطيع القوات العسكرية الجديدة في الخليج حفظ أمن الملاحة. فالقانون الياباني ينص على عدم قدرة هذه القوات على استخدام الأسلحة للدفاع عن السفن التي تحمل أعلاما أجنبية، بينما يتم تسجيل معظم ناقلات النفط التي تديرها الشركات اليابانية في البلدان الأجنبية بسبب انخفاض تكاليف التشغيل هناك.
لم يوضح وزير الدفاع الياباني، تارو كونو، عندما سئل عما إذا كانت قوات الدفاع الذاتي سوف تدافع عن مثل هذه السفن ذات العلم الأجنبي وتديرها شركات يابانية، واكتفى بالقول، القرار في هذا الخصوص سوف يتم اتخاذه وفقا “لكل حالة على حدة”، لافتا إلى أن تكتيكات الدفاع المحتملة في هذه الحالات تشتمل على توجيه تحذير شفهي أو إرسال المدمرة بالقرب من هذه السفن.
كل هذه الإجراءات محدودة للغاية، وليس من المتوقع أن تلعب دورا مؤثرا في حفظ أمن الملاحة في منطقة الخليج التي تتلاطم فيها الكثير من الأمواج العسكرية، التي توشك أن تتصادم دون أن يعرف أحد المدى الذي يمكن أن تذهب إليه. وهو ما يضع القوات اليابانية على محك التطورات المقبلة.