قمة طرابلس تؤكد أهمية ليبيا كمركز إقليمي ودولي في صناعة الطاقة

احتلت التنمية الاقتصادية وإمكانات الطاقة في ليبيا مركز الصدارة خلال فعاليات قمة احتضنتها العاصمة طرابلس على مدار يومين نهاية الأسبوع الماضي، حيث بدا المسؤولون متفائلين بخطتهم لترقية صناعة النفط والاستثمار في التحول الأخضر مع العمل على تنويع مصادر الدخل رغم كثرة التحديات.
طرابلس- حملت تصريحات المسؤولين الليبيين أثناء القمة الثالثة للطاقة، التي عقدت مؤخرا في طرابلس بشأن دور الطاقة باعتبارها قوة دافعة للنمو، في طياتها تأكيدا على أن القطاع ليس مهما فقط لتوليد العوائد، بل إن تطويره يحول البلد إلى مركز إقليمي ودولي.
وبحسب المراقبين، فإن القمة التي شاركت فيها 490 شركة عالمية تعمل في قطاع الطاقة، مثلت فرصة لتأكيد مكانة ليبيا في الأسواق العالمية وموقعها كدولة منتجة للوقود الأحفوري وتمتلك قدرات فائقة في إنتاج الطاقات البديلة.
وطغت النقاشات حول هذه القضايا بين السلطات المحلية والقوى الدولية الفاعلة في المجال رغم وجود مخاوف من اتساع ظاهرة الفساد وتغلغلها في الصفقات المعلنة والخفية في القطاعات الإستراتيجية الكبرى.
واعتبرت شركة إنيرجي كابيتال آند باور منظمة القمة أن الهدف منها إبراز إمكانات ليبيا في الوقود الأحفوري والطاقة البديلة، وتسليط الضوء على الفرص الناشئة مع التركيز على جولة التراخيص التي تستعد المؤسسة الوطنية للنفط لطرحها للامتيازات البرية والبحرية.
ورغم مواردها الطبيعية الوفيرة يركز العديد من الخبراء دائما على مسألة الانقسام السياسي للبلد العضو في أوبك، كحاجز مستمر للاستثمار، حيث يرون أن الاستقرار ضروري، لكنه لا يتماشى مع بلد منقسم، وهذا هو التحدي الذي تواجهه ليبيا.
ومع ذلك كان رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة حريصا خلال كلمته أمام الحاضرين في افتتاح القمة على إظهار قدرة بلده على دعم قطاع الطاقة كمحرك أساسي للاقتصاد وتذليل العقبات أمامه مهما كانت التحديات.
وحتى مع إشارته إلى الجهود التي بذلتها الحكومة لإزالة الحواجز الكثيرة التي واجهت صناعة النفط والغاز، ومن بينها فرض القوة القاهرة في حقول رئيسية نتيجة الخلافات، إلا أن الدبيبة شدد على “أهمية التعاون الدولي لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار.”
ولئن بلغ الإنتاج اليومي للبلاد نحو 1.4 مليون برميل يوميا حاليا، وهو أقل من مستويات ما قبل 2011 حينما كان 1.6 مليون برميل يوميا، فإن وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج حدد الاحتياطيات غير المستغلة من الهيدروكربونات وإمكانات الطاقة الشمسية.
وقال إن ليبيا “ملتزمة بزيادة إنتاج النفط الخام إلى مليوني برميل يوميا، مع التركيز أيضًا على التنمية والتنويع في المصب.”
وأضاف “ليبيا مستعدة ليس فقط لإنتاج النفط، ولكن أيضا لتطوير المنتجات الكيميائية والبترولية. نهدف إلى أن نكون مركزا إستراتيجيا يربط بين أوروبا وأفريقيا.”
وخلال الأشهر الماضية، ومن أجل تنمية الإنتاج، عملت السلطات على إعادة تشغيل 10 حقول نفطية، ويترافق ذلك مع استعداد وزارة النفط لإطلاق جولة جديدة تهدف إلى زيادة الاحتياطي والقدرة الإنتاجية، التي تحتاج ما بين 3 و4 مليارات دولار.
والأمر لا يقف عند هذا الحد، فتحديات المناخ أحد الدوافع أمام الليبيين لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، فقد أطلق الدبيبة مبادرة “خضار ليبيا” والسعي لزراعة 100 مليون شجرة في جميع أنحاء البلاد، بما يضمن تحسين البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري.
كما شدد على أهمية التعاون مع الشركات الأجنبية والحد من البيروقراطية وتركيز وزارة النفط على الطاقة الخضراء. وقال “نعمل على خفض انبعاثات الكربون وإشباع السوق المحلية بالغاز وتعزيز دور ليبيا كمورد موثوق لجنوب أوروبا.”
وتأكيدا على هذا التمشي عقد الدبيبة سلسلة لقاءات مع قادة ومسؤولي كبرى شركات الطاقة العالمية في القمة، من بينهم جوليان بوجيه نائب رئيس توتال إنيرجيز ووفد بريتش بتروليوم (بي.بي) بقيادة جوردن بيريل نائب الرئيس التنفيذي لقطاع التنقيب والإنتاج.
كما شملت تلك اللقاءات، التي تطرقت إلى أهمية تعزيز الشراكات العالمية لدعم الاقتصاد الليبي، المدراء التنفيذيين لكل من شركتي ريبسول الإسبانية وأو.أم.في النمساوية، وفق ما أشارت إليه منصة “حكومتنا” على حسابها في فيسبوك.
وتمثل الإستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة وكفاءة الطاقة 2035 التي أطلقتها ليبيا في عام 2023 خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر استدامة تساهم في تنويع مصادر الدخل وتعظيمها.
2
مليون برميل يوميا من النفط الخام تستهدف ليبيا إنتاجها في غضون السنوات الثلاث المقبلة
ومن المتوقع أن يدعم هذا الاتجاه الإيرادات العامة للدولة بعوائد إضافية عن طريق تصدير الكهرباء المولدة من الطاقات المتجددة في مرحلة لاحقة إلى الأسواق المجاورة، فضلًا عن توفير فرص عمل وترشيد استهلاك الطاقة في كل القطاعات.
وستلعب التقنيات الحديثة دورا في تنمية صناعة الطاقة الليبية، بحسب الرئيس المكلف للمؤسسة الوطنية للنفط مسعود سليمان الذي قال إن التوظيف الفعال للتكنولوجيا واستقرار الأوضاع الأمنية عاملان أساسيان ساهما في هذا الإنجاز.
ولفت إلى أن المؤسسة مستمرة في استثمارها في موظفيها، وتعمل على ضم خريجي التخصصات النفطية من 54 مدينة ليبية.
وأكد أن المؤسسة تسير بخطى ثابتة نحو تطوير صناعة البتروكيماويات، وتسعى من خلال خطة إستراتيجية لتعزيز قدرات التكرير وتلبية احتياجات السوقين المحلية والدولية، داعيا القطاع الخاص إلى المشاركة بفعالية كمزود خدمة في مجالي النفط والغاز.
وأضاف “نهدف إلى الوصول إلى إنتاج مليوني برميل يوميا في السنوات الثلاث المقبلة، بالإضافة إلى إنتاج الغاز والمكثفات، وتحقيق هذا الهدف يتطلب توفير التمويل اللازم رغم التحديات والصعوبات التي يواجهها القطاع.”
وأشاد القائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا، جيريمي برنت، بدور قطاع الطاقة الليبي في السوق العالمية.
وقال إن “هناك مجموعة متنوعة من الشركات الأميركية تقدم بالفعل خبرة تقنية هائلة تعود بالنفع على قطاع الطاقة الليبي،” مشيرا في الوقت نفسه إلى “إمكانات أكبر بكثير للشراكة.”
واعتبر برنت أن الحضور القوي للشركات الأميركية في القمة يعكس دور قطاع الطاقة الليبي في السوق العالمية والإمكانات الكبيرة للنمو.
وأكد الالتزام بدعم “القطاع الخاص الأميركي الديناميكي بينما نعمل على تعزيز الشراكة الاقتصادية والعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وليبيا.”
وبمناسبة القمة أعلنت شركتا إيني الإيطالية وتوتال إنيرجيز الفرنسية عن خطط استكشافية جديدة تهدف إلى تطوير الإنتاج وزيادة كفاءة عمليات النفط والغاز في ليبيا.
كما استعرضت شركات دولية أخرى، من بينها أو.أم.في النمساوية وريبسول الإسبانية ونابروز، مشاريعها المستقبلية وإستراتيجياتها لتعزيز الإنتاج.
◙ الإستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة 2035 التي أطلقتها ليبيا في عام 2023 خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر استدامة
وقال لوكا فيجناتي، مدير التنقيب والإنتاج في إيني، إن ليبيا تظل لاعبا مهما للشركة لأنها الدولة الوحيدة التي “سيكون لدينا فيها ثلاث آبار استكشاف في ثلاثة سياقات مختلفة (البرية وفي المياه الضحلة وفي المياه العميقة) في عام 2025.”
وأكد على ضرورة “عدم التخلي عن تحول الطاقة لتحقيق أمن الطاقة” سواء على المستوى الوطني في ليبيا أو للتصدير.
وأوضح أنه بفضل مشاريع إيني الجديدة ستقوم ليبيا “بتخزين أكثر من 4 ملايين طن من الكربون سنويا،” حيث تقوم شركته “أيضا بتنفيذ مبادرات انتقالية في إنتاج الغاز والاحتجاز والتخزين.”
وفي خضم ذلك تتطلع تركيا عبر شركة النفط الوطنية (تي.بي.أي.أو) إلى الحصول على حصة من الاستثمارات. وعبر رئيس الشركة أحمد تورك أوغلو عن استعداد شركته للاستثمار في قطاع الطاقة الليبي.
وأكد أن شركته تخطط لإعادة بناء علاقاتها مع هذا البلد. وأوضح أن ليبيا تهدف إلى إنتاج مليونَي برميل من النفط يوميا، وأنها قادرة على تحقيق أكثر من ذلك بكثير.
وتحدث عن التحديات التي تواجهها الشركات الأجنبية في ليبيا، قائلا “يجب أن يكون الوصول إلى السوق سهلا، حتى يتمكن الجميع من دخول السوق والمساهمة في رفاهية ليبيا.”
وأضاف “ما زالت ثمة حاجة إلى المزيد من الاستدامة والتنبؤ والتحسينات لضمان جذب المستثمرين الجدد إلى ليبيا وجعلها مكاناً جذابا.” ولفت إلى أن “الإمكانات كبيرة حقّا، وإذا تم تنظيم البيئة الاستثمارية المناسبة فسيكون ذلك مفيداً للجميع.”
وخلال القمة أكد عيسى اللوغاني، الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المنتجة للبترول (أوابك)، أن ليبيا تعد من ضمن الدول الثلاث المؤسسة للمنظمة، وهي تقوم بدور فعّال في جميع أنشطة المنظمة وتمتلك حصصا في الشركات الأربع المنبثقة عنها.
وتستأثر ليبيا بحصة تُقدر بنحو 6.7 في المئة من إجمالي احتياطيات أوابك، والتي تبلغ 717.4 مليار برميل من النفط الخام، أي ما يشكل نحو 54 في المئة من الإجمالي العالمي.