"قلب مفتوح".. قراءة للتحديات النفسية في مواجهة الواقع

بداية درامية مقنعة تنتهي بحبكة مأساوية ضعيفة.
الأربعاء 2024/09/04
فيلم يحقق ردود فعل إيجابية

كيف يمكن للإنسان أن يواجه الواقع السيء؟ وأي تحديات نفسية قد يواجهها أثناء محاولته إنقاذ أقرب الناس إليه من الموت؟ بعض تساؤلات يناقشها فيلم “قلب مفتوح” المصري الذي قدم معالجة درامية لعلاقة أخوة تنتهي بحبكة مفاجئة للمتفرج.

الرباط - إن تناول موضوعات إنسانية واجتماعية في السينما ليس جديدا على الفن السابع، بل لطالما كان جزءا أصيلا من تاريخ السينما العالمية، إذ شهدنا في عقود مضت العديد من الأفلام التي تطرقت إلى قضايا مشابهة، حيث سعت إلى تسليط الضوء على الصراعات الداخلية والخارجية التي يواجهها الإنسان في مساعيه للحفاظ على قيمه وإنقاذ من يحب.

في هذا الإطار يأتي الفيلم المصري “قلب مفتوح” للمخرج سامح النجار كإضافة لهذا النوع من الأفلام، حيث يستمد الفيلم قوته من مزيج الحبكة الدرامية المليئة بالتشويق والرومانسية التي لطالما جذبت الجمهور، خاصة وأن هذه الأعمال ليست وليدة اللحظة بل هي جزء من مسيرة سينمائية طويلة تعكس تجارب إنسانية عميقة وتواجه تحديات الواقع بجرأة وإبداع.

وتدور أحداث فيلم "قلب مفتوح" حول شاب بسيط يدعى مالك يجد نفسه في سباق مع الزمن لإنقاذ شقيقته الصغيرة من مرض خطير يتطلب عملية جراحية مكلفة، وفي محاولاته العديدة لجمع المال اللازم للعلاج، يقع مالك في فخ نصبه له أحد رجال الأعمال الماكرين، ما يدفع الأحداث نحو تطورات درامية مشوقة. الفيلم من سيناريو إبراهيم محسن، وبطولة كل من حازم إيهاب ومحسن منصور وريم عبدالقادر وهايدي رفعت وحمدي هيكل وياسر علي ماهر.

◙ السيناريو يحتوي على أبعاد رمزية مثل حلم مالك تصور الهشاشة النفسية للشخصيات، وتضيف بعدا فلسفيًا للتجربة الدرامية
◙ السيناريو يحتوي على أبعاد رمزية مثل حلم مالك تصور الهشاشة النفسية للشخصيات، وتضيف بعدا فلسفيًا للتجربة الدرامية

يبدأ السيناريو بمشهد حلم مزعج يراه مالك، يتمثل في اختفاء أخته دنيا التي كانت تجلس قربه خلال لحظة هادئة يصطاد فيها الأسماك، حتى يكتشف أنه مجرد حلم سيئ راوده. هذه الافتتاحية تعزز التوتر الدرامي وتؤسس للصراعات العاطفية التي يواجهها مالك طوال الفيلم، ويعتبر هذا المشهد مقدمةً فعالةً لطرح الأبعاد النفسية للشخصية، حيث يعكس الخوف والقلق الذي يرافقها في الواقع، كما تتمحور الأحداث حول كفاح مالك في تأمين العلاج لأخته دنيا، وهذا الصراع الداخلي يعكس تفانيه الكبير وتضحيته، ما يبرز الطبيعة الإنسانية العميقة بين الإخوة.

ويضاف إلى ذلك الصراع الخارجي المتمثل في علاقات مالك مع الشخصيات الأخرى، مثل ليلى وسارة، حيث تُظهر علاقته مع ليلى التحديات المهنية التي يواجهها بينما تبرز علاقته مع سارة حاجته للتواصل العاطفي والبحث عن حب حقيقي يدعمه. تتطور علاقة مالك بـسارة من التعارف البسيط إلى علاقة حب تعزز التفاعل الإنساني والاهتمام المتبادل، بينما تبرز علاقة مالك بزميله جو الصداقة الحقيقية والدعم المستمر، وهذا يضيف بعدا إنسانيا إضافيا للسيناريو، أما علاقة مالك وليلى فتعكس تعقيدات العلاقات السامة والتأثيرات السلبية التي تتركها على حياتهم اليومية.

ويعكس السيناريو العراقيل الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها مالك، مثل الضغوطات المرتبطة بالعمل والحاجة المالية، تُعرض هذه الجوانب من خلال المضايقات اليومية في الشغل، ما يخلف الإحساس بالواقعية الاجتماعية، كما ينقل السيناريو من الناحية العاطفية مشاعر الألم والحزن والأمل عن طريق تجارب غرامية مثل مشاهد استلام سارة للصور من مالك، والأوقات التي يقضيها مالك مع دنيا.

ويحتوي السيناريو على أبعاد رمزية مثل حلم مالك والصرصار الذي يخيف سارة، تصور الهشاشة النفسية للشخصيات، وتضيف بعدا فلسفيًا للتجربة الدرامية، كما تبرز العلاقات بين الشخصيات ديناميكية معقدة تبرز دوامة هموم الحياة، خاصة العلاقة بين مالك وأخته سارة، وتساهم هذه الديناميكيات في تطور القصة بشكل بطيء.

ويقدم الممثل حازم إيهاب في فيلم “قلب مفتوح” أداء مميزا من خلال تجسيده لشخصية مالك، الشاب البسيط الذي يواجه صراعات داخلية وخارجية في محاولته لإنقاذ شقيقته الصغيرة من الموت، إذ يتقن حازم تجسيد مشاعر القلق واليأس والتضحية من أجل أسرته، ما يضيف بعدا عاطفيا قويا للشخصية.

ويظهر حازم في مشهد الحلم المزعج الذي يعيشه مالك، حيث يتقمص بمهارة الشعور بالخوف والقلق الذي يرافق الشخصية طوال القصة، فأداء حازم يبرز الطبيعة الإنسانية العميقة لشخصية مالك، خاصة في لحظات الصراع مع رجال الأعمال الماكرين، حيث يظهر تأرجح الشخصية بين الإصرار واليأس بطريقة طبيعية ومؤثرة.

كما يتميز أداء حازم في المشاهد التي تجمعه بشخصية سارة، حيث يظهر التفاعل العاطفي والانسجام بين الشخصيتين بشكل مقنع، وهذا الأداء يجعل العلاقة بين مالك وسارة أكثر واقعية ويضيف إلى الفيلم لمسة رومانسية جميلة.

◙ الفيلم يعتمد على مزيج من الحبكة الدرامية والرومانسية والتشويق، وهي العناصر التي يحبها الجمهور المصري والعربي
◙ الفيلم يعتمد على مزيج من الحبكة الدرامية والرومانسية والتشويق، وهي العناصر التي يحبها الجمهور المصري والعربي

وعلى الرغم من الأداء القوي لحازم، فإن النهاية المأساوية للفيلم قد لا تبرز قدراته بالشكل الأمثل، حيث تبدو الأحداث في نهاية القصة سريعة وغير مدروسة، ما قد يترك انطباعا بأن الشخصية لم تمنح فرصة كافية للتطور الدرامي الكامل، ومع ذلك يبقى حازم قادرا على جذب انتباه المشاهدين من خلال أدائه المقنع والعميق طوال الفيلم.

ويتسم أسلوب الإخراج في بداية الفيلم باستخدام تقنيات تصوير متنوعة مثل اللقطات القريبة والإضاءة الخافتة التي تبرز أجواء القلق والتشويق، كما يتم نقل المشاهد من مكان لآخر بشكل سلس وسريع، ما يساهم في تحفيز الشعور بالتوتر والضغط على الشخصيات، ويظهر التوجيه الجيد للممثلين في كيفية إبراز الانسجام والتناغم بينهم، خاصة بين مالك وسارة وصداقة جو ما يشد المشاهد للمتابعة، ولكن سرعان ما يتوه المشاهد في صراعات رجال الأعمال في الفيلم، بينما تمكن الممثلون من تجسيد أدوارهم بأسلوب درامي معقول، أظهر الكيمياء بينهم.

وتشير النهاية المأساوية التي تشمل موت مالك ودنيا إلى ضعف في بناء الحبكة السينمائية، حيث تبدو غير مدروسة بشكل كاف، وعلى الرغم من أنها تهدف إلى خلق تأثير درامي، إلا أن التنفيذ يأتي سريعًا ويفتقر إلى التعمق في توضيح العواقب على الشخصيات، ما يجعلها تبدو نهاية مفاجئة وغير متسقة مع تطور القصة، وهذا يترك المشاهدين يشعرون بالخذلان وعدم الرضا، وبالتالي كانت ممكنة إعادة صياغة النهاية لتكون أكثر توافقا مع تطور الأحداث وتكون ذات تأثير درامي أقوى.

وبعد أيام قليلة من بدء عرضه على منصتي "جوي تي في" و"إس تي سي" السعوديتين، تصدر الفيلم المصري "قلب مفتوح" قائمة الأفلام الأكثر مشاهدة، كما دخل ضمن قائمة أفضل 10 أفلام في مصر، إذ يعرض الفيلم حاليا بشكل حصري على المنصتين، ويحقق إقبالا جماهيريا واسعا وردود أفعال إيجابية.

وأبدى المخرج سامح نجار على منصات التواصل عن سعادته الكبيرة بردود الأفعال التي يتلقاها من الجمهور مع بدء عرض فيلمه الأول في مصر، مشيرا إلى أن هذه هي البداية، ومؤكدا على التزامه بتقديم أعمال مفيدة وبناءة تحترم عقول المشاهدين.

 وأوضح أن الفيلم يعتمد على مزيج من الحبكة الدرامية والرومانسية والتشويق، وهي العناصر التي يحبها الجمهور المصري والعربي، ويمثل الفيلم تجربته الأولى في الإخراج والإنتاج بالسوق العربي، ورغم التحديات التي واجهها أثناء تنفيذ الفيلم إلا أنه يعتبر السوق المصرية أرضا خصبة لصناعة الأعمال الفنية، مؤكدا أن مصر هي بحق “هوليوود الشرق” وبوابة النجاح لكل من يسعى لتحقيقه في مجال الفن أو أي مجال آخر.

وأكد سامح نجار سعادته بهذه التجربة وأنه يعتزم الاستمرار فيها خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أنه يحضر حاليا عدة أعمال فنية مميزة، متمنيًا أن يظل دائما عند حسن ظن الجمهور.

14