قلب الدمية "مونو دمى" تلغي الحدود الفاصلة بين الإنسان والجماد

تعاون عراقي - سوري يغامر بتقديم نوع جديد من المونودراما.
الثلاثاء 2023/07/11
الدمى تبوح بأسرار البشر

أنتج تعاون فني مسرحي بين نقابتي الفنانين في سوريا والعراق، عرضا مسرحيا في فني المونودراما والعرائس حقق خطوة طالما انتظرها مبدعون عرب. وهي التعاون في تقديم رؤى فنية مشتركة ضمن عرض “قلب الدمية” الذي يحقق تقاربا فنيا عربيا بروح إنسانية عميقة.

دمشق - يحملنا العرض المسرحي “قلب الدمية” إلى فرضية مسرحية غريبة. فبطلة العرض فيه دمية “نفخت” فيها الروح لبعض الوقت ثم غادرتها بشكل مأساوي.

“قلب الدمية” عرض مسرحي يلغي الحدود الصارمة بين عالمي الإنسان والجماد، ليخلق عالما يجسد المشاعر الإنسانية بما تكونه من تفاصيل عميقة، سرعان ما تهزم أمام شرور الناس، فتصاب بخيبات أمل وانكسارات وجدانية توجدها على حافة الفجيعة.

العمل المسرحي قدم في دمشق بتعاون بين نقابتي الفنانين السورية والعراقية ومشاركة مديرية المسارح والموسيقى بدمشق، وهو ثمرة تعاون أول بينهما في إطار المسرح. والعرض من تأليف المسرحي العراقي حسين علي هارف وأداء الممثلة السورية المختصة بفن العرائس إيمان عمر.

يقول مؤلف العمل عن عرضه المسرحي “في ظروف طقسية غير طبيعية (برق ورعد شديدين) تدبّ الحياة في دمية ماريونيت (مهملة) ومرمية في مخزن المسرح، فينبض قلبها، تتحرك وتبدأ باكتشاف نفسها.. لتبوح لنا بما تعانيه في عمرها القصير بدءًا من ولادتها على يد صانعتها مرورا بمشاعرها المتنامية والجياشة تجاه محركها (لاعب الدمية) ماهر الذي لم يكن يهتم بها أو يبالي، فسرعان ما يرميها بعد الانتهاء من تحريكها بعد كل عرض”.

حسين علي هارف: بهذه "المونو دمية" أردت إدانة البشرية على لسان الدمية
حسين علي هارف: بهذه "المونو دمية" أردت إدانة البشرية على لسان الدمية

ويتابع “في خضم بوحها بمعاناة حبها لماهر وغيرتها من صانعتها التي يتودد إليها ماهر، تُصدم الدمية بزغاريد إعلان زواج حبيبها ماهر من صانعة الدمى، فتقرر الدمية الانسحاب من عالم البشر الذي دخلته دون إرادتها، والانتحار بخيار الرجوع إلى عالم الدمى.. بلا قلب.. بلا مشاعر”.

ويراهن الفنان العراقي هارف على روح المغامرة التي يجدها حاضرة في روح أي مبدع مسرحي، ويقول في ذلك لصحيفة “العرب”: “أؤمن بأن التجريب هو روح المسرح، وهو لا يخلو من مغامرة، والمسرح يتجدد بالتجريب بأفكار جديدة في الشكل والمضمون. المونودراما فن صعب يعتمد على المغامرة سواء في الأدوات أو أشكال التنفيذ لأن لها بنية خاصة دائرية. فكرت كيف يمكن أن أقدم شكلا جديدا في المونودراما، فوجدت أنه بالإمكان تقديم مونودراما بشكل ونمط جديدين بجمعهما في حالة الدمى، وكوني أعمل في مجال مسرح الدمى حاولت أن أزاوج بين الفنين المونودراما والدمى، وكلاهما قريب إلى قلبي”.

ويوضح “هنا جاءت فكرة أن تكون بطلة العرض دمية. وصار لا بد من خلق فكرة وصراع ومسارات درامية، فكانت الفكرة أن تبعث الحياة في هذه الدمية تحت ظرف ما، ثم يكون لها مجال لأن تعبر عن مشاعرها تجاه محركها وصولا إلى حبكة الصراع الداخلي الذي وجد في الدمية من خلال علاقة الحب التي تكتشفها بين محركها ماهر وصانعتها التي تعتبرها أمها، وطرح ذلك من خلال بناء مشوق حاولت أن أصل فيه إلى نهاية غير تقليدية، فالدمية رغم كونها جمادا، فهي باحت لنا نحن البشر وشخصت حياتنا بتفاصيلها وقدمت منظوماتنا المجتمعية بشكل واضح. أردت أن أدين الإنسانية على لسان الدمية (…) فبعد أن صارت شبيهة بنا انسحبت لتنتحر، بلغة احتجاجية صارخة على الظلم الموجود في الحياة الإنسانية”.

وحسين علي هارف هو فنان عراقي، وأيضا أكاديمي أخرج أعمالا في شؤون الأطفال والشباب، يعمل في فن المونودراما والدمى والأطفال وهو رئيس الاتحاد العراقي لفناني الدمى. حصل على العديد من الجوائز محليا وعربيا منها جائزة فلسطين للإبداع وجائزة أفضل عرض في المهرجان الدولي لمسرح الطفل بأم العرايس (تونس) والجائزة الفضية بمهرجان المونودراما الدولي بتونس، وجائزة أفضل إخراج بمهرجان قفصة الدولي لمسرح الطفل (أيضا في تونس).

تأسيسا على خبرات مسرحية امتلكها يصل حسين هارف إلى تشكيل مسرحي مبتكر يزاوج فيه بين نوعين فنيين

صدرت له دراسات ونصوص وترجمات في دور نشر عراقية وعربية وله مشاركات في المؤتمرات العلمية والحلقات الدراسية داخل العراق وخارجه.

تأسيسا على خبرات مسرحية امتلكها يصل هارف إلى تشكيل مسرحي مبتكر يزاوج فيه بين نوعين فنيين، واحد يحاكي طبيعة الإنسان والآخر من الجماد. ويكشف عن نمط مسرحي جديد مبتكر سماه “المونودمى”.

يقول عن ذلك “سميت الشكل الجديد مونودمى، اجتهدت فيه في تقديم شكل عرض جديد، لعل باحثا مسرحيا يسجل ريادة الفكرة عنه لنا، انطلق المشروع على سبيل المغامرة، التي جمعتني مع فنانة العرائس إيمان عمر في سوريا وصاحب الموسيقى الجميلة محمد إيهاب المرادني وفريق السينوغرافيا العراقي. فريق العمل للعرض متنوع من سوريا والعراق، والإنتاج هو تعاون بين نقابة الفنانين العراقية ونظيرتها السورية، سجل الصوت بدمشق بصوت الممثلة إيمان التي برعت في تأديته ومن ثم الحركة المناسبة، وكانت قد صممت الدمية قبلها بعد مداولات طويلة، ومن خلال هذا التعاون حققنا طموحنا في تقديم العرض الحالي”.

وعن التعاون الفني العربي وتأثير الفن العراقي في محيطه العربي وتأثره به يقول المؤلف العراقي “أنا مع أي تعاون فني عربي، فهناك أمور مشتركة يمكن البناء عليها، ورغم اختلاف اللهجات لكن اللغة العربية تجمعنا. نحن أبناء ثقافة واحدة في العراق وسوريا والأردن. نفخر في العراق بأننا من أوائل من نظم مهرجانات للمسرح في منتصف الثمانينات. وكانت جسورا هامة تقرب العرب بعضهم ببعض. سنويا أحضر العديد من المهرجانات وأتابع عروضا عربية في تونس والقاهرة والكويت وغيرها، وساهمت في تأسيس مهرجانات عربية. ما فشلت فيه السياسة بتوحيد وتقارب الشعوب العربية يمكن للفن أن يقوم به”.

f

ويتابع عن تأريخ الفن العراقي عربيا “التأثير الفني متبادل بين الفن العراقي والعربي. فن المسرح ولد عربيا في الشام ومصر عبر مارون نقاش وأبوخليل القباني ويعقوب صنوع، ومنهم جاءنا المسرح وافدا إلى العراق الذي يرتبط بالرزانة والجدية كونه تابعا لحضارة عميقة الجذور، فالحضارات القديمة وجدت على أرض العراق، سومر وبابل وآشور وآكاد، مثلما كانت هناك حضارات عريقة مجاورة. الفن العراقي قدم الكثير من الأسماء في الموسيقى المعاصرة، كاظم الساهر الذي لحن وغنى الكثير. ومحمد القبانجي ويوسف عمر اللذان أوجدا فنا متميز اسمه المقام العراقي وإلياس خضر وحسين نعمة وفاضل عواد ونصير شمة الذي أبدع وقدم موسيقى على مستوى العالم”.

ويضيف “فخور أنني أنتمي إلى فن العراق الزاخر بالمواهب منهم رائد المسرح العراقي سامي عبدالحميد وبدر حسون فريد وجعفر السعدي ويوسف العاني وقاسم محمد. نحن في العراق تتلمذنا على أيدي فنانين مسرحيين من مصر عبر مؤلفاتهم كما استفدنا من كتابات مسرحية سورية في تقديم أكثر عروضنا، منهم سعدالله ونوس ووليد إخلاصي ورياض عصمت وممدوح عدوان ومحمد الماغوط”.

وعن عرضه في دمشق يقول هارف “سعيد بالوجود في دمشق لأنها توأم بغداد، وسعيد أن أقدم مسرحيتي على مسرح القباني العريق، اخترت أن أعرض هنا لأنه يمتلك التاريخ الفني الراسخ. عرضت أولا في بغداد ولاقى العرض صدى طيبا وأشاد الجمهور بجدية التجربة والشكل الجديد الذي قدمته، بعدها تلقينا دعوة للمشاركة بمهرجان الفجيرة الدولي للمسرح وشاركنا فيه ولاقى العمل ثناء الجمهور والنقاد معا، وتم التثبيت حينها أن هذا العرض هو شكل جديد في المونودراما وكان مبرمجا مشاركتنا بأيام قرطاج للمونودراما وتم اختيار العرض ليكون في الافتتاح لكن أسبابا تقنية منعت العرض في تونس. قريبا سنقدم العرض في الجزائر وربما قرطاج في العام القادم”.

وتابع “أتوجه بالشكر لداعمي العرض، فلولا حماسة نقيب الفنانين في العراق الدكتور جبار جودي وتفاني نقيب الفنانين في سوريا محسن غازي الذي زار العراق وشاهد العرض ومن ثم دعانا لتقديمه في سوريا، هذه الجهود هي التي أوجدت العرض وأشكر جهود الموسيقي محمد إيهاب المرادني الذي أبدع في تشكيل رؤايا رغم عدم وجود تواصل بيننا سابقا وكان اختياره للموسيقى والمؤثرات الصوتية متميزا وشكرا لمن حضر العرض من فناني سوريا”.

بدورها تحدثت الفنانة المسرحية إيمان عمر المختصة في فن العرائس والتي قدمت خلال مسيرتها الفنية العشرات منها على مسارح سوريا، قائلة “كان حلما لي أن أقوم بتجسيد دور مونودراما دمى، الفكرة كانت غريبة على المحيط المسرحي العربي، الكثير يعتقد بأن فن العرائس موجه للأطفال فقط، لكن الحقيقة أنه يمكن أن يقدم أي فكرة. وتعاوني مع المبدع حسين هارف من العراق كان غنيا ومثمرا، كان لدينا هاجس فني واحد أن نحقق هذه التجربة ونوجدها على الواقع. بدأنا مع زمن جائحة كورونا والحجر الصحي الذي فرضته، كنا نتحاور عبر الإنترنت وتحادثنا طويلا إلى أن وصلنا إلى النتيجة النهائية، تطورت العملية بهدوء، وصنعنا الدمية ثم تم تثبيت الحركة، إلى أن تم العرض الأول في بغداد على مسرح آشور ثم عرضنا في الفجيرة ثم دمشق.

14