قطر تدخل المزيد من التحسينات على صورتها قبل المونديال

قطر وهي تحدّد موعدا لأول انتخابات عامّة في تاريخها قبل سنة واحدة من احتضانها نهائيات كأس العالم في كرة القدم، إنّما تعمل على إدخال المزيد من التحسينات على صورتها غير الإيجابية لدى الكثير من شعوب العالم ودوله، لكنّها أيضا تحاول في نفس الوقت التخلّص من مفارقة ظلت تقلقها على مدار السنين التي تحوّلت فيها إلى أكبر “مدافع” عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدان أخرى، دون أن تمتلك شيئا من مؤسسات الديمقراطية التي تدعّي الدفاع عنها، أو أن تلتزم باحترام أي من حقوق الإنسان التي ترفع لواءها.
الدوحة - قرّرت قطر إجراء أول انتخابات عامّة في تاريخها، في خطوة وصفها متابعو الشؤون الخليجية بالشكلية وعديمة التأثير في طبيعة النظام القائم بالبلد، بينما ربطها آخرون باقتراب موعد نهائيات كأس العالم في كرة القدم 2022 التي ستقام على الأراضي القطرية، والتي احتاجت الدوحة معها إلى عملية تجميل لصورتها المرتبطة في أذهان العديد من الشعوب والبلدان بدعم الإرهاب والتشدّد وانتهاك حقوق العمّال وامتهان كرامة المرأة.
وأعلن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أنّ انتخابات مجلس الشورى، الهيئة السياسية الاستشارية، ستنعقد في أكتوبر من العام المقبل.
وبحسب مصادر غربية، فإنّ من النقائص التي طرحت خلال مناقشة ملف قطر الذي تقدّمت به للحصول على امتياز تنظيم التظاهرة الرياضية الأكثر جماهيرية في العالم، هي غياب أي مظهر للديمقراطية في البلد من خلال افتقاره شبه الكامل للهيئات والمؤسسات المنتخبة، باستثناء المجالس البلدية، وكذلك تراجع الاهتمام بحقوق الإنسان ضمن أولويات الدولة القطرية وعدم ملاءمة قوانينها لما تنص عليه المواثيق والأعراف الحقوقية الدولية.
ووفق المصادر ذاتها فإنّ التغييرات التي أدخلتها قطر خلال السنوات الماضية على قوانين العمل لديها، وقرارها الأخير بإجراء انتخابات شكلية، هي جزء من تحسينات وعدت القيادة القطرية بتنفيذها قبل حلول موعد المونديال.
وقد دبلوماسي غربي سبق له العمل في الدوحة إنّ صورة قطر المفتقرة للمؤسسات الديمقراطية وهي تحتضن نهائيات كأس العالم التي تتجاوز مجرد كونها مناسبة رياضية، إلى مناسبة حضارية أشمل، ستكون محرجة، خصوصا لشركائها الغربيين من سياسيين ومسؤولين رياضيين ساندوها في الحصول على تنظيم المونديال وتحمّلوا في سبيل ذلك الكثير من الشكوك والانتقادات.
ويقدّم مجلس الشورى، غير المنتخب حاليا، المشورة للأمير بشأن مشاريع القوانين، لكنّه لا يضع تشريعات خاصة به ويمكن نقض أحكامه بمرسوم.
وستكون الانتخابات القادمة أول انتخابات عامة في قطر رغم أن الشيخ تميم لم يذكر تفاصيل بشأن من سيُسمح له بالتصويت ومن سيكون قادرا على الترشح إلى أحد مقاعد المجلس.
وكان أمير قطر قد أصدر في أكتوبر 2019 قرارا بإنشاء لجنة عليا للتحضير لانتخابات مجلس الشورى. وطبقا للقانون المعمول به حاليا يعين أمير البلاد أعضاء مجلس الشورى الذين يبلغ عددهم خمسة وأربعين عضوا. وكان قبل سنتين منذ ذلك قد قرّر تعيين أربع سيدات في المجلس في خطوة هي الأولى من نوعها.
وصوت القطريون في عام 2003 عبر استفتاء عام على أول دستور دائم للبلاد. وتضمن مشروع الدستور الذي عكف فريق من الخبراء القانونيين والمسؤولين الحكوميين على صياغته منذ عام 1998 إنشاء مجلس شورى يتألف من 45 مقعدا ينتخب الشعب 30 منهم ويعين الأمير باقي الأعضاء.
وسبق أن أدلى قطريون بأصواتهم بشأن إصلاحات دستورية وفي انتخابات محلية لمجالس بلدية.
عقدة قطر متزعمة "نشر" الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدان الربيع العربي أنها لا تمتلك شيئا من مؤسسات الديمقراطية
وبعيدا عن متطلّبات الاستعداد لنهائيات كأس العالم القادمة، واجهت قطر على مدار السنوات الماضية مفارقة جعلتها عرضة باستمرار لانتقادات حادّة، وتتمثّل تلك المفارقة في أنّ الدوحة تحوّلت منذ إطلاقها قناة الجزيرة الفضائية إلى أكبر “عرّاب” للديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي دون أن تطبّق ما يُنظّر له إعلامها على وضعها الداخلي.
وتجاوزت قطر مجرّد الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة إلى اتخاذهما سلاحا لزعزعة استقرار عدد من البلدان العربية، من خلال تبنّيها الكامل لما يعرف بثورات الربيع العربي، والتي كانت “الديمقراطية” المطلوبة من خلالها تسير في اتجاه واحد وهو تصعيد جماعة الإخوان إلى سدّة الحكم في بلدان مثل تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن، لكنّ عدم قدرة قطر على السيطرة على الأحداث في بعض البلدان دفع الأوضاع هناك إلى سيناريوهات كارثية على غرار ما هو قائم على سبيل المثال في كل من ليبيا وسوريا. الأمر الذي اضطر الدوحة إلى تسليم تلك الملفات لتركيا التي أخذت من قطر مشعل الدفاع عن “الديمقراطية وحقوق الإنسان” في المنطقة وحوّلته إلى استثمار سياسي ومادي تسعى من خلاله إلى تحقيق مكاسب على حساب سيادة ووحدة أراضي العديد من الدول العربية.
وقال الشيخ تميم مفتتحا دورة جديدة للمجلس غير المنتخب “انتخابات مجلس الشورى ستجرى في أكتوبر العام القادم 2021 بموجب الدستور الذي استفتي عليه عام 2003”.
وأضاف “نقوم بخطوة مهمة في تعزيز تقاليد الشورى القطرية وتطوير عملية التشريع بمشاركة أوسع من المواطنين”.
وسبق أنّ تم تأجيل انتخابات المجلس التي ينص عليها دستور العام 2004 مرارا، ليتم الدفع بها الآن على مقربة من موعد نهائيات كأس العالم في كرة القدم.
وشهدت قطر إصلاحات تجميلية حذرة في قضايا مثل حقوق العمال وتمثيل المرأة في مؤسسات الدولة منذ وصول الشيخ تميم إلى السلطة في 2013 خلفا لوالده الشيخ حمد بن خليفة الذي كان قد وصل إلى السلطة سنة 1995 بانقلاب على والده الشيخ خليفة.
وقال أمير قطر في خطابه “لدينا نظامنا الراسخ المتجذر في بنية مجتمعنا والمتداخل معها. وهو ليس تعددية حزبية بل هو نظام إمارة مستند إلى تقاليد راسخة من الحكم العادل والرشيد المرتبط بالشعب بالمبايعة وعلاقات الولاء والثقة المتبادلة”.
وقلّل الشيخ تميم من أهمية الانتخابات في بلاده قائلا “ليست الانتخابات معيار الهوية الوطنية فقد تبلورت هوية قطر عبر الزمان وتظهر في أبهى صورها في تضامن مجتمعنا وتماسكه”.