قطر تحاول إحياء دورها في سوريا عبر إنعاش ائتلاف قوى الثورة

يطرح استقبال الدوحة لرئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية نصر الحريري ولقائه بمسؤولين قطريين تساؤلات تبدو مشروعة حول ما إذا كانت الدوحة تسعى اليوم لإعادة إحياء دورها في سوريا بعد انكفاء لسنوات، خصوصا وأن الظرفية الإقليمية والدولية تبدو لصالحها.
الدوحة - تكثف قطر من تحركاتها الدبلوماسية في المنطقة بدءا بإيران مرورا بلبنان فسوريا على أمل استعادة حضور تراجع خلال السنوات الأخيرة بفعل عوامل متداخلة، من بينها انشغالها بمعالجة تبعات المقاطعة الخليجية، فضلا عن غياب الكيمياء مع الإدارة الأميركية السابقة.
وتقول أوساط سياسية عربية إن الدوحة تحاول اليوم استثمار المناخ الدولي والإقليمي، مع وجود إدارة أميركية جديدة لإعادة نفض الغبار عن دبلوماسيتها، وترى الأجواء ملائمة لتحقيق مكاسب وفرض حضورها مجددا في المناطق الساخنة بالمنطقة.
وسعت قطر في البداية إلى طرح نفسها وسيطا في الملف النووي مراهنة على علاقتها الجيدة بإيران والمجموعة الدولية، ليتضح لاحقا أن حجمها وموقعها لا يمنحانها ميزة تخول لها حجز موقع في هذا الملف، كما أن الأمر لا يقل صعوبة بالنسبة إلى لبنان في ظل كثرة المتدخلين.
وتشير الأوساط إلى أن هذا الوضع قاد الدوحة على ما يبدو إلى البحث عن إحياء دورها في سوريا، حيث سبق أن لعبت حجر زاوية مع انطلاقة الأزمة في هذا البلد وحتى العام 2015 من خلال دعم مالي وسياسي وإعلامي ضخم لقوى المعارضة لاسيما المسلحة منها، قبل أن تتراجع خطوات إلى الوراء جراء تغير الأوضاع في سوريا.
وتلفت الأوساط إلى أن العديد من المؤشرات تؤكد بأن الدوحة تحاول مجددا الإلقاء بثقلها في المسرح السوري، ومن بين الرهانات التي أمامها منصة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، الذي تشكل في العام 2012 ويقود اليوم المعارضة السياسية.
واستقبلت الدوحة الاثنين رئيس الائتلاف السوري نصر الحريري في زيارة امتدت ليومان، التقى خلالها بوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني والسفير التركي مصطفى كوكصو.

ويرى مراقبون أن زيارة الحريري المستمرة للدوحة تشي بتوجه لإنعاش دور الائتلاف الذي شهد هو الآخر تراجعا كبيرا نتيجة الخسائر الميدانية للمعارضة المسلحة ما أثر على وضعه التفاوضي، فضلا عن انغماسه في صراعات جانبية اضطرت معها المملكة العربية السعودية مؤخرا إلى إغلاق مكاتب لهيئة المفاوضات السورية.
ويقول المراقبون إن حماسة قطر لإعادة تفعيل حضورها ترتبط أساسا بوجود إدارة أميركية جديدة تبدو عازمة على زيادة ضغطها على نظام الرئيس بشار الأسد، وإنهاء حالة الفراغ التي خلفتها إدارة دونالد ترامب، والتي استغلتها روسيا للإمساك بخيط اللعبة السياسية من خلال منصة أستانة.
ويشير المراقبون إلى أن من الدوافع الأخرى هي حالة الضعف والانهيار الداخلي للنظام السوري، الذي يعاني من أزمتين مالية واقتصادية خانقة، باتت تنذر بانفجار شعبي داخل مناطق سيطرته.
وقال الحريري في مؤتمر صحافي من الدوحة إن الوقت الآن لصالح المعارضة السورية وسبب ذلك يعود إلى الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية في مناطق سيطرة الأسد، حيث أن ذلك لا يسير في صالح النظام.
وأشار إلى أن المعارضة السورية جاهزة للحل السياسي ولديها خيارات بديلة للضغط على الأسد وإجباره على الرضوخ للحل وفق القرارات الدولية ذات الصلة، ولاسيما القرار 2254.
واعتبر أن منصة “أستانة” لا تمثل الائتلاف الذي لا يقبل إلا بالعملية السياسية وفق جنيف وتحت رعاية الأمم المتحدة من أجل تحقيق انتقال سياسي حقيقي تتشكل فيه هيئة حكم انتقالية ويضع دستورا جديدا للبلاد وانتخابات برعاية الأمم المتحدة.
توجه قطري لإنعاش دور الائتلاف السوري الذي شهد تراجعا كبيرا نتيجة الخسائر الميدانية ما أثر على وضعه التفاوضي
وأضاف الحريري “نحاول العمل مع الإدارة الأميركية الجديدة على مجموعة من العناصر السياسية القائمة على أن تكون استراتيجية واشنطن محددة وواضحة وتنسجم مع المخاطر الجسيمة في المنطقة وتضمن الأمن والاستقرار المستدام في سوريا”.
وكان الحريري يتحدث من مقر السفارة السورية، التي تسلمتها المعارضة منذ العام 2013، في رسالة لا تخلو من دلالات. وعن مباحثاته في الدوحة، قال الحريري إن “الزيارة كانت فرصة للقاء عدد من المسؤولين القطريين على رأسهم وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وذلك في إطار تعزيز الدور العربي في الملف السوري”.
وأثنى على “الدور المهم الذي تلعبه قطر في دعم الشعب السوري منذ انطلاقة ثورته وحتى الآن على مختلف الصعد السياسية والإعلامية”.
والإثنين أكد وزير الخارجية القطري خلال لقائه مع الحريري أن بلاده “تدعم الجهود الدولية الرامية إلى التوصل لحل الأزمة السورية على أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لاسيما القرار رقم 2254”.
وفي ديسمبر 2015 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2254، بالموافقة على خطة لوقف إطلاق النار في سوريا وإجراء محادثات بين النظام والمعارضة وتشكيل حكومة وحدة وإجراء انتخابات في البلد العربي المأزوم.
وضمن مسار العملية السياسية شكلت الأمم المتحدة “اللجنة الدستورية” لصياغة دستور جديد، بعضوية مقسمة بين النظام والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني (50 عضوا لكل منها). وعقدت اللجنة 5 جولات لكنها لم تسفر عن أي نتائج حتى الآن، الأمر الذي جعل كثيرين يشككون في جدوى استمرارها.