قضايا المرأة العربية لا تجد حيزا وسط تصاعد الإنتاج المشترك

تعتبر قضايا المرأة من أبرز القضايا الاجتماعية التي تشترك فيها المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج، وهذا ما شجع ظهور أعمال درامية عربية مشتركة تتناول هذه القضايا وإن كان ذلك في بعض الأحيان فاقدا للعمق. ويركز مسلسل “عنبر 6” على حكايات النساء المسكوت عنها لكن ذلك لم يخل من نقائص.
القاهرة - كشف مسلسل “عنبر 6” الذي يعرض الجزء الثاني منه حاليا على منصة شاهد السعودية جانبا من طبيعة الأعمال الدرامية التي تناقش قضايا المرأة من منظور عربي، بعد أن غلبت النظرة المحلية على الأعمال التي عرضت السنوات الماضية، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية تقديم هذا النمط من المسلسلات في إطار جملة من الصعوبات المشتركة التي يعاني منها الإنتاج في عدد من الدول العربية.
وأسهمت الرؤية العامة لشركة “إيغلز فيلم” التي قدمت العديد من الأعمال العربية في الدفع باتجاه الاستعانة بمجموعة من الفنانات والفنانين العرب لمناقشة قضية محورية تتعلق بالصورة الذهنية للمرأة التي تقضي عقوبة السجن في المجتمعات العربية، وتعرضها للظلم جراء تواجدها خلف الجدران، وعدم تمكنها من الدفاع عن نفسها بالشكل الأمثل، وتقديم تضحيات قادتها إلى أن تبقى متهمة في نظر القانون.
ويتكون الموسم الثاني من 12 حلقة، تدور قصتها حول مجموعة من السجينات في سجن واحد يتعرضن للكثير من المشاكل داخل السجن، وهي قضية مستوحاة من أحداث حقيقية لثلاث نساء يواجهن تحديات العالم الخفي في أحد السجون بعنبر رقم 6، وتولت ورشة كتابة “مصنع الحكايات” بإدارة المؤلف هاني سرحان تحويلها إلى عمل درامي.
موضوعات مثيرة للجدل
أكد العمل في الجزء الأول منه على الجوانب الإنسانية لسجينات العنبر اللواتي يعتبرن ضحايا مجتمعاتهن، يجمعهن الظلم والألم في خانة واحدة، ففي العنبر نساء ارتكبن جرائم مختلفة قادتهن إلى أن يكن نزيلاته لتكشف الواحدة تلو الأخرى عن الأخطاء التي ارتكبتها وتلاحقهن أسرار الماضي وخباياه.
يستكمل الموسم الثاني ما انتهى إليه الجزء الأول بعد أن نشب حريق في السجن الذي تتواجدن به، وتظهر أبعاد جديدة في قصة “ليلى” التي تجسدها بطلة العمل صبا مبارك بعد أن تم إلقاء القبض عليها واكتشفت أنها كانت تعيش مع أسرة مزيفة.
يشارك في بطولة المسلسل أيضا المصريتان أيتن عامر وسلوى محمد علي، والكويتية فاطمة الصفي، والفنانة العراقية جومانا كريم، والسعودي نايف الظفيري واللبنانيتين رانيا عيسى ورنين مطر، وشارك في وضع السيناريو والحوار سمر طاهر، إيرين يوسف، هند عبدالله، مي سعيد، ومن إخراج البحريني على العلي. غابت الفنانة السورية سولاف فواخرجي عن الجزء الثاني الذي جرى تصويره في بيروت داخل ديكورات خاصة بالسجون بنيت على مساحات واسعة.
وتعاقدت “إيغلز فيلم” لصاحبها المنتج اللبناني جمال سنان عام 2020 مع المخرج البحريني لتقديم مجموعة من الأعمال العربية المشتركة، وشارك مؤخرا في عدد منها، أبرزها مسلسل “ملح وسمرة”، ومسلسل “دفعة بيروت”.
يركز الإنتاج المشترك الذي تصاعد أخيرا على تلبية احتياجات سوق المنصات الرقمية على المشكلات الاجتماعية والتطرق لموضوعات كوميدية، لكن تم إغفال الغوص في المشكلات النسوية أو التعرض لها بأشكال متقاربة بسبب التركيز على الأزمات والحروب والصراعات في المنطقة.
ويتم التركيز غالبا في قضايا المرأة على الموضوعات المتخصصة في ظل توجه عام في بعض الدول التي تقدم فيها وحساسية الخوض في موضوعات مثيرة للجدل لها علاقة بالمرأة، حيث تخشى شركات الإنتاج عدم ضمان تحقيقها المردود التجاري المطلوب، وإذا جاء الاهتمام بها فإنه يأتي من قوة دفع سياسية، كما الحال في مصر أخيرا التي تزايد الاهتمام فيها بالمرأة في الدراما، وجرى إنتاج أكثر من عمل حولها.
وظهر التوسع في تقديم أعمال تدعم تعديل قوانين الأحوال الشخصية والسعي لحصد المزيد من المكاسب للمرأة في مجالات متباينة، ونتج عن ذلك إدخال تعديلات تشريعية على بعض المواد التي كشفت عنها أعمال درامية كثغرات تنغص حياة المرأة. ومن أبرز الأعمال التي قدمتها الدراما المصرية مؤخرا، مسلسل “تحت الوصاية” و”الهرشة السابعة”، و”فاتن أمل حربي”، و”ستهم” و”عملة نادرة”.
وقال الناقد الفني رامي عبدالرازق إن تقديم عمل مشترك يتناول قضايا المرأة من منظور عربي لا يعني وجود اهتمام حقيقي بمثل هذه القضايا لتقديمها، واللافت في الكثير من الأعمال العربية التي تناقش قضايا المرأة أنها تتسم بقدر من النمطية بشأن نوعية القضايا التي يجري النقاش حولها وتغييب القضايا الحساسة التي تهم قطاعات كبيرة من السيدات في دول عربية مختلفة.
التفكير التجاري
أضاف عبدالرازق في تصريح لـ”العرب” أن مسلسل “عنبر 6” مثل غيره من الأعمال التي ركزت على قضايا المرأة، وأولت اهتماما بالصورة الجاذبة للجمهور في غياب التركز بالقدر ذاته على المحتوى، واختلاف السياقات الاجتماعية من دولة إلى أخرى، وأدت الفجوة في حركة التطور السريعة التي تشهدها قضايا المرأة في أكثر من دولة إلى صعوبة تقديم إنتاج مشترك يحظى بانتشار واسع عربيا.
وشدد على أن قضايا المرأة بوجه عام لا تمثل هدفا قوميا يمكن التكاتف حوله عربيا، ويكفي تقديمها على المستوى المحلي في حال اهتم القائمون على صناعة الدراما بالأزمات الاجتماعية الحقيقية والابتعاد عن تكرار تناول مشكلات المرأة في صورة مجتمعية أوسع، ما يجعل النظر إلى مسلسل “عنبر 6” في إطار تجاري تبحث عنه الشركة المنتجة التي لديها أهداف تتعلق بالانتشار أفقيا عبر الاستعانة بالعديد من الفنانات اللاتي يملكن جمهورا كبيرا في بلدانهن.
ويرى البعض من النقاد أن التفكير التجاري ليس أمرا سلبيا لأنه حق مشروع لشركات الإنتاج شريطة وجود قضية محورية، بما يبرهن أن المضمون هو السائد وليس ما يتم تحقيقه من عوائد مادية، ما يتطلب تغيير نظرة شركات الإنتاج لصورة المرأة، ويحتاج ذلك إلى مؤلفين يملكون مروحة ثقافية أشمل يمكن أن تسهم في جذب الجمهور.
ولم يحقق الجزء الأول من “عنبر 6” الانتشار الجماهيري المطلوب، ما يعني أن قضيته التي ناقشها بعيدة عن العمق والتماس المطلوبين لدفع الجمهور لمشاهدة العمل، وكان يمكن توظيف الطاقات الفنية المشاركة فيه لتقديم قضية أكثر أهمية بعيدا عن التركيز على نجاح خطط التسويق الخاصة باستقطاب نجمات من دول مختلفة.
وأكد الناقد الفني محمود قاسم أن الجوانب التجارية المرتبطة بطبيعة عمل شركات الإنتاج التي تقدم أعمالا مشتركة تدفع نحو تقديم أعمال تسلط الضوء على قضايا المرأة، ويحظى ذلك باهتمام بعض الفضائيات والمنصات الرقمية التي تحرص على التنوع في المحتوى المقدم، ومن المتوقع أن تتجه شركات إنتاج مصرية إلى تقديم مثل هذه الأعمال لسهولة تسويقها خارجيا، وهو أمر مهم في معادلة الإنتاج الحالي.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن نجاح هذه الأعمال يرتبط بقوة مؤلفه ومدى إدراكه لما يمكن أن يجمع الجمهور من فئات عربية متعددة حوله، وأن قضايا مثل الهجرة غير الشرعية والعمالة في الخارج وتأثير التغيرات المناخية والصراعات الإقليمية قضايا يمكن العمل عليها، شريطة تقديمها بشكل مناسب وجذاب.
وتأتي قضايا المرأة، وإن تعددت في الكثير من الأعمال المعروضة أخيرا، في سياق اجتماعي وليس سياقا يرتبط بحقوقها الشخصية، ما يجعلنا أمام موضوعات تناقش قضايا أسرية تكون المرأة جزءا منها.