قصور تعليمي يخلق سوقا رائجة لتدريب الإعلاميين في مصر

شركات التدريب تلعب دورا في استكمال حلقات الدراسة النظرية وربما تكون عاملا سلبيا إذا لم تتوافر الكفاءات التي تضمن تطوير مهارات الصحافيين.
السبت 2023/09/16
سلاح الصحافي مواكبة عصره

القاهرة - تقود الكثير من المشكلات المهنية المحيطة بالإعلام المصري إلى انتعاش شركات التدريب على فنون الإعلام والصحافة بأشكالها المختلفة، في ظل انتقادات يوجهها عاملون في هذا المجال للبرامج الخاصة في كليات الإعلام وعدم قدرتها على مواكبة التطورات المتسارعة في العمل المهني، والإصرار على الفصل بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي.

وسلط الحفل، الذي نظمته الشركة العربية لفنون السينما والتلفزيون والاتصال في القاهرة قبل أيام لتدشين "سينيميديا" للفنون الإبداعية، الضوء على ما يمكن تسميته بـ"بيزنس" التدريب الإعلامي الذي بدأ يحظى بجذب رؤوس أموال كبيرة توجه إلى سوق الإعلام بهدف الاستفادة من الطلب المتزايد على التدريب مع التطورات المتلاحقة التي تقود إلى تصدر ألوان صحفية غير تقليدية المشهد الراهن.

وتركز شركات التدريب على توفير برامج خاصة بسوق الإنتاج الوثائقي وصحافة الفيديو وتوظيف الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام، والتسويق الرقمي، والتقديم التلفزيوني، والدوبلاج، والبودكاست، وصناعة أفلام الموبايل، والمونتاج، وغيرها من فنون الإعلام الحديثة، والتي لا تتوفر بالقدر الكافي داخل المقررات الدراسية القديمة في غالبية كليات الإعلام، ويحتاجها الكثير من الصحافيين الذين لم يدرسوا جيدا قواعد الإعلام الجديد أو مازالوا بحاجة إلى المزيد من صقل مهاراتهم.

أحمد أبودرويش: التطورات السريعة تخلق الحاجة إلى التدريب المستمر
أحمد أبودرويش: التطورات السريعة تخلق الحاجة إلى التدريب المستمر

وهناك قناعة لدى شريحة واسعة من الصحافيين بأن تدريبات الإعلام الرقمي، بتفريعاتها وأقسامها المتباينة، تسهم في توفير فرص عمل أفضل في ظل سوق تنكمش تدريجيا، ودائما يبقى هؤلاء تحت تهديد مستمر لانزواء الصحافة المطبوعة وتراجع الإعلام بشكله التقليدي، بما يجعل عملية التدريب أمراً ملحًا بالنسبة إليهم.

وقال صاحب إحدى شركات التدريب الخاصة في تصريحات لـ"العرب" إن "عملية التدريب من أبرز أشكال الاستثمار في الإعلام وتحقق أرباحا مادية مضمونة، والأمر لا يتطلب في بعض الأحيان سوى مقر للتدريب والاستعانة بمجموعة من الصحافيين وبعض أساتذة الإعلام، في حين يلعب التسويق الإلكتروني الدور الأبرز في جذب المتدربين".

وأكد على أن "شركات التدريب الكبيرة تلعب على القصور المهني والتعليمي الواضح في مصر، مع زيادة أعداد خريجي كليات الإعلام ممن يرون أنهم بحاجة إلى صقل مهاراتهم، وهؤلاء الأكثر جذبا للمؤسسات التدريبية التي تضع برامجها بالتعاون مع بعض أساتذة الجامعة والعاملين في مجال الصحافة والإعلام، ولديهم القدرة على تحديد أوجه القصور ومعالجتها من خلال دورات تدريبية متقنة".

وأشار المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن "هيئات التدريب نفسها تعاني قصورا كبيرا في مصر، وأغلبيتها لا تواكب التطورات في مجال الإعلام، وقد يكون التركيز فيها على برامج الصحافة الرقمية التي بدأت تتراجع عقب الاتجاه نحو دراسة استخدامات الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام، كما أن اختيار المدربين أنفسهم لا يعتمد دائما على الكفاءة، فتحقيق الأرباح يسبق المحتوى المُقدم إلى المتدربين".

وتذهب الكثير من مؤسسات التدريب إلى تدشين شراكات مع وسائل إعلام مصرية تستهدف تحسين مهارات العاملين فيها، بل إن هناك صحفا وقنوات فضائية لديها مراكزها التدريبية التي توظفها بشكل تجاري عبر استقطاب متدربين من خارجها ارتباطاً بقيمتها في سوق الإعلام، وتقديم منح لتدريب الصحافيين العاملين فيها.

وتكمن الأزمة في أن الكثير من مؤسسات التدريب تقوم على إدارتها شخصيات لها أفكار مختلفة عما يتماشى مع مهارات الأجيال الصاعدة التي تحتاج إلى برامج متطورة تواكب ما وصلت إليه وسائل الإعلام في العالم.

كما أن غياب الاهتمام الكافي بالتدريب يحد من وجود كوادر تملك خبرات للمشاركة في عملية التأهيل، وقد يكون الارتكاز على أسماء شهيرة من نجوم الصحافة والإعلام عنصرا لجذب الطلاب، بغض النظر عن طبيعة المحتوى الذي يتم تدريسه.

وأكد أحمد أبودرويش، مدير شركة "كيميت" للعلاقات العامة والاستشارات الإعلامية، أن التطورات السريعة في سوق الإعلام تخلق الحاجة إلى التدريب المستمر، ونجاح المركز التدريبي يرتبط بمدى اهتمامه بالجوانب العملية وليس النظرية، وشركته تقدم منحا للطلاب وخريجي الجامعات المشاركين في التدريبات وشهادة خبرة معتمدة.

وأضاف أبودرويش في تصريح لـ"العرب" أن "الواقع يشير إلى أن الكثير من الطلاب وخريجي الجامعات يفتقرون إلى مهارات التعامل مع أجهزة الكمبيوتر، ويسيطر الهاتف المحمول على تعاملاتهم وخبراتهم التكنولوجية، والفتيات أكثر انجذابا إلى عملية التدريب من الشباب، وبعض الخريجين يأملون أن يقود تدريبهم إلى الحصول على فرصة عمل براتب مغر، وهو أمر قد لا يتحقق سريعا، ما ينعكس سلبًا على استفادتهم من عملية التدريب وتحمسهم لها".

حسن علي: مراكز التدريب أصبحت وسيلة لجني أرباح طائلة وسريعة
حسن علي: مراكز التدريب أصبحت وسيلة لجني أرباح طائلة وسريعة

ويرى خبراء إعلام أن شركات التدريب تلعب دورا في استكمال حلقات الدراسة النظرية، وربما تكون عاملا سلبيا إذا لم تتوافر الخبرات والكفاءات التي تضمن تطوير مهارات الخريجين والصحافيين، وتقييم المحتوى الذي تقدمه على المستوى التعليمي ضروري لمعرفة ما إذا كانت تشكل عاملا إيجابيا يظهر على مستوى المحتويات الإعلامية المقدمة أم يبقى ما تمنحه مجرد شهادات بلا استفادة حقيقية.

ولدى كلية الإعلام بجامعة القاهرة مركز للتدريب والتوثيق والإنتاج الإعلامي، ويتولى مهمة تدريب الصحافيين في مؤسسات إعلامية مختلفة، ما يؤشر على أن المؤسسات التعليمية على قناعة بإمكانية أن تستفيد من سوق التدريب التي ينجذب إليها الطلاب والخريجون، على الرغم من أنها أحد أسباب المشكلة لعدم مواكبة برامجها تطورات سوق الإعلام وقلة أعداد الطلاب المقبولين بالأقسام الحديثة في ظل صعوبات توفير أعضاء لهم خبرات كافية لتدريس مقررات تتماشى مع تطورات سوق الإعلام.

وأوضح أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس (ِشمال شرق القاهرة) حسن علي أن أزمات سوق الإعلام وضعف قدرة الخريجين على إيجاد فرص عمل أوجدا ما يمكن تسميته بـ"فوضى شركات التدريب الخاصة" التي بدأت تنتشر على نطاق واسع، لكنها لا تحظى بالحد الأدنى من المتابعة المهنية التي تضمن تقديمها برامج تتوافق مع احتياجات سوق العمل الفعلية.

ولفت في تصريح لـ"العرب" إلى أن "مراكز التدريب أصبحت وسيلة لجني أرباح طائلة وسريعة، والكثير من الصحافيين والإعلاميين الذين لم تعد لديهم فرص عمل مناسبة اتجهوا نحو تأسيس هذه النوعية من الشركات لشغل أوقات فراغهم، وبعض المراكز تبيع الوهم للمتدربين وتخدعهم بأنها سوف توفر لهم فرص تدريب في جهات إعلامية، وينخدع الطلاب والخريجون فيها عندما لا يتحقق هذا الأمر".

وتعتبر بعض المؤسسات الصحفية التدريب أحد أوجه مدخلات التمويل المهمة بالنسبة إليها، خاصة تلك التي لديها شهرة واسعة وتسوق لاسمها، لكنها تقدم غالبا برامج فقيرة مهنيا ولا تناسب الحاصل في سوق الإعلام، ما يجعل التدريب لا يحقق المرجو منه.

5