قصف هيروشيما وناغازاكي درس تتوارثه الأجيال

مع حلول ذكرى قصف هيروشيما لم يتوقف الناجون عن الدعوة إلى التخلي عن السلاح فيما يواصل المؤرخون في كل مرة كشف تفاصيل جديدة أهملها التاريخ.
الأربعاء 2020/08/05
حدث مأساوي

طوكيو- مرت أكثر من سبعة عقود على إلقاء القنبلتين الذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان، لكن جراح الناجين من الضحايا لم تندمل بعد.

ورغم فداحة الحدث ومأساويته، فإن جل الناجين من هذه الكارثة اختاروا توريث هذه الذكرى للأجيال الجديدة للتعريف بما حدث لهم من ضرر كبير وجب ترويجه دوليا كي لا يتكرّر الأمر في وقت تتصارع فيه الدول والقوى العظمى وتتسابق في امتلاك الأسلحة النووية.

 وبعد 75 عاما لم يتوقف الناجون الذين يعرفون في اليابان بعبارة “هيباكوشا” ومعناها الحرفي “المتضررون جراء القنبلة”، عن الدعوة منذ عقود إلى التخلي عن السلاح الذري.

ومع حلول هذه الذكرى في شهر أغسطس من كل عام بات المؤرخون يهتمون أكثر بالتفاصيل في روايات الناجين التي تكشف في كل مرة تفاصيل جديدة أهملها التاريخ.

والقصف الذرّي على هيروشيما وناغازاكي شنته الولايات المتحدة على اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1945، حيث قامت الولايات المتحدة بقصف المدينتين باستخدام قنابل ذرية بسبب رفض تنفيذ إعلان مؤتمر بوتسدام وكان نصه أن تستسلم اليابان استسلاما كاملا دون أيّ شروط.

غراف

ورفض رئيس الوزراء الياباني سوزوكي آنذاك هذا التقرير وتجاهل المهلة التي حدَّدها إعلان بوتسدام. وبموجب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي هاري ترومان، قامت الولايات المتحدة بإطلاق السلاح الذري على مدينة هيروشيما في الـ6 من أغسطس عام 1945. ثم تلاها إطلاق قنبلة على مدينة ناغازاكي في الـ9 من أغسطس من نفس العام. وكانت هذه الهجمات هي الوحيدة التي تمت باستخدام الأسلحة الذرية في تاريخ الحرب.

وتسببت القنبلة الذرية في دمارا هائل حيث، قتِل ما بين 60 و80 ألف شخص على الفور عندما انفجرت القنبلة فوق هيروشيما، ومات ما يقدر بنحو 140 ألف شخص من الآثار الحادة للقنبلة قبل نهاية العام.

وارتفع عدد الوفيات إلى أكثر من 200 ألف شخص في العقود اللاحقة، حيث مات الناس من السرطانات والأمراض الأخرى المرتبطة بالتسمم الإشعاعي. وإلى جانب الخسائر البشرية، يقول المؤرخون إن القنبلتين الذريتين دمرتا ما يقرب من 63 في المئة من مباني هيروشيما وتضررت 29 في المئة منها.

وكان إجمالي عدد القتلى في ناغازاكي أقل، حيث حمت الجبال أجزاء من المدينة. ومع ذلك، توفي ما لا يقل عن 75 ألف شخص إجمالًا. وما زال هناك حاليا 136.700 ناج غير أن متوسط أعمارهم يزيد على 83 عاما، بحسب وزارة الصحة اليابانية. وكان العديد منهم أطفالا رضعا أو لم يولدوا بعد في صباح السادس والتاسع من أغسطس 1945.

ويقول تيرومي تاناكا (88 عاما) الناجي من القنبلة الذرية على ناغازاكي، متحدثا قبيل ذكرى القصف “يجب ألا يتكرر الأمر”، ومن أجل ذلك “يجب أن يستمع الناس إلى الوقائع”.

وكان تاناكا في الثالثة عشرة من العمر حين ألقى الأميركيون القنبلة الذرية على مدينته في التاسع من أغسطس 1945، فقتل 74 ألف شخص منهم من مات على الفور ومنهم من قضى نحبه في الأشهر اللاحقة.

وقبل ذلك بثلاثة أيام، تعرضت هيروشيما لأول هجوم نووي في التاريخ أسفر عن 140 ألف قتيل. وقضى تاناكا القسم الأكبر من حياته يروي تجربته على أمل أن يتم حظر الأسلحة النووية في العالم. ويضيف تاناكا “عاجلا أم آجلا، سوف نغيب جميعنا”.

وشارك في إنشاء مجموعة “مشروع لا هيباكوشا بعد الآن” التي تحافظ على أرشيف المأساة “بما في ذلك ما كتبناه بأنفسنا” حتى يكون متاحا للجيل التالي و”التمكن من استخدامه” في حملاته ضد السلاح الذري. ويقر تاناكا بأن مداخلات الناجين لم تعد تجتذب في غالب الأحيان سوى عدد ضئيل من المستمعين.

غراف

وبين الناجين جيرو هاماسومي البالغ 74 عاما، وهو من أصغرهم سنا إذ كانت والدته حاملا به عند انفجار القنبلة في هيروشيما. وقتل والده على الفور على الأرجح ويروي هاماسومي خلال مقابلة جرت في منزله “لا يمضي يوم من غير أن أفكر بوالدي”.

ما يعرفه هاماسومي عن القصف رواه له أشقاؤه من حيث النور الباهر ودوي انفجار القنبلة الملقبة بـ”الفتى الصغير” (ليتل بوي) وما تلا ذلك من فظاعة.

كان والده يعمل على مسافة بضع مئات الأمتار من نقطة سقوط القنبلة. حاولت والدته التوجه مع أولادها إلى مكتب زوجها، لكن “الحرارة ورائحة الأجساد المحترقة” منعتاها من ذلك. لكنهم لم يعثروا في نهاية المطاف سوى على “شيء يشبه جسده” وكل ما وجدوه كان حلقة حزام ومفتاحا وبقايا محفظة.

ولد هاماسومي في فبراير 1946 ولم يعان من الآثار التي ظهرت على العديد من الأطفال نتيجة تعرضهم للإشعاعات في أرحام أمهاتهم.

لكن ذلك القصف النووي حدد حياته برمتها وجعله ينشط على مدى عقود ضد السلاح النووي. ويقول إن عبارة “المظلة النووية” التي تضمن لبلد حماية حليف يملك السلاح النووي، لا تستحضر في ذهنه سوى صورة “سحابة الفطر” المتصاعدة من انفجار ذري.

ومع تقدمهم في السن ينقل الناجون إرثهم إلى ناشطين شباب يتحدر العديد منهم من هيروشيما وناغاساكي ونشأوا على ذكريات الذين عايشوا القصف الذري.

وبين هؤلاء الناشطين الشبان ميتسوهيرو هاياشيدا (18 عاما) حفيد أحد الناجين في ناغاساكي، وهو ينظم لقاءات بمشاركة ناجين ويساهم في نشر ومتابعة عريضة دولية تطالب بحظر السلاح النووي جمعت حتى الآن أكثر من 11 مليون توقيع.

ويضيف “اليوم ينشط أطفال الناجين وأحفادهم على غراري، لكن كلامنا ليس له على الأرجح نصف وقع كلام الناجين”، مؤكدا “يجب فعلا أن يتجه العالم إلى إلغاء السلاح النووي طالما أنهم ما زالوا على قيد الحياة”.

6