قصف جوي جديد يعمق معضلة حماية مواقع الميليشيات في العراق

الرمادي (العراق) - تعرضت قوات الحشد الشعبي المكوّنة أساسا من ميليشيات شيعية ناشطة على الأراضي العراقية، مجددا، لقصف جوي مجهول المصدر كرس المعضلة التي يواجهها هذا الجسم العسكري غير النظامي الذي تحاول الحكومة العراقية معالجة وضعه الشاذ من خلال إدخاله شكليا تحت مظلة القوات المسلحة، ما يضعها أمام إشكالية حمايته بعد سلسلة هجمات على مواقع له، خصوصا وأن تلك الهجمات التي تمت على الأرجح بطائرات مسيّرة، نُسبت إلى إسرائيل واُتهمت الولايات المتحدة بالتواطؤ في تنفيذها.
واستهدف طيران مجهول الهوية، الأحد، موقعا للحشد غربي محافظة الأنبار، بحسب ضابط في الشرطة العراقية.
وقال الضابط ،الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لحساسية الخبر، إن “طيرانا مجهول الهوية قصف موقعا للحشد الشعبي تابعا للواء الطفوف في مطار المرصنات 70 كلم غرب مدينة الرطبة غربي الرمادي”، مركز محافظة الأنبار بغرب العراق.
وأضاف الضابط لوكالة الأناضول أن “القصف أدى إلى إلحاق أضرار مادية دون وقوع خسائر بشرية بصفوف الحشد الشعبي”. وأشار إلى أن “الحشد تمركز في مطار المرصنات بعد تحرير الرطبة من داعش قبل ثلاث سنوات”.
والأسبوع الماضي قالت قوات الحشد الشعبي إنها تمكنت من إسقاط طائرة مسيرة كانت في مهمة استطلاعية في محافظة ديالى شمالي بغداد والتصدي لأخرى في محافظة صلاح الدين المجاورة لديالى.
وتأتي هذه التطورات بعد أن تعرضت مؤخرا خمس قواعد للحشد الشعبي إلى هجمات غامضة، آخرها تمّ بطائرتين مسيرتين قبل أسبوعين واستهدف أحد ألوية الحشد قرب الحدود العراقية السورية ما أدى إلى مقتل أحد عناصره وإصابة آخر، في ظل تلميحات من إسرائيل بالوقوف وراء تلك الهجمات.
وتظهر تلك الهجمات أن ميليشيات الحشد التي اكتسبت قوة كبيرة على الأرض بعد مشاركتها الفاعلة في مواجهة تنظيم داعش، وباتت منتشرة على نطاق واسع في مناطق العراق بما في ذلك مناطق الشمال والغرب موطن أبناء الطائفة السنية العراقية، تفتقر إلى الغطاء الجوي وتظل تحت رحمة الطيران الذي تمتلك فيه الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل، اليد الطولى.
وفي حال ثبوت ضلوع إسرائيل في استهداف مواقع الحشد فإن الحشد لا يمتلك إمكانية الردّ عليها، ما يعني تحمل الخسائر المادية والبشرية، فضلا عن الخسارة المعنوية التي تشمل أيضا إيران التي يدين قادته بالولاء لها، كما تشمل أيضا الحكومة العراقية التي تبنّت الحشد كجزء من القوات النظامية الخاضعة لإمرة رئيس الوزراء الذي يتولى منصب القائد العام للقوات المسلحة.
الجهة التي أعادت قصف الحشد تُبلغ الحكومة العراقية رسالة مفادها عدم تصديق مسرحية هيكلة الميليشيات
كذلك يضع استهداف فصائل الحشد الشعبي الحكومة العراقية في مواجهة سياسية لا ترغب فيها مع الولايات المتحدة التي تتهمها قيادات بالحشد بالتواطؤ مع تل أبليب وغض الطرف عن طيرانها لاختراق المجال الجوي العراقي الواقع تحت رقابة أميركية دقيقة.
وتخشى الحكومة العراقية، التي تواجه سلسلة معقدة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، أن تقحمها الميليشيات في صراع إقليمي ودولي لا طاقة لها بتحمله.
ورشحت تلك الخشية مؤخرا بشكل غير مسبوق حين اتجهت الشكوك نحو إمكانية أن يكون الهجوم على مرافق نفطية سعودية قد تم انطلاقا من الأراضي العراقية وعلى يد ميليشيات موالية لطهران.
وأمر رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي منذ مدّة بإعادة هيكلة الحشد الشعبي، بحيث يصبح جزءا من القوات النظامية، وذلك في محاولة لإيجاد حل لمعضلة وجود هيكل شبه عسكري ينافس الدولة قراراتها وسلطاتها بما في ذلك قرار الحرب، لكن تلك العملية بدت بإجماع الملاحظين شكلية إلى أبعد حد، إذ لا ينتظر من الميليشيات الشيعية التي ساهمت إيران في تشكيل أغلبها وتساهم في تنظيمها وتسليحها أن تفكّ الارتباط مع قادتها المباشرين مثل قيس الخزعلي وهادي العامري، وتنضبط لأوامر رئيس الحكومة وتوجيهاته.
واكتست الضربة الجديدة، التي تلقّاها الحشد الأحد في محافظة الأنبار رغم محدودية الخسائر الناجمة عنها، رمزية خاصة إذ جاءت غداة نشر المخطط الرسمي التفصيلي لإعادة هيكلة الحشد مع بيان لتوزيع المهام والمسؤوليات.
وضمت الهيكلية الجديدة خمس معاونيات رئيسية، من بينها معاونيات للعمليات وأخرى للاستخبارات بالإضافة إلى خمس وعشرين مديرية وسبع قيادات عمليات في المدن الكبيرة.
وقال مصدر عراقي، طلب عدم ذكر اسمه، إن “الجهة التي أعادت قصف موقع للحشد بالأنبار في هذا الظرف بالذات أرادت إبلاغ رسالة لحكومة بغداد بأن لا أحد يصدّق أن الميليشيات التابعة لإيران باتت تحت سلطة الدولة العراقية، وأن تلك الميليشيات ستظل موضع استهداف بعد مسرحية إعادة الهيكلة”.