قصة صدام رجل أعمال مصري مع أجهزة الدولة في كتاب "هذا أنا"

تكشف المذكرات عن خفايا الأحداث كما يرويها كاتبها، وهو يتحدث عن سيرته أو جزء منها، حيث يتقاطع العام بالخاص. المذكرات إذن وثائق تاريخية غاية في الأهمية لمن يريدون البحث عن الحقيقة، وهذا ما يؤكده كتاب "هذا أنا" الذي يسرد فيه رجل الأعمال المصري صلاح دياب تفاصيل من رحلة حياته وخاصة تجربة السجن.
القاهرة- لماذا قرر رجل الأعمال المصري صلاح دياب مؤسس ومالك صحيفة “المصري اليوم” أن يكتب مذكراته؟ السؤال طرحه هو بنفسه في مقدمة كتاب صدر حديثًا بعنوان “هذا أنا” عن الدار المصرية-اللبنانية للنشر والتوزيع في القاهرة.
ويجيب بأنه ليس زعيمًا سياسيًا مُلهَمًا، أو نجمًا سينمائيًا يجتذب الأضواء، أو مُصلحًا اجتماعيًّا يتأمل الناس سيرته، أو مُجددًا يتتبع الجمهور مسيرته، وأن حياته على مدى ثمانين عامًا جملة من التطورات والتقاطعات دون انقلابات كبرى، وعاش أكثر من حياة، كان فيها طالبًا ومزارعًا وتاجرًا وحلوانيًا ومطورًا عقاريًا وناشرًا ثم كاتبًا، وكان أول مقاول مصري يعمل في الخدمات البترولية، وأول منتج عربي في مجال إنتاج خام البترول.
وكان أقسى ما تعرض له من محن في رأيه بسبب أنه صار ناشرًا، ويقصد نشر صحيفة “المصري اليوم” التي كتب فيها مقالًا باسم مستعار هو “نيوتن”، ووصف ذلك مستخدمًا تعبير “جعلوني مناضلا”، على غرار اسم الفيلم العربي الشهير “جعلوني مجرمًا.”
اتهامات غريبة

ضمن تجارب وعلاقات كثيرة في مذكراته، في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة والصحافة، يروي صلاح دياب بأسلوب قصصي شيق تجربته مع الحبس مرتين عامي 2015 و2020، دون أن يعرف الأسباب الواضحة لذلك قبل أن يحصل على ما اعتبره رد اعتبار على يد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
قبل أن تدق الساعة الخامسة فجر يوم 8 نوفمبر 2015 فوجئ دياب بزوجته توقظه فزعة، ليقوم من نومه ويرى مشهدًا كأنه في أحد الأفلام البوليسية، حيث وجد حوله 12 ملثمًا يحملون السلاح ومعهم مجموعة من الضباط بملابسهم الرسمية والمدنية، يحيطون به في غرفة نومه، على وجوههم تحفز وترقب لأي رد فعل منه كأنهم يتعاملون مع إرهابي. نهض واقفًا وسط هلع زوجته وأنفاسها المتلاحقة، سائلًا إياهم عمن يكونون وماذا يريدون، ليخبره رئيسهم بثبات “معنا أمر بالقبض عليك.”
رأى رجل الأعمال المصري “جنودًا لا حصر لهم سيطروا برًا ونهرًا على منزله” في منطقة “منيل شيحة” (المطلة على نهر النيل) بمحافظة الجيزة، ثم وجد أحد الضباط يحمل قطعتي سلاح غريبتين عنه، ورفعهما أمام وجهه قائلًا بابتسامة إنهم وجدوهما في الفيلا. استغرب دياب وتساءل مندهشًا: “ماذا عن الأسلحة المرخصة الموجودة لديَّ؟ لماذا لم يكتشفوها؟”
تم وضع الأصفاد في يديه، وتصويره، واصطحابه في سيارة مصفحة يحيط به ضباط وجنود مدججون بالسلاح، وفي نفس التوقيت تم إلقاء القبض على ابنه توفيق في منزله بمنطقة التجمع (شرق القاهرة)، فشعر صلاح دياب بأن حكمًا غيابيًا صدر باغتياله معنويًا دون محاكمة، ودون أن يعرف الأسباب.
المثير أن رجل الأعمال قد نشر في مذكراته “هذا أنا” صورة القبض عليه مكبلًا بالأصفاد والتي نُشِرت وقتها بكثافة في المواقع الإلكترونية، ليبدأ بعدها مع المحامي المصري فريد الديب رحلة مواجهة الاتهام بحيازة سلاح دون ترخيص، والأهم معرفة الأسباب الحقيقية وراء ما جرى. صدر القرار بحبس صلاح دياب، وتم تجديد حبسه مرة أخرى لمدة 15 يومًا، فأدرك أن الأمر سيطول.
في هذه الأثناء وصل الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى مطار شرم الشيخ قادمًا من زيارة إلى السعودية، وأعلن أن رجال الأعمال في مصر محل رعاية وتقدير. وهنا تغير كل شيء. استدعاه وكيل النيابة وأخبره بأن زوجة ابنه توفيق تقدمت بالتماس على قرار تجديد حبسهما، وقد قررت النيابة قبوله، وصدر قرار بالإفراج عنه على ذمة القضية.
خلال رحلة البحث عن أسباب ما جرى، علم دياب من أحد المسؤولين أن هناك قائمة طويلة من الاتهامات تخصه، منها حصوله على قرض من بنك الطلبة حين كان طالبًا في كلية الهندسة في ستينيات القرن الماضي، قيمته 260 جنيها، لم يتم سداده، واتهام آخر بأنه لم يدفع إيجارًا لنادي الزهور في موعده المحدد حين كان محل “لابوار” الذي يملكه يشغل كشكاً فيه.
اعترته دهشة ممزوجة بعصبية شديدة بسبب هذه الاتهامات الغريبة، وعاد ليفكر في الأمر بهدوء، ليجد أنه يُحتمل بشدة أن يكون بفعل وشاية تعرض لها، بسبب ما سماه “المناكفات السياسية” لصحيفة “المصري اليوم.” لكنه في كل الأحوال تمت تبرئته وابنه بعد عام ونصف العام في قضية السلاح غير المرخص من أول جلسة أمام القضاء.
رد الاعتبار
في 2020، تكرر السيناريو، فتم إلقاء القبض على صلاح دياب بإجراءات أمنية مشددة، لكن دون ابنه هذه المرة، بتهمة إقامة سور حول أحد مصانع “لابوار” دون ترخيص، بعد أن بات البناء دون ترخيص مجرَّمًا، ويتم نظر قضاياه أمام القضاء العسكري.
◄ مذكرات رجل الأعمال تناول فيها بالخصوص تجربة سجنه مرتين سنتي 2015 و2020 والتهم الغريبة التي واجهته
أوضح في تحقيقات النيابة أنه قام بالتخارج من شركة “لابوار” منذ 2013 ولا يمتلك سهمًا واحدًا فيها، إلا أنه صدر القرار بحبسه، ثم تجديده، ليقضي أربعين يومًا مقيد الحرية، ويخرج بعدها قبل اكتمال فترة حبسه الثالثة بخمسة أيام، وقد نقص وزنه 11 كيلو جرامًا.
قبل تجربة الحبس الثانية، مرت بحياة رجل الأعمال قصتان، استعادهما بعد خروجه رابطًا بينهما وبين ما حدث له، الأولى قصة تداعيات مقال “حاكم سيناء” الذي كتبه باسم “نيوتن” في 12 أبريل 2020، لتطاله وقتها هجمة شرسة وحملة مضللة، على حد قوله، بعد أن تم تصوير الأمر على أنه يريد عزل سيناء عن مصر، خلافًا لحقيقة ما قصده، وهو دعم فكرة اللامركزية كأساس للتطور والإنجاز في التنمية. ولم ينتبه وقتها أن تلك الهجمة كانت مقدمة لشيء أعنف مقبل.
والقصة الثانية التي تذكرها بعد الإفراج عنه، تتعلق بإقدام أحد أجهزة الدولة على محاولة شراء حصة في صحيفة “المصري اليوم” إلا أنه تعمد إفشال الصفقة، وأصر على عدم استلام قيمتها متمسكًا بموقفه، ما تم تفسيره بأنه يرفض التعامل مع أجهزة الدولة، علمًا بأنه يرى أنه ليس ندًّا لأي جهاز في الدولة، بدءًا من أجهزة التموين والمحليات وصولًا إلى الأجهزة الأمنية والرقابية، كما يقول في مذكراته.
بعد شهور من خروجه من محبسه، تمت دعوة صلاح دياب وابنه توفيق إلى اجتماع في “قصر الاتحادية” ضمن عدد من رجال الأعمال للترويج لمبادرة “حياة كريمة” بحضور الرئيس السيسي، الذي وجه الشكر في كلمته لرجال الأعمال الحاضرين بأسمائهم، لدعم المبادرة، وكان دياب هو الوحيد الذي منحه الرئيس لقبًا عندما قال: “وأشكر المهندس صلاح دياب.”
اعتبر رجل الأعمال المصري الدعوة والمشهد بالكامل بمنزلة رد اعتبار له من أعلى مؤسسات الدولة، وأن ما حدث له هو في ظنه طلقات طائشة تجاهه طالما بقيت صحيفة “المصري اليوم” تصدر، وعلى قيد الحياة.