قراءة إيرانية في أحداث الساحل السوري

أحداث الساحل السوري معركة حقيقية تأخذها إيران على عاتقها من التنسيق إلى الإشراف وصولًا إلى التنفيذ.
السبت 2025/03/15
أحداث الساحل... أول جس نبض إيراني

أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقابلة مع وكالة فرانس برس الجمعة 7 مارس الجاري أن “شن إسرائيل هجومًا على إيران سيشعل حريقًا واسع النطاق في منطقة الشرق الأوسط.” الملفت أن تصريح عراقجي أتى على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في جدة، حيث من المفترض أن تكون جهود الحاضرين محصورة في الخروج بخطة تحاكي وقف جنون الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ما خصّ مطالبته بتهجير سكان قطاع غزة.

كما أن الملفت أيضا هو أن تصريحه أتى على أرض المملكة العربية السعودية، التي أبدت في الآونة الأخيرة انفتاحًا على النظام في طهران برعاية صينية. هذا ما أثار التساؤل حول الرسالة غير المناسبة في المضمون وفي التوقيت، التي وجهها عراقجي، فهل لها أبعاد يجب قراءتها من منظور إيراني لاسيما أنها تزامنت مع تطورات أحداث الساحل السوري؟

المتابع للأحداث الأمنية المتسارعة في الساحل السوري تحديدًا، يستنبط أن ما يجري لا يتوقف عند محاولة الاعتراض على أداء الإدارة الجديدة في حكم البلاد برئاسة أحمد الشرع، ولا هو موجه ضد الأقليات العلوية والشيعية والمسيحية كما يحاول الإعلام المرتبط بإيران التسويق له، بهدف شد العصب الطائفي من أجل تقسيم سوريا إلى مناطق طائفية. لكن بعض المصادر تعتبر أن طريقة تنفيذ الهجمات وشبك الكمائن بحق القوة الأمنية السورية، تتضمن تنسيقًا واضحًا وبدعم إيراني لتثبت مقولة “أنا لم أزل هنا.”

أعلنت وزارة الدفاع السورية مساء الجمعة 7 مارس الجاري عن إفشال هجوم لـ”فلول” النظام السابق على قيادة القوات البحرية في مدينة اللاذقية، وذلك بالتزامن مع تصدي قوات الأمن العام لهجوم آخر استهدف المستشفى الوطني في المحافظة الساحلية. وتشهد المنطقة الساحلية في سوريا حربًا حقيقية بين قوات الأمن السوري وبين مجموعات هي من فلول نظام بشار الأسد الهارب، وتأتمر من إيران بهدف زعزعة سيطرة النظام وخلق فوضى ما سيسمح لعودة النفوذ الإيراني الذي تآكل بعد 8 ديسمبر الماضي.

◙ إيران تحتاج إلى تبريد العلاقة الأميركية – الروسية، لأن التوصل إلى حوار متساو ومحترم بين موسكو وواشنطن يشكل مصلحة لها

وتلقت القيادة الإيرانية ضربة قاسمة، بعدما اعتبر البعض أن إنفاق مليارات الدولارات لتمكين حضورها في سوريا تطاير في مهب الريح، وأن خطوط إمدادات أسلحتها من طهران إلى سوريا ولبنان باتت مقطوعة بعدما قام النظام السوري الحالي في فبراير الماضي بحملة عسكرية واسعة لإقفال الحدود البرية الشرعية وغير الشرعية مع لبنان.

وفي أحداث الساحل السوري لا مكان للتصرفات العفوية، ولا هي ردة فعل على بعض الممارسات الخاطئة من قبل عناصر من الأمن العام حيث حولوا إلى لجان للمحاكمة. بل هي معركة حقيقية، تأخذها إيران على عاتقها، من التنسيق إلى الإشراف وصولًا إلى طريقة التنفيذ، بهدف في جانب منه “لي” ذراع تركيا في سوريا لاسيما بعد الصراخ الدبلوماسي بين البلدين والذي تمثل في ما قاله المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي الاثنين 3 مارس الجاري، في مؤتمره الصحفي الأسبوعي، من أن “تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كانت غير بناءة،” مضيفًا أن على “أصدقائنا الأتراك أن يفكروا في نتائج وتبعات سياساتهم.”

انتقاد بقائي أتى على خلفية تصريح ليفدان الجمعة 28 فبراير الماضي، بشأن سياسات إيران الخارجية، إذ اعتبر فيدان أن سياسة إيران الخارجية المرتبطة بأذرعها في المنطقة تكتنفها “مخاطرة كبيرة، وأنها تكبدت كلفة مقابل الحفاظ عليها.”

لي ذراع تركيا مطلوب إيرانيًا، ولكن أيضًا هناك رغبة إيرانية في اللعب بالوقت بدل الضائع بين الروسي والأميركي إثر المحادثات التي تجري بينهما بشأن أوكرانيا. إذ ليس من باب الصدف أن تتحرك تلك المجموعات الخاضعة لأوامر طهران من تلقاء نفسها، فهي أتت بالتوازي مع الخطة التي تدرسها إدارة ترامب لوقف وتفتيش ناقلات النفط الإيرانية في البحر بموجب اتفاق دولي يهدف إلى مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، بحسب ما نقلته وكالة رويترز عن مصادر. هذا وكان ترامب قد تعهد بإعادة تطبيق حملة “أقصى الضغوط” لعزل إيران عن الاقتصاد العالمي وخفض صادراتها النفطية إلى الصفر لمنعها من الحصول على السلاح النووي.

تجد طهران في تحرك وكلائها في سوريا وفي إعادة تموضع حزب الله في جنوب لبنان أوراقًا تعمل على التلويح بها في وجه اللاعبين الإقليميين والدوليين. إذ أن تعليق عراقجي حول إشعال المنطقة يتضمن في جزء منه ما يجري في سوريا من نشر للفوضى. كما أن المكان الذي صرح منه، وهو جدة، يحمل رسائل واضحة إلى دول الخليج بأنها المعنية لاسيما وأن هذه الدول أبدت انفتاحا واسعا على الرئيس أحمد الشرع في سبيل إعادة سوريا، كما لبنان، إلى الحاضنة العربية.

◙ طهران تجد في تحرك وكلائها في سوريا وفي إعادة تموضع حزب الله جنوب لبنان أوراقا تعمل على التلويح بها في وجه اللاعبين الإقليميين والدوليين

لا تريد طهران أن تخسر الورقة السورية لأن هذا سيضعها في حرب مباشرة مع الإسرائيلي والأميركي، وهذا ما يبدو أنها تسعى لتجنبه. فتحريك الورقة السورية يهدف إلى اللعب في الوقت بدل الضائع، خصوصًا وأن الرؤية لم تزل ضبابية أمامها في ما يتعلق بالعلاقة بين الروسي والأميركي في ما يخص الساحة الأوكرانية.

وتحتاج إيران إلى تبريد العلاقة الأميركية – الروسية، لأن التوصل إلى حوار متساو ومحترم بين موسكو وواشنطن يشكل مصلحة لها. لاسيما وأن الروسي كان قد طرح على ترامب لعب دور الوسيط في شأن ملف إيران النووي، ما يؤكد على تمسكه بشراكته الإستراتيجية الشاملة مع طهران التي وقع عليها في العام الماضي.

رفع ترامب العيار في كلامه عن إيران، وقال متوعدًا إن “شيئًا ما سيحدث قريبًا،” ولكي لا يحدث هذا الشيء حرّكت إيران وكلاءها في سوريا، في دلالة واضحة على اعتماد سياسة التمييع للوقت علّ في ذلك تحقق تقدمًا في ملفها النووي.

ولكن يبقى السؤال ماذا لو استطاعت قوات الأمن السورية إنهاء مسألة التمرد سريعًا قبل تحقيق المكاسب، فهل ستحرك طهران الورقة اللبنانية وتفتح الجبهة اللبنانية من جديد لتمديد الوقت بدل الضائع إلى حين تتبدى المشهدية الروسية – الأميركية، أم سيكون لترامب كلام آخر ويأخذ إيران إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل؟

6