قديروف.. ورقة بوتين المهمة في سوريا؟

دعا الزعيم الشيشاني رمضان قديروف الإثنين 16 ديسمبر الجاري، إلى رفع “هيئة تحرير الشام” التي قادت هجوم المعارضة السورية المسلحة للإطاحة بنظام الأسد من قائمة روسيا “للتنظيمات الإرهابية” محذرًا من مساع غربية “للتسبب في تصعيد بين موسكو والسلطات السورية الجديدة.”
دعوة قديروف تشكل جسر عبور للسلطات الروسية للدخول إلى سوريا مجددًا، فبعدما كانت روسيا تحدد سياسة سوريا الداخلية وتؤثر على مسار دبلوماسيتها الخارجية زمن النظام الأسدي. أصبح اليوم حضورها ووجود قواعدها مرهونيْن بما قد تتوصل إليه الرسائل الدبلوماسية بين موسكو والفصائل التي وصلت إلى الحكم في سوريا.
لم تكن المرّة الأولى التي يجد فيها الزعيم الشيشاني نفسه أمام الدفاع عن المصالح الروسية الخارجية، فهو من قاد جيشًا من شيشانيي بلاده للمشاركة في العملية العسكرية الخاصة التي خاضها الروسي على أرض أوكرانيا منذ عام 2022. لهذا يقدّم اليوم قديروف نصيحة تحاكي التغييرات الجيوسياسية التي تشهدها الساحة السورية، من خلال فتح باب التقارب للقيادة الروسية مع الفصائل التي تعمل على بناء الدولة السورية الجديدة.
المتابع لا يحتاج كثيرًا لكي يدرك أن دعوة قديروف رغم أنها تستند على صدق في مضمون الرسالة التي تحملها، لكنّها قد لا تلقى أذانًا صاغية من الجانب السوري
يرتكز قديروف في دعوته على محاكاة الفصائل انطلاقًا مما يجمعهما من أيديولوجية دينية دفعت ببعض الدول العربية لرفع مستوى توجساتها. إذ أبلغت الإمارات العربية الولايات المتحدة عن عدم ارتياحها للحكومة السورية الجديدة، بسبب هويتها الإسلامية.
هذه الهوية، تثير الجدل في أوساط الدول التي تدور في التقاطع على المصالح مع الفلك الأميركي، فهي مقبولة عند التركي الذي يجد الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية) بأنّ ما حصل في سوريا هو امتداد طبيعي لنموذج الحكم الإخوان المطلوب تطبيقه في سوريا. بينما هكذا تموضع لا يطمئن دول الخليج العربي تحديدًا الإمارات والمملكة العربية السعودية ومعهما مصر، لأن هذه الدول تعتبر نفسها في الضفة المناهضة لوصول الحركات الإسلامية إلى السلطة.
تسارعت الأحداث في سوريا بعد الهجوم الكبير والمفاجئ من قبل الفصائل المعارضة للنظام السوري التي حملت لواء إنهاء الحكم الأسدي في سوريا في 27 نوفمبر الماضي. وكانت الفصائل قد أعلنت الأحد 9 ديسمبر الجاري، في بيان رسمي عن هروب الرئيس السوري بشار الأسد، بعد 50 عامًا من القهر تحت حكم البعث.
شكلت الجغرافيا السورية امتدادًا جيوستراتيجيًا لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، بعدما دخل جيشها عام 2015 في حرب إسناد للنظام في وجهة تلك الفصائل التي وضعتها موسكو على لوائح الإرهاب، كي (تشرعن)أعمالها العسكرية بحرية مطلقة. إضافة إلى قاعدة حميميم الجوية بنت روسيا على شواطئ طرطروس المطلة على البحر الأبيض المتوسط، قاعدة عسكرية بحرية. الملفت إن هذه القاعدة أدخلتها في لعبة المنافسات للسيطرة على البحار والمحيطات مع الولايات المتحدة والصين، وهذا ما تحدّث عنه هافورد جون ماكيندر كمبدأ أساسي لبناء الدولة المسيطرة في الجغرافيا السياسية.
تحتاج روسيا للمحافظة على وجودها العسكري في المنطقة، في ظلّ استمرارية حربها في شرق أوكرانيا تلك الحرب بدأت تتشظى وتأخذ أبعادًا مختلفة، وكانت آخر فصولها عملية الاغتيال التي تبنّتها الاستخبارات الأوكرانية، بحق قائد قوات الدفاع الكيميائي والبيولوجي بالجيش الروسي، إيغور كيريلوف ونائبه في شارع ريازانسكي بروسبكت في موسكو.
الحاجة الروسية لا ترتبط فقط بالحضور، بل بعرقلة الجهود التي تسعى لجعل سوريا ممرًا للغاز الطبيعي من دولة قطر والجوار إلى تركيا وصولًا إلى العمق الأوروبي. بعدما كان تلعب سوريا زمن الأسد، ممرًا لقوافل السلاح من طهران إلى حزب الله في لبنان.
تحديات كثيرة تواجه واقع الحال للفصائل الذي يعمل زعيمها على إزالة الصبغة الإسلامية المتطرفة عن أدائه من خلال دعواته المتكررة إلى كافة الأفرقاء للمشاركة في الحياة السياسية
تؤكد كافة التصاريح التي تطلقها القيادة الروسية حول التوجه الجدي نحو التفاوض مع حكومة الأمر الواقع التي تسعى لكسب ثقة دول العالم. وتعمل الدول الفاعلة على احتواء الفصائل وسط اصطفاف يرسم المشهدية العامة للنظام العالمي الحالي.
يدرك قديروف ما يعنيه، لاسيما وإنه يتهم الغرب الجماعي التسبب في التصعيد بين روسيا والسلطات السورية الجديدة، فهو لن يسمح بمثل هذا السيناريو. لهذا سارع في الدعوة إلى السطات الروسية، لرفع اسم هيئة تحرير الشام عن لوائح إرهابها، كي تكون السباقة بين الدول التي تحذو هذه الخطوة. فما قاله مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون لمجلس الأمن، الثلاثاء 17 ديسمبر الجاري، واضح حول ضرورة التحرك الغربي الملموس نحو انتقال سياسي شامل في سوريا سيكون مهمًا لضمان حصول البلاد على الدعم الاقتصادي الذي تحتاج إليه.
وأضاف بيدرسون، أن هناك استعدادا دوليا واضحا للمشاركة، فالاحتياجات هائلة ولا يمكن معالجتها إلا بدعم واسع النطاق. وواضح أيضا أن دعوة بيدرسون نحو الانفتاح على سوريا الجديدة، تدخل ضمن لعبة “شدّ الحبال” لكسب هذا البلد الذي يولد من جديد إلى حاضنته. فسوريا اليوم تدخل ضمن المخطط الغربي لقطع الطريق على الاستثمار الروسي والإيراني من جديد.
تحديات كثيرة تواجه واقع الحال للفصائل الذي يعمل زعيمها على إزالة الصبغة الإسلامية المتطرفة عن أدائه من خلال دعواته المتكررة إلى كافة الأفرقاء للمشاركة في الحياة السياسية. فهو يريد أن يطبّق النموذج التركي في الحكم، حيث الفكر الاسلامي يبقى هو الطاغي في البلاد، لكنّ مع إضفاء روح علمانية تتمثل في السماح لممارسة الحرية الشخصية المنضبطة طبعًا.
لا يحتاج المتابع كثيرًا لكي يدرك أن دعوة قديروف رغم أنها تستند على صدق في مضمون الرسالة التي تحملها، لكنّها قد لا تلقى أذانًا صاغية من الجانب السوري، أي عند الفصائل التي لن تذهب إلى اتخاذ خيار الاصطفاف في الضفة المعاكسة لأنقرة، ولا حتى للغرب، لأن الجميع بات على علم إن البلاد لن تسير على سكة الاصلاح إلا مع الانفتاح الدولي ورفع العقوبات عن سوريا على رأسها قانون “قيصر”، وأما لعبة التموضع زمن الأسد فقد ولت بغير رجعة.