قدرات استثنائية تحوّل المحنة إلى منحة

"المتحوّلون الجدد".. حكاية خماسي معزول يواجه مصيرا مجهولا.
الاثنين 2020/12/07
مكان معزول يخفي أسرارا لا حصر لها

لا شك أن القدرات البشرية الخارقة كانت ولا تزال موضوعا مفضلا في سينما الخيال العلمي. وهو استقصاء طويل ومشوّق لقدرات أولئك البشر. فهذه القدرات تجعل البشر عابرين للزمان أو المكان أو لقدراتهم العادية أو كلها معا. وضمن هذا الإطار يندرج فيلم “المتحوّلون الجدد” للمخرج جوش بون، لكن وفق طرح مُغاير.

شاهدنا سابقا سلسلة من أفلام الخيال العلمي التي تناولت القدرات الخارقة للبشر، ونالت حظا وافرا من الاهتمام والنجاح، ومنها أفلام “سوبرمان” و”سبايدرمان” و”الفاني” و”الرجل النملة” و”باتمان” و”حراس المجرة” و”هيلبوي” و”هولك” و”الرجل الحديدي”، وغيرها.

ومجمل هذه الأفلام تؤسّس لصراعات تتميز بالتحدي وإثبات الذات وتحميل القصة الفيلمية بالمزيد من عناصر التشويق التي تجعل الجمهور مندهشا ومأخوذا إلى المتابعة.

وفي فيلم “المتحوّلون الجدد” للمخرج جوش بون (إنتاج 2020) هناك الكثير ممّا يمكن الاستمتاع به من القدرات الخارقة لخمسة من الفتية والفتيات الذين يجدون أنفسهم معزولين تماما عن العالم الخارجي، حيث تصبح قدراتهم الاستثنائية مصدر خطر عليهم أولا ثم على غيرهم، وهذا ما يتم إيهامهم به كي يكونوا أكثر طاعة وتنفيذا للأوامر التي تُطلب منهم.

في المقابل سوف يبدأ الفيلم بما يشبه الإعصار، حيث تهرب داني (الممثلة بلو هونت) مع والدها لينتهي بها الأمر إلى مكان تجهله، إذ تجد نفسها مقيّدة اليدين إلى سرير في مكان غير معلوم، ولتبدأ رحلتها مع الدكتورة ريز (الممثلة أليس براغا) التي تتولى وحدها الإشراف على مجموعة الخمسة في مبنى مهجور ومقطوع عن العالم الخارجي.

هنا يتم تطويق المكان بمنظومة كهرومغناطيسية بإمكانها أن تصعق كل من يحاول الفرار، بينما تتولى الدكتورة مراقبة الفتية والفتيات الخمسة في كل تحركاتهم، فضلا عن معاقبة من يخرج على الطاعة منهم بحبسه انفراديا.

الفيلم يستعرض الصراع الكلاسيكي بين الخير والشر، منتصرا للحب القادر على انتشال البشر من السقوط في الهاوية

وخلال ذلك سوف نشاهد القدرات الخارقة لكل واحد من أولئك الفتية والفتيات بالتتابع مع إيجاد بذرات صراع ومنافسة بين بعضهم البعض، كالخلاف بين داني من جهة وبين إيليانا (الممثلة آنيا تيلور جوي)، ومع تتابع الشخصيات فقد عمد المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو إلى إبراز خواص الشخصيات بشكل مختلف ومتميز، وفي خلاف ذلك كانت تلك الشخصيات تتشابه في ما بينها.

لكن الأمر الأهم هو القلق الذي يساور الدكتورة ريز من وجود دانين وهو ما سوف نكتشفه في ما بعد من خلال الأوامر التي تأتي للطبيبة بضرورة التخلّص منها لكونها أخطر أفراد المجموعة.

واقعيا لن نغادر كثيرا نمطية سادت في مثل هذه النوعية من الأفلام من خلال إبراز نوع محدّد من الخارقية كالذراع النارية التي تمتلكها إيليانا أو الكتلة النارية التي تميّز روبيرتو (الممثل هنري زاكا)، وهنا سوف نشهد المواجهة غير المتوقعة بين إيليانا وبين روبيرتو والتي تنتهي بنجاة الأخير بأعجوبة.

عامل التشويق في وقوع مثل هذه المصادمات التي تمزج الحركة بالرعب بالخيال الواسع والتي قادتنا إلى منطقة أخرى تتعلّق بالمشاعر الإنسانية، وذلك في إطار تنويع درامي ملفت للنظر إلى الشخصيات، سوف يتوّج بالثنائي المتناغم داني وصديقتها ران (الممثلة ميسي ويليامس)، وبالنسبة إلى ران تبدو قصتها أشد تعقيدا في صراعها مع الكنيسة وهو الذي يتسبّب في هجمات أشباح تلاحقها ولا تستطيع النجاة إلّا بمعونة داني في سلسلة من مشاهد كتم الأنفاس والتصعيد الدرامي، وخاصة عندما يتم استدراج داني من قبل الطبيبة بغرض قتلها.

يحتشد الفيلم بالكثير من مشاهد الذكريات والأحلام والهلوسة واللاوعي بما أتاح إمكانية الزجّ بشخصيات إضافية، فضلا عن الأشباح التي سوف تلاحق الجميع في القسم الأخير من الفيلم، وخاصة من خلال مواجهات إيليانا لتلك الشخصيات وهي في الكثير من الأحيان ترتبط بهلوسات بسبب جرعات المواد الكيمياوية والدواء الذي يتم حقن الشخصيات بها بين الحين والآخر.

مكبّلة في انتظار مصير غامض
مكبّلة في انتظار مصير غامض

على أن نزعات التمرّد التي كانت الشخصيات تعبّر عنها، كانت تتوقّف عندما يكون هنالك أمل وحلم بأن هذا المكان ليس سجنا ولا مصحة نفسية بل محطة تأهيل، وأن الجميع سوف يعودون إلى ممارسة حياتهم الطبيعية، وهي فكرة مزيفة ومخادعة لارتباط الجميع بسلسلة من التجارب التي تجرى تجاريا من قبل شركة تراقب كل شيء.

من جهة أخرى، وإذا تعمّقنا في استخدام المكان وتوظيف تلك البناية المهجورة فسنجد أن حركات الكاميرا والزوايا المتنوعة والقطع المونتاجي السريع والخدع البصرية ساهمت كلها في إضافة عناصر جمالية لتلك الدراما المشوقة والتي حفلت بالمغامرات والصراعات التي لا تكاد تنتهي.

وأما في ما يتعلّق بالشخصيات الدرامية فقد تم توظيف شخصية داني لكي تكون هي المنقذ من خلال مواجهتها للدببة الافتراضية الشرسة والعملاقة التي يعجز الجميع عن مواجهتها، ولاحظنا أن تلك المواجهة لم تكن إلّا تأكيدا لمشاهد البداية عندما كانت داني تردّد مع نفسها ما تعلّمته من والدها بأن في داخل كل إنسان دبّا شريرا أو خيّرا، فلمن ستكون الغلبة في النهاية؟

وقد استعادت داني تلك المواجهة في المشاهد الأخيرة من الفيلم، والتي توّجت بتمرّد شامل وتحرّر الجميع من تلك المتاهة التي كانوا يعيشون فيها خارج إرادتهم وبما أسّس لهم حياة جديدة.

16